عروبة الإخباري –
الغد –
يدرك الساسة الصهاينة، وفي مقدمتهم «بنيامين نتنياهو»، بأنهم قد أخطأوا التقدير، وأنهم يجدون صعوبة في تحقيق أهداف حرب الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة، حتى لو استمرت أسابيع أو أشهرا أخرى، فالحسم لن يأتي. ولهذا هم يبحثون عن «صورة» انتصار يُبرر كل الخسائر، في الأرواح والمعدات، التي تكبدوها، ومجرد الحاجة لهذا النصر الزائف سيطيل المعاناة.
إن رفع عنوان القضاء على «حماس» ينطوي على جهل بأيديولوجية الحركة وفكرة المقاومة وعقيدتها الدينية وبنيتها الهيكلية التنظيمية ومصادرها التمويلية وارتباطاتها الإقليمية، وبوصفها حركة تحرر وطني متجذرة في نسيج المجتمع الفلسطيني وراسخة في وجدانه، تحظى بتأييد شعبي إسلامي وعربي وعالمي، لاسيما بعد 7 أكتوبر.
وقد اختبر الاحتلال قدرات تنظيمها العسكري وإمكانياته أثناء الحرب، فلم يستطع أسر مقاوم واحد أو العثور على نفق ذي دلالة أو مخزن صواريخ وأسلحة ثقيلة، عدا أدائه منقطع النظير لناحية القدرة على المناورة والاستهداف العسكري، وهو ما تظهره تلكؤات جيش الاحتلال في حركته، مما ثبت فشل هدفه الآخر بشل قدرات «حماس» العسكرية وضرب بنيتها التحتية، وذلك حينما واصلت قبل فترة وجيزة إطلاق صواريخها على مدن وبلدات داخل عمق الكيان الصهيوني.
ولأن الاحتلال أخفق في تحرير أسراه بالعملية العسكرية البرية، كما زعم، ذهب إلى مفاوضات التبادل، رغم عراقيله المستمرة، إزاء تفاقم أعباء الحرب عليه، لاسيما الاقتصادية، ولصمود المواطن الغزي وتمسكه بأرضه، رغم المجازر الوحشية واراقة الدم الفلسطيني، ونظير صلابة المقاومة التي كبدت جيشه خسائر، مادية وبشرية، مؤلمة في المواجهة البرية.
يستقيم ذلك مع تآكل مقومات إسناد الأهداف الصهيونية التي كانت متوفرة في بداية العدوان؛ فباستثناء الدعم الأميركي المفتوح، فإن تماسك الجبهة الداخلية الصهيونية آخذ بالانحسار، بالإضافة إلى التحول الملفت في توجهات الرأي العام العالمي والموقف الدولي لجهة دعم الفلسطينيين والتنديد بجرائم الاحتلال، وتنامي الضغوط الأوروبية والدولية لوقف إطلاق النار.
إن بقاء حركة «حماس» والمقاومة وقياداتها وسلاحها يمثل فشلا وهزيمة للحملة العسكرية الصهيونية، فكل ما هو دون اجتثاث المقاومة وسلاحها يعد انتصارا فلسطينيا، وهذا يعني:
أولا: قد تخرج المقاومة الفلسطينية من الحرب أضعف عسكريا، وهو احتمال يتبدد إزاء أدائها الميداني المحترف وتأكيد جهوزيتها العالية لأشهر طويلة، ولكنها ستكون أقوى سياسيا، نتيجة آثار عملية «طوفان الأقصى»، التي حققت انتصارا إستراتيجيا غير مسبوق وهزيمة نكراء للمؤسسة الأمنية والاستخباراتية والعسكرية الصهيونية، وحجم نتائج فاق أكثر التوقعات المتفائلة طموحا، وقد تؤسس لحقبة جديدة.
ثانيا: إن انتصار المقاومة يعني تجذير حركة «حماس» لتكون القوة الأولى في القضية الفلسطينية والمعادلة السياسية، وعلى المجتمع الدولي والكيان الصهيوني أن يتعاملا معها كاللاعب الرئيسي الفلسطيني في تقرير مصير القضية الفلسطينية.
ثالثا: تعزيز دور المقاومة الفلسطينية كحركة تحرير وطني ضد الاحتلال لتحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية، مما يقوي استمرار الالتفاف الشعبي حول المقاومة.
إن الانتصارات العسكرية «الجزئية» لم تحقق للاحتلال شيئا، لأن المقاومة مستمرة، ما يؤدي إلى ما سماه المؤرخ «الإسرائيلي» يعقوب تالمون (نقلا عن الفيلسوف الألماني هيجل) «عقم الانتصار».