عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب –
لم أشهد تأبيناً في السنوات الأخيرة كمثل التأبين الذي أقيم للراحل الكبير الدكتور عبد السلام المجالي الشخصية الوطنية متعددة الإنجازات، فقد استطاع القائمون على الحفل أن ينجزوا حفلاً يليق بالراحل وموقعه ودوره في البناء الوطني ومسيرة الأردن بأتجاه الإنجاز
جاءته الاردن لتحضر تأبينه فلم يتغيب عن المناسبة إلاً معذور أو مسافر وكأن عمان تخرج اليه كخروج البصرة للأمام الحسن البصري.
عريف الحفل صاحب الحضور البارز الوزير صخر دودين كان مبدعاً في التقديم والتغطية الشاملة.
هناك إجماع وطني واسع على أن الرجل رحيل نظيف اليد والسريرة وانه لم يضع شللاً ولم يتجاوز لطرف على حساب آخر وأنه لم يورث عداوات رغم أنه حفر عميقاً بالمسيرة الأردنية وشارك اكثر المسائل حساسية وهي عملية السلام التي قادها في التفاوض منذ مدريد وواشنطن وأماكن أخرى حيث وقع وادي عربة وأنه حظي برضى الملك وكان قريباً منه وموقع ثقة.
لا أريد أن اتكلم عن الدكتور المجالي، لأنني أحتاج لعشرات الصفحات، ولكني حضرت حفل التأبين المنظم ورصدت الكلمات التي قيلت وهي نابعة من وجدان وقلوب وإحساس الذين شاركوا، سواء عبر الفيلم التوثيقي الذي انتجه الشاب محمد الحباشنة أدى خلال الكلمات التي ألقتها شخصيات قريبة من عبد السلام المجالي فذكرت ما عاشت معه أو شاركته فيها أو كانت شاهدة عليه.
تحدث شقيقه الذي ظل يعتبر رحيل الملهم له عبد السلام بمثابة قصم الظهر الذي لا يجعله يتمنى العيش بعده وقد ذكر له صفات أنه كان بمثابة الوالد في التربية وأنه كان مربياً ومعلماً وأنه كان يجمع في العطلة المدرسية الطلاب من المجالين في الكرك لكي يدرسهم.
كان المجالي يرى في التعليم وسيلة للبقاء ولهذا ركز جهده وعلمه رغم أنه طبيب متخصص وأولى الصحة جلّ اهتمامه كمديراً لمستشفى ووزيراً للصحة، واعتمد التعليم فكان رئيساً للجامعة الأردنية لمرتين، غيرّهما، وارتقى بها الى الذرى عندما كان وزيراً للتربية والتعليم وكان قد ترك بصماته حينما ذهب او شغل منصباً.
امتاز بعميق التفكير والتامل وعدم الكلام الكثير الذي استبدله بالعمل وكان لا يستعجل مسرعاً وشعاره (من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه) وكأنه يخاطب الذي يحبهم بقوله (يا فصيح). ثم بعد ذلك يتكلم.
كان عف اللسان وحين كان يغضب وهي مرات قليلة، كان كان يستغني عن الكلام بلغة الحسد.
كانت كلمة عبد الحي المجالي بداية الفيلم مؤثرة جداً كما كانت كلمات رئيس وزراء ماليزيا ماهتير بن محمد صديقه… وقد اعطوه حقه فيها. كانت كلمة الوزير عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية الذي قال كان الواجب مبكراً أن احضر لتشيع جنازته، فهو يستحق وقال عبد الرؤوف الروابدة تعلمنا منه الكثير، كما تحدث عنه بعمق الدكتور عدنان البخيت ومثل ذلك الدكتور يوسف القسوس والدكتور زياد شرايحه الذين تحدثوا عن دوره في الخدمات الطبية الملكية.
وتحدث عنه فاضل علي، صهره، وعن دوره ومناقبه.. وكان الزميل أحمد سلامه قد ربط بأسلوب ذكي بين حلقات من حياة الدكتور المجالي كاشفاً عن عبقريته في الإدارة وفهمه للصيغة الأردنية.
ظل المجالي يرى أن الشعبين الأردني والفلسطيني في مصير واحد لهما طالما المعاناة وانقسمت القضايا لأسباب طارئة وأنه لا بد من وحدة الشعبين ولذا آمن بالكونفدرالية ودعى لها دوافع عنها ورأى أنها خيار معقول وظل قريباً من القيادة الفلسطينية وصديقاً لها ولم يبخل بالزيارة أو الاستشارة أو تقديم الرأي وكان أبو مازن حريصاً دائما عن السؤال عن الدكتور المجالي ومقابلته او استقباله.
كلمة سامر المجالي يخاطب والده كانت مؤثرة جداً سيما وان الوالد الذي كان مشغولاً طوال عمره في هموم عامة استطاع بالقليل من الوقت أن يوفر النصيحة والقدوة لابنائه وأن يجعلهم يؤمنون بقيم العمل وينخرطون فيه مبكراً.
سيظل المجالي الذي رحل بعد عمر طويل قارب (97) سنة واكبت عمر الدولة الأردنية الحديثة تحتفظ ببصماته على جوانب عديدة في مسيرة تنموية ظل يعتقد انها تستحق ادارة أفضل وأن التعليم هو رافعتها وأن الحوار ضرورة كان يؤمن به ويتحمل أعراضه وهناك مواقف ذكرت له في هذا المجال