أعلنت أمانة عمان، أمس في حفل ثقافي، أقيم في مدرج الحسن بن طلال بالجامعة الأردنية، نتائج جائزة حبيب الزيودي للشعر في دورتها الثالثة للعام 2023، برعاية رئيس الجامعة الأردنية الدكتور نذير عبيدات وحضور نائب مدير المدينة للتنمية المجتمعية في الأمانة حاتم الهملان مندوباً عن أمين عمان.
وفاز عن فئة أفضل ديوان شعر، بالتساوي، كل من الشاعر لؤي أحمد عن ديوانه (تولى الى الظل)، والشاعر محمد حجازي عن ديوانه (شهد نساء)، والشاعر حسن جلنبو عن ديوانه (وشهد شاهد من أهله).
كما فاز عن فئة قصائد الشعر الفصيح بالمركز الأول الشاعر بشار خمايسة بقصيدة (ما روته الريح)، وفي المركز الثاني الشاعرة وفاء جعبور بقصيدة (مرثيه للغياب)، وفي المركز الثالث الشاعر محمد العجارمة عن قصيدة (شجن لوجيا).
وحصل على المركز الأول عن فئة قصائد الشعر النبطي، الشاعر هاني العلي بقصيدة(يا كم أنثى)، وفي المركز الثاني الشاعر عبدالباسط بني عطيه بقصيدة (سواليف الفرح)، وفي المركز الثالث مناصفةً، الشاعر إبراهيم السواعير بقصيدة (محرر الديسك) والشاعره ليانا الرفاعي بقصيدة (سحر رم).
وفاز عن فئة الشعراء العرب المقيمين في الأردن الشاعر أحمد عبدالغني من جمهورية مصر العربية عن قصيدة (الحالم).
وتخلل الحفل، الذي أدارت فقراته الإعلامية نسرين أبو صالحة، عرض قدمته فرقة المعهد الوطني للموسيقى بمجموعة من الأغاني التراثية والوطنية للأردن وفلسطين والقصائد المغناة للشاعر حبيب الزيودي، وسلّم عبيدات والهملان الجوائز على الشعراء الفائزين بالجائزة التي تحمل اسم الشاعر الأردني الراحل حبيب الزيودي، تقديراً وتكريماً له، قامةً وطنيةً قدمت الكثير في مجال الشعر من قصائد في حب الوطن والانتماء.
وتكونت لجنة التحكيم من د.إسماعيل الزيودي رئيسًا، وعضوية كلٍّ من: د.عطالله الحجايا، د. إيمان عبدالهادي، الشاعر يوسف عبدالعزيز، والشاعر عليان العدوان.
وتكونت لجنة التحكيم من د.إسماعيل الزيودي رئيسًا، وعضوية كلٍّ من: د.عطالله الحجايا، د. إيمان عبدالهادي، الشاعر يوسف عبدالعزيز، والشاعر عليان العدوان.
رسالة الشعر
وفي كلمته، استهلّ الدكتوير نذير عبيدات، بتأكيده قيمة الشعر، وأنّ الجميع في كتابته فائز، معربًا عن تقديره لأمانة عمان على هذه الالتفاتة الكريمة في تنظيم الجائزة باسم الراحل حبيب الزيودي.
كما قدّم عبيدات قطعة مؤثرة حول الشاعر والجامعة التي درس فيها وعمان والعالوك وكلّ الأردن، وقال: «ليتَ حبيب الزيودي بينَنا اليومَ ليقولَ: وحبَّبَ أوطانَ الرجالِ إليهمُ/ مآربُ قضّاها الشبابُ هنالكا»، وليرى هذا الجمعَ الرائعَ من الشبابِ، الذينَ يقولون شعرًا ويكتبونَ أدبًا، بينَ أساتذتِهِم وأدبائِنا الكبارِ، ليكملوا دربًا ابتدأهُ عرارُ، وأكملَهُ حبيب».
