عروبة الإخباري –
حديث مدير دائرة الإحصاءات العامة أكد فيه انحسار معدل البطالة، معتبرا أن هذا الانخفاض، وإن لم يكن حاداً أو متسارعاً، إلا أنه يمثل بداية لانحسار البطالة، ما يعطي بصيص أمل بتحسن الأوضاع الاقتصادية في المستقبل، لكن هل يمكن اعتبار هذا التراجع بداية لمسار مستدام أم أنه مجرد انحسار مؤقت في ظل تحديات أخرى؟ انخفاض معدل البطالة في الأردن خلال الربع الثاني من عام 2024 بمقدار 0.9 نقطة مئوية مقارنة بالربع الثاني من العام الماضي يمثل مؤشراً يستحق التوقف عنده، وهذا التراجع الطفيف، بالرغم من أنه قد لا يوحي بانفراج سريع، إلا أنه يبعث إشارة أولية على استقرار نسبي في مسار البطالة بعد سنوات من الارتفاع المستمر.
مع ذلك، فإن القراءة العميقة لهذه الأرقام تفرض تساؤلات حول مدى تأثير هذا الانخفاض على واقع سوق العمل، خاصة في ظل الفجوة الملحوظة بين معدلات البطالة لدى الذكور والإناث، لذلك فإن معدل البطالة بين الذكور انخفض إلى 18.9 %، ما يعد تحسناً ملحوظاً مقارنة بالعام الماضي، إلا أن معدل البطالة بين الإناث بلغ 31 %، بزيادة طفيفة قدرها 0.1 نقطة مئوية.
وهنا يظهر السؤال: لماذا تستمر الفجوة بين الجنسين؟ وهل تعكس هذه الأرقام تحديات حقيقية في وصول النساء إلى سوق العمل؟ وهل هذه الفجوة مؤشر على عدم كفاية السياسات الحكومية في تعزيز دور المرأة في الاقتصاد؟ التغيرات التي طرأت على منهجية حساب البطالة منذ عام 2017، بناءً على توصيات منظمة العمل الدولية، أضافت طبقة أخرى من التعقيد، وإقصاء العمل التطوعي من حسابات العمل الرسمي أدى إلى ارتفاع في معدل البطالة بمقدار يتراوح بين 1.5 إلى نقطتين مئويتين، مما يعني أن جزءاً من الزيادة في معدل البطالة خلال السنوات الأخيرة يعزى إلى هذا التعديل.
ورغم أن هذه المنهجية تستند إلى معايير دولية، إلا أنها تعيد تسليط الضوء على ضرورة فهم الأرقام في سياقها الأوسع وعدم الاكتفاء بالقراءة السطحية لها، لكن السؤال هنا: هل يجب إعادة النظر في هذه المنهجية؟ وهل ما زالت تعكس الواقع الفعلي لسوق العمل الأردني؟ الظروف الاقتصادية والسياسية التي مر بها الأردن خلال العقد الماضي، بدءاً من تداعيات الربيع العربي وصولاً إلى أزمة كورونا، أدت دوراً محورياً في تفاقم البطالة، فالهجرات الكبيرة التي شهدتها المملكة، والتراجع في قطاع السياحة، ثم التأثيرات التي فرضتها جائحة كورونا على سلوكيات العمل، جميعها عوامل ساهمت في ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات تجاوزت العشرين بالمائة، بالإضافة إلى التحول الرقمي المتسارع الذي تشهده المملكة، والذي يفتح فرصاً جديدة في مجالات العمل عن بُعد.
التحدي الأبرز يكمن في كيفية الاستفادة من هذه الفرص الرقمية الجديدة لتعزيز فرص العمل، خاصة بين الشباب، فالعمل من المنزل أصبح خياراً متاحاً للكثيرين، سواء للعمل المحلي أو الخارجي، ولكن هذا لا يعني أن الجميع قادرون على الاندماج في هذه السوق الجديدة.
والتفاوت في المهارات التقنية بين الفئات العمرية والتعليمية قد يشكل عائقاً أمام توسيع نطاق الاستفادة من هذه الفرص، مما يتطلب تدخلات حكومية لتعزيز التدريب وتوفير البنية التحتية الملائمة، وهنا نسأل: هل تقدم الحكومة الدعم الكافي لتأهيل القوى العاملة للاستفادة من هذه التحولات؟ وهل هناك خطة واضحة لتجاوز العقبات التي تواجه الأفراد الأقل قدرة على الاندماج في الاقتصاد الرقمي؟ باختصار، الانخفاض الطفيف في معدل البطالة يُعد خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، لكنه لا يمكن أن يُفهم على أنه حل شامل أو نهائي لمشكلة البطالة في الأردن، فالتحديات الهيكلية، بدءاً من التفاوت بين الجنسين في فرص العمل وصولاً إلى الفجوة الرقمية بين مختلف شرائح المجتمع، تظل حاضرة وتحتاج إلى سياسات طويلة الأمد لمواجهتها.