7
عروبة الإخباري –
اللواء – ندى عبد الرزاق –
يعيش الاقتصاد اللبناني وضعا معقّدا مع استمرار ارتفاع معدّلات التضخّم بسبب الانكماش الاقتصادي وانهيار العملة الوطنية. وقد ساهمت دولرة السلع الاستهلاكية منذ منتصف 2023 في تقليل الزيادات السريعة في الأسعار، إلّا أن الغلو واصل صعوده محققا 221% في 2023 مقارنة بالعام السابق. ومع حلول 2024، ورغم انخفاض وتيرة التضخّم إلى 7.46% حتى أيلول، فإن الأزمات السياسية والحروب في المنطقة أعادت إشعال الضغط على الأسعار. أما داخليا، فقد أسهمت عوامل مثل تحويل الضرائب والرسوم إلى سعر صرف مرتفع، وجشع التجار، وارتفاع تكاليف الخدمات الأساسية كالتعليم والإيجارات في تفاقم الأزمة. ويبقى الاقتصاد في دائرة الأزمة المستمرة مع غياب خطط إصلاحية حقيقية.
جولة ميدانية على السوبرماركت: تباين في الأسعار وزيادة ملحوظة
للاطّلاع على حقيقة ارتفاع الأسعار في السوبرماركت، قامت «اللواء» بجولة ميدانية على المتاجر الكبرى في مناطق الأشرفية، فرن الشباك، الزلقا، وبرج حمود. وقد كشفت زياراتنا المتتالية تفاوتاً في الأسعار، مع عدم وجود نقص يُذكر في مخزون المواد الأساسية.
ومع ذلك، لوحظت زيادة في الأسعار تراوحت بين عشرة آلاف وخمسين ألف ليرة لبنانية خلال أسبوع واحد فقط. وشملت هذه الزيادة بعض السلع غير الأساسية، مثل أنواع الشوكولاته القابلة للدهن.
ارتفاع أسعار الحبوب والمعلبات بفعل المستجدات الأمنية
على صعيد آخر، أشار المواطنون الذين التقتهم «اللواء» إلى أن الأسعار ارتفعت بشكل ملحوظ خلال الشهرين الماضيين، خصوصاً أسعار الحبوب والمعلبات. وأوضحوا أن تصاعد الأحداث العسكرية بين حزب لله وإسرائيل دفع شريحة من الناس إلى التهافت على شراء المواد التي لا تفسد بسرعة، مثل الحمص، الفول، السردين، والتونة. كما أكدوا أن هذه الأصناف شهدت زيادة فعلية في أسعارها على أرض الواقع، في ظل تنامي الطلب عليها مع تدهور الوضع الأمني والاقتصادي.
ارتفاع الأسعار: بين الواقع والتضارب في المؤشرات
يوضح الخبير الاقتصادي ورئيس قسم البحث والتحليل في «بنك بيبلوس» نسيب غبريل لـ «اللواء» أن «هناك كلاما متضاربا بشأن أسعار المواد الغذائية. فبينما تشير فئة إلى وجود ارتفاع طفيف في الأسعار، تؤكد مجموعة أخرى أن هناك ارتفاعا مضطردا، خصوصا في فترة الحرب الراهنة، ولكن يجب أن نرى ماذا تظهر المؤشرات والأرقام. إذ ان هناك جهات من مصلحتها القول بأن الأسعار تقريبا مستقرة وارتفعت بشكل بسيط، وفي المقابل، توجد أطراف تهوّل بالقول إن الأسعار مرتفعة بشكل كبير على عكس ما يقوله البعض».
ويضيف «استناداً إلى الأرقام، يبيّن مؤشر السلع الاستهلاكية الذي يصدر شهريا عن إدارة الإحصاء المركزي أن مؤشر الأسعار ارتفع في شهر أيلول من العام الماضي بمعدل 33% مقارنة بأيلول 2023، وارتفع أيضا بنسبة 0.2% عن آب 2024. مما يعني أن المؤشر سجل ارتفاعا سنويا بنسبة 33% وارتفاعا شهريا بنسبة 0.2%».