ووجه عبيدات رسالةً إلى الشعراء الفائزين، في مقطوعات مؤثرة، ونداء لشخصيّة الجائزة، قال فيها » والآنَ ها قد جاءَ دورُكُم أنتُم، تقبضونَ على الكلمةِ، وتطوِّعونَها سيفًا بأيديكُم، أو وردةً. كانَ يومًا هنا، وكانَ هناكَ في المدينةِ، عاشَ نصفَ الحياةِ، ثمَّ راحَ وتركَ، لكنَّهُ أتى قبلَ ذلكَ، ثمَّ عادَ وراحَ. الآنَ نُقدِّرُ بعدَ رحيلِكَ أنَّكَ هنا كنتَ، لكنَّكَ لمْ تبقَ، وعرفنا بعدَ رحيلِكَ أنَّكَ هنا كنتَ، وأدركنا أنَّكَ في كلِّ مكانٍ كنتَ».
وقال عبيدات: «في السنينَ التي غبتَ عنّا فيها، أدركنا أنَّ الماضيَ ذهبَ ولمْ يبقَ منْ الحاضرِ، سوى قوةِ الرسالةِ التي قدمتَها، الرسالة التي تمثَّلت في عطائِكَ هيَ القوةُ التي مضتْ قُدُمًا. هناكَ إغراءٌ يتجسدُ في رؤيتِكَ، فيسرعونَ في تقديسِ ذاكرتِكَ، قلتُ ربما لا حاجةَ إلى القيامِ بذلكَ، فأنتَ تقفُ طويلَ القامةِ بما فيهِ الكفايةُ، تقفُ كالماردِ معَ أنَّكَ لستَ بماردٍ، بل إنسان بصفاتٍ فريدةٍ، إنَّكَ لستَ قديسًا أبدًا، وإن لم تكن قديسًا؛ فلماذا يريدونَ أن يدخلوا إلى جوهرِ كيانِكَ؟..كأنَّهمْ يريدونَ الدخولَ لتقديسِ ذاكرتِكَ، أقصدُ جوهرَ ذكراكَ، التي داعبَت ضحكتَكَ، فانحنَت عليكَ مرةً معَ الضحكةِ الرائعةِ، ومرةً بلا أيِّ ضحكٍ، وحتى بلا ابتسامةٍ. تنتقلُ بفرحتِكَ منْ هنا إلى هناكَ، حيثُ المدينةُ تنتقلُ بابتسامتِكَ، تلكَ التي تألقَت في تلكَ العيونِ التي لا تُنسى، تلكَ الابتسامة التي تألقَت، حتى فاضَ منها سيلٌ منْ طاقتِكَ، التي بصعوبةٍ كانَ يمكنُ احتواؤُها أو إسكاتُها».
وتابع رئيس الجامعة: «لم يكُن بالإمكانِ إيقافُ شغفِكَ في قصيدةٍ، ولا حتّى في كلمةٍ، حتى وإن بدأَ العرضُ، وبدأَ هو بعرضِ بضاعتِهِ، فكانَ يقفُ أحيانًا، يحاولُ العرضَ، ويحاولُ تصحيحَ أخطاءِ غيرِهِ، تلكَ التي لم تكُن تعجبُهُ. لقد كانَ احتجاجًا شديدًا، لكنَّهُ بلا عنفٍ، فقد كُنتَ تؤمنُ دينيًّا بالاحتجاجِ بلا عنفٍ،كنتَ ساخرًا تعتقدُ أنَّكَ قادرٌ على أن تشفيَ حالًا غارقًا في بحرٍ من العبوديةِ، في جميعِ تجاوزاتِها وتجلياتِها،كنتَ تؤمنُ بالاحتجاجِ على التحيزِ، لأنَّكَ كنتَ تؤمنُ بأنَّ الحياةَ واحدةٌ، وأنَّ الإنسانَ هوَ جوهرُ هذهِ الحياةِ؛ فلمَ التحيزُ؟ أتوا بكَ هنا مجددًا بعدَ أن غادرتَ،أحبَّك ذاكَ الذي كانَ في مكانِي، أرادَ لكَ أن تطولَ الحياةُ، لكنَّكَ رحلتَ، رحلتَ بلا وتر».
