النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر
استمرت أسعار السلع الاستهلاكيّة بالارتفاع، بنسبة فاقت 70% خلال عام، وفق التقرير الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي في رئاسة مجلس الوزراء، وورد فيه أنّ”التغير السنوي لمؤشّر أسعار الاستهلاك عن آذار 2024 بلغ 70.36% بالنسبة لشهر آذار من العام 2023. كما أّنّمؤشّر أسعار الاستهلاك في لبنان لشهر آذار 2024 سجّل ارتفاعاً وقدره 1.72 في المئة بالنسبة لشهر شباط 2024 “. المفارقة أنّ أسعار السلع ارتفعت خلال عام 70%، مسجّلة أرقاماً قياسيّة جديدة،على رغم الاستقرار الذي شهده سعر صرف الدولار منذ أكثر من عام عند مستوى 89500 ليرة، وعلى رغم دولرة أسعار السلع، فلا الثبات في سعر الصرف قابله ثبات في أسعار السلع، ولا دولرة الأسواق لجمت المنحى التصاعدي للأسعار، فهل الأسباب تعود إلى فائض في جشع التجار في لبنان، أم إلى ارتفاع تكاليف الشحن على خلفيّة مجريات البحر الأحمر؟
ارتفاع أسعار المواد الغذائيّة لبنانيّا وانخفاضها عالميًّا
اللافت أنّ أسعار السلع الغذائيّة لم تسلم من الارتفاع، على رغم أنّها معفيّة من الدولار الجمركي، وهو ما يتناقض مع المؤشرات العالميّة على مدى عام مضى “إذ تراجع مؤشّر أسعار الغذاء العالمي بنسبة 13.7% خلال 2023، وهو أدنى مستوى منذ ثلاث سنوات” بحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو”، مع تسجيل انخفاض ملحوظ في أسعار الزيوت النباتيّة إلى 32,7% سنة 2023، وانخفاض بنسبة 15,4% في أسعار الحبوب،مقابل ارتفاع في أسعار السكر والأرز فقط خلال الفترةنفسها. وتأتي الأرقام المحدّثة للأمن الغذائي الصادرة عن البنك الدولي لتؤكّد ارتفاعًا كبيرًا في أسعار السلع الغذائيّة في لبنان، إذ سجّل لبنان في نسب التغيّر السنويّة لمؤشّر الغذاء، ثاني أعلى نسبة تضخّم إسميّة في أسعار الغذاء حول العالم، مسبوقًا من الأرجنتين 251 %المئة، ومتبوعًا من فنزويلا 173 %، وتركيا 72 %، وذلك بين الفترة الممتدّة بين شهر كانون الأوّل 2022 وكانون الأول 2023. وقد بلغت نسبة التغيّر السنويّة في مؤشّر تضخّم أسعار الغذاء 208% وفق البنك الدولي. وذلك يُناقض ما أكّده رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائيّة في لبنان هاني بحصلي قبل أيام في بيان أنّ “المواد الغذائيّة هي الأقل تأثّرًا في الارتفاع الذي سجّله مؤشّر أسعار الإستهلاك”.
“مدخولي بالدولار وقدرتي الشرائيّة تتناقص”
في لبنان، بلغ معدّل التضخّم السنوي لسنة 2023حسب ارقام البنك الدولي ومعهد الاستشارات والبحوث في لبنان 222 % وعادت الأسعار إلى مستويات ما قبل الأزمة، حتّى أنّ أسعار بعض السلع والخدمات، تجاوزت ما كانت عليه عام 2019. أدّى ذلك إلى انخفاض القدرة الشرائية حتى لدى أصحاب المداخيل بالدولار، بالنسبة لهؤلاء كانت الأسعار منخفضة قياسًا بمداخيلهم بالدولار النقدي، التي شهدت قوّة شرائيّة في السنوات الأولى للأزمة. موظف يتقاضى راتبه بالدولار يعّلق قائلًا “كنت أشعر بقدرة شرائيّة كبيرة في السوبر ماركت، حيث ابتاع ما شئت من السلع، وفق حاجة عائلتي الصغيرة لأسبوعين أو ثلاثة، مقابل 200 أو 300 دولار كحدّ أقصى، اليوم لا يشتري لي هذا المبلغ نصف كمية السلع نفسها. وقد لمست منذ حوالى عام إلى اليوم أنّ قدرة دولاراتي آخذة في التناقص، حيث أنّ الأسعار ارتفعت أكثر من النصف”.
