عروبة الإخباري – (بترا)- بشرى نيروخ- في وقت يواجه نحل العسل في يومه العالمي، الذي يصادف اليوم السبت، تهديدًا وجوديًّا ما يعرض الأمن الغذائي في العالم للخطر، كان الأردن سبّاقا على مستوى الإقليم في حماية الأصول الوراثية لنحل العسل البلدي، وإنشاء أول بنك وراثي لحمايته من الانقراض.
ويدعو اليوم العالمي للنحل وشعاره: “ملتزمون بحماية النحل في الإنتاج الزراعي للملقِّحات”، إلى العمل على المستوى العالمي لدعم الإنتاج الزراعي والمراعي للملقِّحات، ويسلّط الضوء على أهميَّة حماية النَّحل وسائر الملقِّحات ولا سيّما من خلال ممارسات الإنتاج الزراعي.
وركّزت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، على تعرُّض النَّحل لتهديدٍ كبيرٍ ناجمٍ عن الآثار المشتركة لتغيُّر المناخ والزراعة المكثفة واستخدام المبيدات والتَّلوث وفقدان التَّنوع البيولوجي، إذ سيؤدي غياب النَّحل والملقّحات الأخرى إلى القضاء على المحاصيل التي تعتمد على التلقيح ومنها ـ على سبيل المثال لا الحصرـ القهوة والتَّفاح واللوز والبندورة والكاكاو، داعية إلى التَّحول لسياسات ونظم غذائيَّة أكثر استدامة وملاءمة للملقّحات.
وبحسب منظمة (الفاو)، تُعدُّ معظم أنواع النَّحل التي يُقدَّر عددها بين 25 ألفا إلى 30 ألف نوع؛ ملقّحات فعّالة، وتضم العث والذباب والدبابير والخنافس والفراشات، التي تشكل غالبيَّة الأنواع الملقّحة.
وكان الاحتفال باليوم العالمي لنحل العسل جرى أول مرة في عام 2018؛ بهدف إذكاء الوعي بأهميَّة الملقّحات، وإبراز مساهمتها في التَّنمية المستدامة، وبيان التهديدات التي تواجهها، وتعزيز تَّدابير حماية النَّحل والملقّحات الأخرى، مّا سيسهم بشكلٍ كبيرٍ في حل المشاكل المتعلقة بإمدادات الغذاء العالميَّة والحد من الجوع في البلدان النامية.
ويؤثّر النَّحل والملقّحات الأخرى كالطيور والخفافيش على 35 بالمئة من إنتاج المحاصيل في العالم، مّا يؤدي إلى زيادة مخرجات 87 من أهمَّ المحاصيل الغذائيَّة في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى العديد من الأدوية المشتقة من النباتات.
وتعتمد نحو ثلثي المحاصيل الزراعيَّة التي تغذي العالم على التّلقيح بواسطة الحشرات أو الحيوانات الأخرى لإنتاج ثمارها وبذورها، ويفيد التّلقيح في تغذية الإنسان من خلال إنتاج كمّية وافرة من الفواكه والمكسرات والبذور، بالإضافة إلى توفير تنوع أكبر وجودة أفضل، بحسب (الفاو).
بيد أنَّ النَّحل وفقًا (للفاو) يواجه تهديدًا وجوديًّا، فهناك تزايد في معدلات انقراض الأنواع الموجودة من 100 إلى 1000 مرة عن المعدل الطبيعي بسبب الآثار البشريَّة، حيث يشكل انخفاض أعداد النَّحل خطرًا على الأمن الغذائي والتغذية في العالم.
ويوفّر نحل العسل مصدر دخل للعديد من المزارعين في جميع أنحاء العالم، إذ لا يقتصر إنتاجه على العسل وحده كما هو شائع عند البعض، بل يشمل أيضًا الشمع وحبوب اللقاح والغذاء الملكي والعكبر والملكات والنَّحل نفسه وسمّه؛ حيث تستخدم هذه المنتجات للعلاج، أو كعلف للحيوانات، أو في مستحضرات التَّجميل، أو في الأدوية المستخدمة في الطب التَّقليدي.
