عروبة الإخباري –
احتفلت الأسرة الأردنية الواحدة قبل أيام باليوبيل الفضي لاستلام جلالة الملك سلطاته الدستورية، حيث انتقلت ولاية العرش إلى الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وفق أحكام المادة (28/أ) من الدستور، التي تحدد آلية انتقال العرش من صاحب المُلك إلى أكبر أبنائه سنا، ومن ثم إلى أكبر أبناء ذلك الابن الأكبر طبقة بعد طبقة.
وخلال الخمس والعشرين سنة الماضية من تولي جلالة الملك دفة الحُكم، شهد الأردن استكمالا لمسيرة الإصلاح والبناء التي بدأها المغفور له الحسين بن طلال في المجالات الحياتية المختلفة، وفي مقدمتها التحديث السياسي والدستوري.
فبعد سنوات طوال بقي فيها الدستور الأردني لعام 1952 بعيدا عن المراجعة والتطوير، والتي كان آخرها في عام 1984، خضعت الوثيقة الدستورية لمجموعة من التعديلات الهامة على نصوصها وأحكامها اختلفت فيها المبررات والأسباب الموجبة للتعديل، إلا أن القاسم المشترك بينها كان تجويد النظام البرلماني في الأردن، وتعزيز مبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتكريس استقلال السلطة القضائية والقضاة العاملين فيها.
ففي عام 2011، جرى تشكيل اللجنة الملكية لمراجعة نصوص الدستور التي أقرت مجموعة من التعديلات الدستورية وصفت بأنها الأكثر عددا وشمولية، والتي هدفت إلى إعادة التوازن المفقود في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. فجرى إلغاء جملة من الصلاحيات الدستورية التي كانت مقررة للسلطة التنفيذية في مواجهة مجلس النواب، في مقدمتها حق الملك في تأجيل الانتخابات تأجيلا عاما.
فخلال الفترة الماضية، كانت هناك أصوات شعبية وسياسية تنادي بتأجيل الانتخابات البرلمانية القادمة المنوي إجراؤها هذا العام كاستحقاق دستوري، وذلك نظرا للظروف السياسية المحيطة بالدولة الأردنية. إلا أن هذه المطالبات لا تعي التطور الدستوي على النظام النيابي في الأردن القائم على أساس ضرورة إجراء انتخابات تشريعية في مواعيد محددة وبشكل دوري. فالحكم الدستوري الذي كان يعطي الحق لكل من مجلس الوزراء والملك بتأجيل الانتخابات قد جرى التخلص منه في عام 2011.
كما رافق التعديلات الدستورية لعام 2011 إنشاء هيئات وطنية جديدة أثبتت جدارتها والفائدة منها خلال السنوات الماضية، وفي مقدمتها الهيئة المستقلة للانتخاب. فقد انتقل إليها الاختصاص الأصيل بإجراء الانتخابات النيابية والبلدية وفق أحكام القانون، وأسند إليها مؤخرا مهام الموافقة على تأسيس الأحزاب السياسية ومتابعة شؤونها. فعادت الثقة الشعبية والسياسية إلى منظومة الترشح والاقتراع، بشكل أخفض من الأصوات التي كانت تصف الانتخابات الأردنية بأنها تفتقر للنزاهة والحيادية.
واستمر الدستور الأردني في الخضوع لعمليتي المراجعة والتطوير في عامي 2014 و2016، حيث جرى إضافة نصوص تشريعية تنظم العلاقة بين الملك من جهة ورئيس الوزراء من جهة أخرى، وهو المنصب الذي يُراد له أن يكون منتخبا وممثلا لحزب سياسي أو على الأقل لتكتل برلماني، بشكل سيعطيه مركزا دستوريا أقوى في مواجهة رأس الدولة.
فالملك بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية في الأردن تثبت له مجموعة من الصلاحيات الدستورية، والتي جرى البدء بتحديدها منذ عام 2014، لتشمل تعيين مجموعة من المناصب السياسية والعسكرية والأمنية والقضائية بإرادته المنفردة دون مشاركة رئيس الوزراء والوزير المختص.
وقد جرى توسيع نطاق هذه الشخصيات التي يعينها الملك بمعزل عن الحكومة لتشمل الوظائف الدينية العليا وموظفي الديوان الملكي ومستشاريه في عام 2022، وذلك بهدف إبعاد هذه المناصب الهامة عن التجاذبات السياسية والحزبية التي عادة ما ترافق اختيار رئيس الوزراء على أسس حزبية برامجية، أو حتى من خلال التكتلات النيابية في البرلمان.
وفي عام 2022، خضع الدستور الأردني لسلسلة جديدة من التعديلات الدستورية اتفقت عليها كافة شرائح المجتمع الأردني من سياسيين وحزبيين ومعارضين وأكاديميين وممثلي لمؤسسات المجتمع المدني الذين جرى اختيارهم أعضاء في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.
فجرى إقرار جملة من النصوص الدستورية المعدلة التي سعت إلى تطوير آليات العمل البرلماني، في مقدمتها إلغاء الجمع بين منصب الوزارة والعضوية في السلطة التشريعية بمجلسيها الأعيان والنواب، والتحوط من استغلال النواب لمناصبهم البرلمانية لتحقيق مكتسبات مالية، حيث جرى النص صراحة على أن أي زيادة في مخصصات العضوية في مجلس الأمة يبدأ سريانها اعتبارا من المجلس التالي للمجلس الذي أقر هذه الزيادة.
ومن مظاهر تطوير آليات العمل النيابي في عام 2022 إعطاء النواب المنتخبين الحق في التصويت على عزل رئيس مجلس النواب إن ثبتت عدم كفاءته، واعتبار استقالة النائب نافذة المفعول من تاريخ تقديمها لرئيس المجلس بشكل أعاد الاعتبار لمفهوم الاستقالة البرلمانية التي كانت تستغل لغايات شعبية وانتخابية.
إن التطور الدستوري خلال اليوبيل الفضي لجلالة الملك يؤكد على حقيقة أن الدستور الأردني وإن كان جامدا من ناحية فقهية لا يجري تعديله إلا بإجراءات أكثر شدة وصعوبة من القوانين العادية، إلا أنه دستور حي، يستجيب للتطورات الوطنية ويتفاعل مع الأحداث السياسية الداخلية والخارجية، بشكل يتوافق مع طبيعة نشأته بأن عقد اجتماعي أبرم بين الحاكم والشعب من خلال ممثليه. فهذه العلاقة التعاقدية خاضعة للمراجعة والتغيير الدائم باتفاق الطرفين، وذلك بما يتوافق مع المستجدات الوطنية وبهدف المحافظة على النظام النيابي البرلماني باعتباره الركيزة الأساسية لنظام الحكم في الأردن.