وقال عبيدات: «..غنيتَ عرارًا ثمَّ سكتَّ، وأظنُّ أنَّكَ أحببتَ السكوتَ، العالوكُ أم عمّانُ، لم أعد أعلمُ، فقد حيرتَني وحيرتَ غيري. لكنَّ العالوكَ بقيت هيَ العالوك، وعمّانُ بقيَت هي عمّان، حتى وإنْ كَبُرَت، فما زالت على عهدِها، وهيَ اليومَ تُحيي اسمَكَ، وتصرُّ أن تعودَ بكَ إلى «الأردنيةِ»، حيثُ أتيتَها طالبا، ثمَّ أتيتَها شاعرًا، وها أنتَ تعودُ إليها، مُحَمَّلًا بورودِ العاصمةِ، تنثرُ الوردَ على من يستحقُّ أنْ يُكَرَّمَ، ولسانُ حالِكَ يطلبُ من العاصمةِ، مزيدًا من الدلالِ والمحبةِ لعشقِكَ الأولِ، فهنا كنتَ، ومن هنا انطلقتَ، وإلى هنا عدتَ، وندركُ تمامًا، أنَّ الحياةَ لا يمكنُ إلا أن تكونَ هنا، للسلامِ عليكَ طالبًا، هنا، والسلامِ عليكَ شاعرًا، هنا، والسلامِ عليكَ وأنتَ تعودُ إلى هنا، فسلامٌ على مدينتِنا الحبيبةِ، سلامٌ على عمّانَ، وعلى أمانتِها، وعلى ساكنيها ومُحبّيها، أينما كانوا، حتى أولئكَ الذينَ رحلوا عنها، سلامٌ عليهم جميعًا».
فيوض المحبة
وتحدّث رئيس لجنة تحكيم الجائزة مدير مركز اللغات في الجامعة الأردنية الدكتور إسماعيل السعودي، مقدّمًا فيوضًا من المحبّة في معزوفات أدبيّة، استهلّها بصباح الخير العابق بالحضور الرائع، صباح الأردن؛ تاريخًا وإنجازات وشهداء ودماء طازجة على بوابات فلسطين.
وتابع السعودي: صباح الخير على شهدائنا و«هم يخرجون كلَّ صباحٍ من أشجارهم يتفقدون صغارهم، ويتجولون على سواحل وجدنا، ويرصدون الحلم والرؤيا، ويغطون سماءنا بفائض الألوان، ويغسلون الماء، ثمَّ يطرزون مساءنا وردا ونخلا.».. صباح الأردنية؛ قبابًا وسروًا ونخلًا ووجوهًا جاءت تطلب العلم والمعرفة والإبداع، فصباحك يا «أردنية» سكر وصباحنا جميعا».
وأكّد السعودي قيمة الشعر، باعتباره «سيد الجهات وأصل البدايات، وأجمل النهايات، الذي يُنسي العنصريّ عنصريته فيذوب عشقا مع عنترة وهو يقبل السيوف لامعة لأنها تشبه ثغر عبلة. وينسي المتطرف تطرفه منتشيا مع السمؤال وهو يردد: إذا المرء لَم يَدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ. وينسي المفجوع حزنه وهو يتحسر مع المتنبي:
أَبى خُلُقُ الدُنيا حَبيباً تُديمُهُ… فَما طَلَبي مِنها حَبيباً تَرُدُّهُ».
وقال السعودي: «هو الشعر الذي حوّل الشعب العربي إلى شعب محكوم بالشعر… كلّ الأطفال العرب يولدون شعراء… يخطّطون ليكونوا شعراء… الشعبُ العربيُّ هو الشعب الوحيد الذي يذهب لسماع أمسية شعرية، فإما أن تكون شاعرا، أو أن تكون عاطلا عن العمل والأمل في آن معا.”
وأعرب السعودي عن شكره لأمانة عمان، بقوله »..فشكرا لأمانة عمان التي جعلتنا نأخذ شهيقا شعريا خالصا، ونخرج زفيرا من الفرح والمسرات؛ وهي تحتفي بالإبداع والمبدعين وتخصص جائزة لحبيب الزيودي، وقد كانت دائرة المرافق والبرامج الثقافية فيها طول فترة إشهار الجائزة ولغاية هذه اللحظة لإعلان نتائجها توفّر لنا مكان الاجتماع والدعم اللوجستي الكامل لتخرج الجائزة بهية جميلة، فكانوا يمارسون الحياد والعدالة والنزاهة، وكانوا الجنود النبلاء في دعم لجان التحكيم وإخراج الجائزة بشكلها الذي يليق بالأردن وبأمانة عمان وبحبيب الزيودي وبالشعر والشعراء».
