عروبة الإخباري –
وصفت الحكومة، على لسان وزير المالية الدكتور محمد العسعس، مخصصات النفقات الرأسمالية في مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2024 بأنها استثنائية والأعلى في تاريخ موازنات المملكة، فقد نمت تلك المخصصات بنسبة 11.8 % عما كانت عليه في العام الحالي، حيث بلغت 1.729 مليار دينار، وهذا يُعد الرقم الأكبر على الإطلاق في خطط مالية الدولة على مدى العقود الماضية.
نظريًا، فإن زيادة المخصصات للنفقات الرأسمالية بهذا الحجم من المفترض أن تساهم في زيادة معدلات النمو الاقتصادي لتكون أعلى مما كانت عليه في العام الحالي، لكن ما تم تقديره للعام المقبل(2.6 %) كان أقل مما تحقق هذا العام (2.7 %).
وهنا يطرح السؤال المشروع: لماذا لم يرتفع النمو الاقتصادي، رغم زيادة مخصصات النفقات الرأسمالية؟
للإجابة عن هذا التساؤل، لا بد من تحليل منطقي وعلمي لهيكل النفقات الرأسمالية وأهميتها من حيث تحقيق القيمة المضافة على الاقتصاد الوطني.
صحيح أن حجم النفقات الرأسمالية في مشروع قانون الموازنة العامة يبلغ 1.729 مليار دينار، لكن يتضح أن أقل من نصف هذه المخصصات هي لمشاريع مستمرة، بقيمة 843 مليون دينار، أي أنها مشاريع موجودة منذ سنوات في الموازنات، في حين أن النصف الثاني تقريبًا، بقيمة 813 مليون دينار تقريبًا، هو لمشاريع قيد التنفيذ.
أما المشاريع الجديدة فلا تتجاوز قيمتها 73.4 مليون دينار فقط، أي أن 4 % من مشاريع النفقات الرأسمالية هي مشاريع جديدة.
وبالتالي، لا يوجد كم كبير من المشاريع الجديدة في الموازنة بالشكل الحقيقي والفعال الذي يدفع معدلات النمو للأمام، فغالبية المشاريع هي مشاريع مكررة منذ سنوات، وبالتالي تشابهت المشاريع والنتيجة تشابه معدلات النمو المتحققة في السنوات الأخيرة، فالزيادة في النفقات ليس لها أي قيمة اقتصادية مضافة أو نوعية.
إذا دققنا في هيكل وخريطة النفقات الرأسمالية في مشروع قانون الموازنة العامة، سيتضح أنها موزعة بين عدة مجالات، كالتالي: مشاريع رؤية التحديث وتطوير القطاع العام تشكل 348 مليون دينار، وهو ما يعادل 20.2 % من إجمالي النفقات، فمشاريع المحافظات/ اللامركزية تمثل 7.6 % أو ما قيمته 132 مليون دينار، وتنمية وتطوير البلديات تشكل 10.4 % أو 180 مليون دينار، ومشاريع الأمن والسلامة العامة تمثل 16.9 % أو 291 مليون دينار.
أما المشاريع الممولة من القروض تشكل 2.3 % أو 40 مليون دينار، ونفقات المشاريع الممولة من المنح تشكل 3.1 % أو 53 مليون دينار، وباقي المشاريع الرأسمالية تشكل 39.5 % بحجم 685 مليون دينار.
هذا الهيكل يحتاج إلى دراسة تحليلية لطبيعة تلك المشاريع وأهميتها الاقتصادية من حيث القيمة المضافة، لكي يمكن الحكم بدقة على مدى مساهمة تلك المشاريع في النمو الاقتصادي.
الأساس في اختيار مشاريع النفقات الرأسمالية يجب أن تكون القيمة المضافة عالية لها، وهذا أمر حيوي لتعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة، لذلك يجب أن تكون المشاريع قادرة على توليد فوائد اقتصادية واجتماعية تفوق مجرد استثمار رأس المال، خاصةً في مجالات تعزيز الابتكار والتكنولوجيا ومدى قدرتها على توفير فرص عمل جديدة، تحقيق الاستدامة البيئية، دعم الصناعات الواعدة، تعزيز التصدير، وتقوية القطاعات الاقتصادية، وتعزيز البنية التحتية.
بدون هذه العوامل، تبقى المشاريع دون مردود اقتصادي فعال في النمو، ولا تساهم في تعزيز مأسسة الاقتصاد للفترات المقبلة، وتكون أشبه بالنفقات التشغيلية لا أكثر.