ويقول غبريل: «إذا نظرنا إلى أسعار المأكولات والمشروبات غير الكحولية، نجد أنها ارتفعت بنسبة 20% بين أيلول 2023 وأيلول 2024، وزادت بنسبة 1% بين آب 2024 وأيلول 2024. لكن بالنسبة إلى مكونات المؤشر الأخرى، نجد أن هناك مكونات شهدت ارتفاعات أكبر بشكل ملحوظ مقارنة بأسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية. فعلى سبيل المثال، تضاعفت نفقات التعليم بمعدل 700%، أي بنحو سبع مرات بين أيلول 2023 وأيلول 2024. كما زادت أعباء الاتصالات والترفيه بنسبة 130%، وارتفعت أسعار الملابس بنسبة 24.5%، والأسعار في الفنادق والمطاعم بنسبة 22.3%، في حين ارتفعت الإيجارات بنسبة 22.6%. شهدت هذه القطاعات زيادات أكبر مقارنة بقطاع المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية».
مؤشر وزارة الاقتصاد: تباين في أسعار المواد الغذائية
في المقابل، يظهر مؤشر أسعار المأكولات الذي تصدره وزارة الاقتصاد بالتعاون مع البرنامج الغذائي العالمي تراجعا بنسبة 0.5% في أيلول 2024 مقارنة بشهر آب 2024، ولكنه سجل ارتفاعا بنسبة 5% مقارنة بأيلول 2023، مما يعني أن الأسعار زادت خلال عام بنحو 5%.
ويؤكد ان «المؤشر يبيّن أن أسعار الدجاج ارتفعت بنسبة 15% بين أيلول الماضي والحالي، بينما ارتفعت أسعار الخضار بنسبة 4.5%، والزيوت بنسبة 2.5%، والبيض بنسبة 7.6%، والمشروبات بنسبة 5%. في المقابل، تراجع سعر السكر بمعدل 6% سنويا بين أيلول 2023 وأيلول 2024، وتراجعت أسعار السمك المعلب بنسبة 3%، كما انخفضت أسعار الفواكه بنسبة 1.3%، والأجبان والألبان بنسبة 1.2%. أما على صعيد شهري، فقد ارتفع سعر البيض بنسبة 14% في أيلول 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، وارتفعت أسعار الفواكه بنسبة 2.8%، والزيوت بنسبة 1.1%، والمشروبات بنسبة 0.6%. على الجانب الاخر، تراجعت أسعار الدجاج بنسبة 9%، والسكر بنسبة 2%، والخضار بنسبة 1.2%».
تفاوت الأسعار حسب المناطق اللبنانية
ويكشف ان «المؤشرات تظهر تفاوتا في الأسعار حسب المناطق. فقد ارتفع مؤشر المأكولات بنسبة 8% في الشمال في أيلول 2024 مقارنة بأيلول 2023، وبنسبة 5.4% في جبل لبنان، و5% في بعلبك-الهرمل، و4% في الجنوب، و3.8% في البقاع، و3% في بيروت، بينما سجل ارتفاعا طفيفا بنسبة 0.3% في النبطية. أما في عكار، فقد تراجع المؤشر بنسبة 4.3% هذا على الصعيد السنوي. أما في ما يتعلق بالجانب الشهري، فقد تراجعت أسعار المأكولات في الشمال بنسبة 2.4%، وفي البقاع بنسبة 2%، وفي النبطية بنسبة 1.9%، وفي بعلبك-الهرمل بنسبة 1.5%، وفي بيروت بنسبة 1.2%، وفي جبل لبنان بمعدل 0.7%، وفي عكار بمقدار 0.4%. في حين ارتفعت الأسعار بنسبة 1.3% في الجنوب خلال أيلول 2024».