وقال السعوي إنّ قامات من الأساتذة الشعراء والنقاد المتخصصين قاموا على تحكيم هذه المسابقة، فهم «لا مستودع السرِّ بذائعٍ لديهم»، ولا المبدع بما أبدع يُخذل، فكانوا على العهد والثقة والحيادية والانحياز للإبداع وحده، كما توسمت الأمانة فيهم، وهم يعرفون بأن البحر يصبح أبحارا على لؤم قبطان ومنّة أشرعة، فلم يروا شيئا غير الإبداع، «والأرض أصغرُ من مرور الرمح في خصرٍ نحيلٍ، والأرضُ أكبرُ من خيامِ الأنبياءِ». وأعرب السعودي عن شكره لجنة التحكيم «الذين فروا القصائد فري الأديم، ووقفوا منها وقفة الحاذق الفهيم، فاختاروا الفائزين من مجموع المتقدمين بعناية المبصرالحكيم، وكان كل عمل تقدم للجائزة كان فيه من الإبداع ما فيه، فالكلّ فائز بأن رمى سهم محبة وعرفان لحبيب الزيودي».
وتابع الدكتور السعودي:»..صحيح أنني قدمت كثيرًا من المسك مع أمانة عمان ولجنة التحكيم والفائزين، ولكنني تركت كثيرا منه أيضا مع الجامعة الأردنية وحبيب الزيودي، الجامعة الأردنية الوفية للقيم والمثلى العليا، والحارسة للإبداع والمبدعين، والفاتحة بابها وقلبها لكل صاحب موهبة ورؤية وإنجاز، وها هي تكمل ستينيتها بكل بهاء وألق وحضور، متقدمة في تصنيفاتها العالمية وجاعلة وجه الأردن أبيض ناصعا. والتي كانت قد أكملت خمسين عاما من قبل مع شاعرها وخريجها حبيب الزيودي، فكتب لها أوبريت الخمسين في العام 2012، ولكنه لم يحضر احتفالها وحضرت روحه التي ترفرف حول سروها وقبابها وشوارعها..».
وقال السعودي إنّ الشاعر حبيبًا كان مخلوقا من صفاء المياه في الينابيع، «فمرّ كنعمة إلهية على سنديان العالوك، والذي كان يشرق على الياسمين فيتضاعف بياضه، ويلقي على الليل سمرته لتشرق النهارات، ويغازل دحنون القرى لتصطبغ به وجنات النساء.».
ووصف السعودي قلب حبيب بأنّه كان موزعا مناصفة بين الزغاريد والمناحات، وكان شعره مناصفة بين فصيح القدماء وعامية أهله في البادية والقرى، «وهو في ذلك كله حبيب الذي نعرف ونحب، يرشو الحمامات بحفنة من شعر، ويرمي الذئاب بوابل من رماح، ويغازل النعناع ليساعده على الاخضرار..حبيب الذي كان يركن سيارته جانبا ويقود قلبه في ليل الجبيهة متجولا بين سرو الأردنية وقبابها؛ عاشقا ولِهاً؛ لأنه يعرف أن دروب العشق كلها تؤدي إلى الأردنية… فيا للخسارات يا حبيب ويا لوجع العشاق!».
بوابة الجامعة
وقال مدير المرافق والبرامج الثقافية في الأمانة الزميل الكاتب والأديب عبدالهادي راجي المجالي إنّ جائزة حبيب الزيودي للشعر تشرف عليها الأمانة من خلال دائرة المرافق والبرامج الثقافية، كجائزة دورية لتشجيع الحركة الشعرية في الأردن من خلال البحث عن المواهب الصاعدة بين الجيل الشاب وحثهم على تنمية مواهبهم في أجواء تنافسية محفزة.