عكوش: ثلاثة أسباب لارتفاع أسعار السلع
أسباب عديدة خلف ارتفاع الأسعار في لبنان، يفنّدها الخبير المالي والاقتصادي الدكتور عماد عكوش في اتصال مع لـ “لبنان 24″، أبرزها الدولار الجمركي الذي بدأ يُطبّق منذ أواخر شهر شباط 2023 “كانت الضرائب والرسوم الجمركيّة تُحتسب في البداية وفق 1500 ليرة، ثمّ على 15000 ليرة، وصولًا إلى احتسابها وفق سعر السوق أيّ 89500، وهو عامل أدّى إلى ارتفاع الأسعار، لا سيّما أنّ هناك بعض الأصناف من السلع تصل رسومها الجمركيّة إلى نسبة 50%، معطوفة على الـ TVA بنسبة 11%. السبب الثاني يعود إلى ارتفاع تكاليف الشحن وبواليص التأمين بمقدار أربعة أضعاف تقريبًا، بفعل التوترات في البحر الأحمر، والتي نتج عنها ارتفاع في الأسعار على مستوى العالم، بما في ذلك دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية ودول المنطقة، حيث لامست نسب التضخم 11% في أوروبا، وطالت مجمل السلع المستوردة. السبب الثالث في ارتفاع الأسعار في الأسواق المحليّة يكمن في عدم وجود رقابة فعّالة من قبل الأجهزة المختصّة، ولو كان هنالك رقابة مجدية لكان الارتفاع بمستوى 50% بدلًا من 70%. علمًا أنّ هناك أنواع من السلع ارتفعت أسعارها عالميًّا، منها الشوكولا الذي ارتفع سعره بمقدار أربعة أضعاف، بفعل أزمة سوق الكاكاو العالمي ونقص المحصول، كذلك ارتفعت أسعار الحديد والنحاس حوالى 50%، وهناك أيضًا العديد من المواد الأوليّة ارتفعت أسعارها بظل التضخم العالمي والأزمة الجيوسياسيّة في العالم. من هنا رقم الـ 70% الذي ورد في تقرير إدارة الإحصاء المركزي هو منطقي وموضوعي نسبةّ إلى هذه العوامل المحلّية والدوليّة مجتمعة”.
عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية في لبنان على عكس انخفاضها عالميًّا على مدى عام، لفت عكوش إلى أنّ معظم وارداتنا من المواد الغذائيّة هي مصنّعة، كالمعلبّات والأجبان وغيرها، وهي خاضعة للرسوم الجمركيّة ورسم الـ TVA، ومنها مواد أوليّة، أمّا الحبوب والبقوليات فلم ترتفع أسعارها كونها معفيّة من الرسوم الجمركيّة والضريبة على القيمة المضافة. أمّا الأدوات الكهربائيّة فارتفعت أسعارها مقارنة بالسنوات الأولى للأزمة، وعادت إلى ما كانت عليه عام 2019، والسبب أنّ هذه السلع كانت تستورد على دولار جمركي 1500 ليرة، أمّا اليوم فارتفعت الرسوم الجمركيّة المفروضة على هذه السلع، إضافة إلى رسوم الضريبة على القيمة المضافة، وأضيفت إليها تكاليف الشحن والتأمين بفعل التوتّرات في سلاسل الإمداد والممرات المائيّة في البحر الأحمر”.
يُضاف إلى كلّ هذه العوامل، السوق اللبناني المثقلب الاحتكارات، بفعل عدم تطبيق قانون المنافسة الذي ألغى الوكالات الحصريّة، لأنّ سريان القانون يرتبط بتشكيل مجلس المنافسة وتعيين أعضائه، الذين يتولّون مهمّة تحديد الجهات التي تخرق القانون وتحديد آليات مواد ضبط عمليات الاحتكار.