الحرب وتأثيرها في الأسعار
ويعتبر غبريل أن «تداعيات الحرب على لبنان أدّت إلى ارتفاع الأسعار في الجنوب على الصعيد الشهري، حيث تسبب النزاع الذي أثّر مباشرة في القطاع الزراعي في المنطقة، في زيادة أسعار البيض والفواكه. بناء على ذلك، تعكس هذه الأرقام واقعا واضحا، ولكن من الطبيعي أن يشعر المواطنون والأسَر بأن الأسعار تصاعدت. ولا يجب أن ننسى ان هناك قسما كبيرا من المواطنين عاطلا من العمل بسبب الاشتباكات المستمرة، أو يعمل بوظائف مؤقتة. فضلا عن ذلك، تعاظمت أسعار السلع الأساسية والخدمات كما أظهرت مؤشرات أسعار المستهلك. هذا الواقع، إلى جانب ارتفاع الأسعار المستمر وتراجع القدرة الشرائية نتيجة عدم زيادة الأجور والإيرادات بنفس سرعة ارتفاع الأسعار، يجعل المواطن يشعر بثقل هذه الزيادات، حتى وإن لم يتابع تفاصيل المؤشرات الرسمية، لأن العديد من المواد الأساسية التي يستخدمها المواطن شهدت ارتفاعا ملحوظا في أسعارها».
تحسّن المخزون بسبب المساعدات
من جهته، يوضح نقيب أصحاب السوبرماركت في لبنان، نبيل فهد، أن المخزون الغذائي «لا يزال كما كان سابقا، بل تحسّن في الآونة الأخيرة نتيجة وصول الإغاثات التي ساهمت في تخفيف الطلب التجاري»، لافتا الى أن «هذه المعونات قللت الضغط على الأسواق المحلية، مما عزّز الاستقرار النسبي في توفّر السلع الأساسية».
رقابة صارمة على جودة السلع المستوردة
وبخصوص السلع الهجينة التي تكتسح الأسواق اللبنانية، يؤكد فهد لـ «اللواء» أن «جميع المواد الغذائية المستوردة عبر المرافئ الشرعية تخضع للفحوصات المخبرية اللازمة، مما يضمن صلاحيتها للاستهلاك. وتأتي هذه الإجراءات ضمن إطار الرقابة الصارمة التي تهدف إلى الحفاظ على صحة المستهلك اللبناني في ظل الظروف الحالية».
العروض المخفّضة والمنافسة تسيطر على الأسعار
وفيما يخص الأسعار، يشدّد على أن «كافة السوبرماركت المنتسبة الى النقابة لم تشهد أي ارتفاع استغلالي، بل على العكس، تطرح آلاف الترويجات بأسعار مخفّضة يومياً، ويمكن التأكّد من ذلك عبر مراجعة صفحات التواصل الاجتماعي، حيث يتم الإعلان عن هذه العروض يوميا، أو عبر موقع وزارة الاقتصاد الذي ينشر الأسعار أسبوعياً». ويلفت الى صدور مؤشر الأسعار من الإحصاء المركزي عن شهر تشرين الأول، حيث بلغ الارتفاع 2% فقط، ما يعكس استقرار الأسعار، ويعتبر ان «التضخم محدودا جدا، خاصة في ظل الظروف الحالية والضغوطات والتغيّرات التي طرأت على الاقتصاد».
ويختم فهد بالتنويه الى «أن العرض يفوق الطلب بشكل كبير، خصوصاً أن الطلب التجاري ضعيف نتيجة تراجع المداخيل بفعل الحرب. يؤدي هذا الوضع إلى تحكم المنافسة بشكل واضح في تخفيض الأسعار، مما ينعكس إيجاباً على المستهلكين. وتؤكد جميع المؤشرات الإحصائية هذا الاتجاه نحو انخفاض الأسعار بسبب هذه المنافسة».