وأضاف أنّ المسابقة تنظم سنوياً، وحددت في هذه الدورة ثلاثة مجالات للشعراء الأردنيين، ومجال آخر للشعراء العرب المقيمين في الأردن.
كما اشتملت كلمة الزميل المجالي على مقطوعات نثريّة ولطائف مؤثّرة، وفضفضات حول المكان والشعر و”الجامعة» والشاعر الراحل الزيودي، وشذرات من تجربة المجالي ومعرفته بالحياة، قائلًا: «لقد عشتُ في هذهِ الجامعةِ أربع سنين، كانت مثلَ الجمرِ على الجمر… ومثل الندى حين يُعطِّر آهات صبيةٍ تلوّعتْ بالعشقِ للتوّ، وأقول لكم إنَّ حبيبَ الزيودي صاحب الجائزةِ اليومَ والشاعر الذي نقف في حضرةِ اسمهِ ورسمهِ وأردنيتهِ الممتدةِ من زمنِ ميشع…لو كان حاضراً بيننا لشاركني الوصف».
وأشار المجالي إلى إنّ من الدروس التي تعلّمها من بوابات الجامعة الحبيبة «أنّ الجنون حرفة الوطنيين الغيارى..ومارستُ جنوني بالحرف، نثرتُ العشقَ على كلِّ رصيفٍ وعلى وشمِ كل بدوية.. وأيقنتُ أنَّ ترابَ الأردنِ يجوز التيَمّم به حتى وإنْ حضرَ الماء..».
وقال «لقد عدتُ لجامعتي والخمسون من عمري اكتملت..والشيبُ على رأسي تسلّل في ليلٍ من الوجعٍ، عدتُ لأقولَ لكمْ عن بعضٍ من تجاربِ سنيني وبعضٍ من وهجٍ شمعي..عدتُ لأقولَ لكمْ أيضاً إنّي المؤابيُ الذي جاء إلى عمان طفلاً…مشى على أطرافِ الحُلمِ كونه لمْ يؤمنْ يوماً بالأحلام، كان يدركُ أنّه لايحقُّ لهُ حتى الحلم…لكنّهُ انتزعَ منْ جُدرانها ومن سدَنتِها..ومن حُراسها ومن كل ذرةِ رملٍ على ترابها مكاناً صغيراً لهُ في زاويةِ الصحيفة..وأسّسَ تكيةَ الهوى ومنهجَ العشق وسارَ على دربِ الجنون…وظلَّ يكتبُ بالبدوية والفصحى وعلى سور كلية الآداب: (تتقادح عيون الزُلمِ وعيون الرفقِ بارد…ياخذنا الرسن للشمس من زود الفرح ونزود)..
وقال المجالي «لقدْ ناديتُ سعوداً كثيرا في سرِّي وعلني وقال لي سعود: لا تُطعْ..ذَكَّرني بأهلي في هيّةِ الكرك وقد توزّعوا بينَ شهيدٍ وطريدٍ وذبيح.. وقد شُرّدوا في الأرضِ وسُجِنتْ النساء، أخجلُ أنْ أقولَ أنه كان السبيَ العثماني…لكني حينَ تذكرتُ زينبَ في الطفوف وهي تُقادُ لديوانِ أميّة..سَمحتُ لبوحي بأنْ يعلنْ ما يعلن.. وأنشدتُ: يا سامي باشا ما نطيع..ولا نعّدْ رجالنا لعيونْ مِشخصْ والبنات.. ذبحِ العساكر كارنا…مطلعُ نشيدِ الهيّة يقول ما نطيع،.. وأنصحكم: تمردّوا على الحُبّ إنْ كان سراً ولمْ يُترجمْ بالشعرِ والآهاتِ والمنافي..».
وتابع المجالي: «أما حبيب الزيودي فنُحبهُ لأنه كتبَ قصائِده للبلدِ والإنسانِ بالدمعِ والدم..ولمْ يكتُبها بالحبرِ..وكنا حينَ نتسامرُ على حافةِ العالوكِ في ليالي الظلمِ المؤلم.. في ليالي الذين لم يمتلكوا من القصيدةِ لحنها، ولا من الشماغِ تطريزةً واحدةً ولا من..السماءِ نجمة أو من قمحِ حورانَ سنبلة..كنا نلقي بدمعنا في وادي العالوك السحيق…ونقولُ في حضرةِ الليل، لابُدَّ أنْ نفيقَ يوماً على الدنيا…وقد أعطتنا مساحاتنا تحتَ الشمس…لابُدَّ يوماً أنْ يعودَ عرار مدججاً بالشعرِ..وعرار كانتْ القصيدةُ مثلَ القذيفةِ لديه..نقولُ لابدّ أن يعود تيسير السبول كي «يُكسدرْ» مرةً أخرى في شوارعِ الجامعة….ويعود هبوبُ الجنوب كيْ يُغازلَ نسيمَ الشمال…وحينَ نفيقُ في الصباح نجدُ أن الحلمَ كان مجردَ حلم…إياكُمْ والاتكاء على الحلم،…غيّروا زمنَكمْ بيدكم، واقرأوا سيرةَ علّي…الذي مشى في الأُمةِ يحمل الحكمة والسيف على كتفيه ويحملُ دمهُ الشريف المراق على جبهته…وتعلموا من غزة.. وانشدوا مع الفجرِ كما أنشدتُ في شوارعِ جامعتي هذه:…وتأبى يسير النعشُ فيكَ مُكبِّراً..لغيرِ جنوبٍ أنتَ منهُ المواجع.. دماؤكَ ما زال الحسين مقاتلاً..ولحمكُ ما زالت هناك الأصابع.. وجبهتك الغراءُ ترسمُ في الثرى…فلسطين للأجيالِ ما أنتَ راكع».
وقال المجالي: «إنّ الأردنّ عظيم…ولطالما غَزتنا الأحزابُ المنسيةُ في شوارعِ هذه الجامعة…وياما حاولَ البعضُ اغتيالَ العقلِ وحاولوا أنْ يكونَ القلبُ أسيراً لهم…وكنا مؤمنين دوماً أنَّ الولاءَ للعرشِ لمْ يكنْ تهمةً بلْ هو السريرةُ النقيةُ للرجال…إنَّ النظامَ السياسيَّ الأردني هو مصلحة ٌوضرورةٌ للحياةِ والمجتمعِ والناسِ والسيادةِ والدولة.. تعلّموا أنَّ حُبَّهُ والوفاء لهُ يقعُ في إطارِ التقدميّةِ والرفعة… وأنَ دعاةَ الخرابِ ونكرانِ الإنجاز…هم من يقبعون في زوايا المجهولِ والظلامِ…وفي مساءات التعبِ مساءاتِ انتهاءِ المحاضرات والشوقِ للأهلِ.. تعلّموا أن تنشدوا على بوابةِ الجامعةِ التي استشهدَ على مقرُبةٍ منها البطل صايل الشهوان.. تعلّموا أنْ تنشدوا لهُ قصيدةً لحبيب الزيودي..هو لم يقُلها في صايل بقدرِ ما رسمَ فيها معالمَ وتفاصيلَ الشخصية الأردنية…جادتْ بها شهقاتُ الغيثِ فانسكبا..».
وختم المجالي بقوله:”نهايةً أقولُ لكم..إنّ أمنيتي في هذه الدنيا، حينَ يضُمّني ترابُ الكركِ الحنون…وحينَ يتَسلّلُ دفءُ الربيعِ إلى جسدي، وتمرُ سيدةٌ مثلَ تمرِ البصرةِ شفتاها وتقرأُ اسمي على الشاهد…ثمَ تتذكرُني وتتلو سورةَ الفاتحةِ على روحي…أو يَمرّ طفلٌ جاءَ كي يسقي الطيورَ التي ارتاحتْ على حوافِ قبرِ جدهِ بجانبي..أو تنمو سنبلةٌ بمحضِ الصُدفةِ بجانبِ رفاتي…أتمنى أنْ يصرخَ المؤذنُ يومها وفي موعدِ الأذان ويقولُ لنا نحنُ الغافين أبداً في ترابِ الكركِ إنَّ فلسطينَ حرةٌ وحرةٌ وحرةٌ وحرةٌ”.