وأشار مدير عام المركز الوطني للبحوث الزراعيَّة الدكتور نزار حداد لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إلى أنَّ أهمية نحل العسل لا تقتصر على هذه المنتجات فقط، إنما تكمن أهميَّته في تلقيح النباتات وهي عمليَّة أساسيَّة لبقاء الأنظمة البيئيَّة والحفاظ على التَّنوع الحيوي وبالتَّالي تحقيق الأمن الغذائي والتَّنمية المستدامة.
وبين أن الأردن بصدد التوقيع على البروتوكول الدولي لحماية النحل والملقحات، مشيرا إلى أن المملكة تعتبر سباقة بين دول المنطقة بالالتزام بالبروتوكولات الدولية لحماية الملقحات البرية والنحل من خلال بدء الإجراءات للتوقيع على المبادرة الدولية بهذا الخصوص بالتعاون مع مركز (إيكاردا)، كما بادر مركز البحوث لتطوير مناهج ومواد تعليمية متخصصة بالنحل والملقحات الحشرية عموما في المناهج المدرسية.
وبين أن نحل العسل هو الملقّح الرئيس لنباتات عديدة لا تعقد ثمارها بدون وجود الملقّحات الحشريَّة، إذ تتراوح نسبة مشاركته في تلقيح النباتات المزروعة والبريَّة بين 75-90 بالمئة.
وأظهرت دراسة لمركز البحوث حول محاصيل خاصة في الأردن والقيمة النقديَّة لخدمات النُّظم البيئيَّة التي تقدمها الحشرات خلال تلقيحها للمحاصيل؛ أنَّ قيمة هذه الخدمات تقدر بـ 91.9 مليون دينار أي ما يعادل 130 مليون دولار، تمثّل 33 بالمئة من القيمة الإجماليَّة لـ 34 محصولا مزروعا في الأردن.
وبيَّنت الدراسة أنَّ القيمة التقديريَّة لتلقيح نحل العسل إجمالًا بلغت 73.6 مليون دينار، تسهم بنحو 27 بالمئة من القيمة الإجماليَّة لإنتاج هذه المحاصيل، وهي تزيد بما مقداره 26.3 مرة عن قيمة إنتاج العسل المحلي الأردني .
وأشارت نتائج البحوث إلى إمكانيَّة انخفاض إنتاجيَّة المحاصيل التي تمَّ دراستها بما يقارب 35 بالمئة في حال فقدان الملقّحات الحشريَّة، مَّا يؤثر على الأمن الغذائي.
و لفت حداد إلى أهميَّة دور مركز البحوث في خدمة قطاع النَّحل؛ إذ كان له دور فاعل في اختيار أصناف محليَّة وأخرى مدخلة من عدد من النباتات المختلفة كمصادر رحيقيَّة لنحل العسل كالسدر والكينا، والتي تتميز بتكيُّفها مع تحديات التَّغيُّر المناخي وشح المياه.
بدورها، عرضت مديرة بحوث النَّحل في المركز المهندسة بنان الشقور، لإنجازات المديريَّة على مدار العشرين العام الماضية ومن أبرزها إنشاء قاعدة بحثيَّة لتطوير تربية النَّحل في الأردن، وإنشاء أول بنك وراثي لحماية النَّحل البلدي من الانقراض، وإنشاء مناحل بحثيَّة تمثل التَّنوع البيئي في الأردن.
وبينت أن مديريَّة النَّحل تعمل حاليًا على اثنين من المشاريع الدوليَّة الكبرى، بالتَّعاون مع عدة دول وبدعم من الاتحاد الأوروبي: الأول يركز على مراقبة سلالات نحل البحر الأبيض المتوسط ومدى قدرتها على التَّكيف مع تغيُّر المناخ، والثاني يركز على حماية مرونة النُّظم الزراعيَّة من خلال التَّلقيح الفعّال وتربية النَّحل المستدامة بما يضمن تحسين دخل المزارعين والمساهمة في الوصول إلى الأمن الغذائي.
وأشارت الشقور إلى توزيع أكثر من ألفي بيت ملكي من النَّحل البلدي وهجائنه، مجانا، على النَّحالين سنويا منذ عام 2003، لما يتمتع به النَّحل البلدي من صفات أهمّها قدرته على مقاومة الأمراض وقدرته على التَّأقلم مع آثار التَّغيُّر المناخي المختلفة.
وهو ما أشار إليه خبير النَّحل الألماني ستيفان فوكس في تصريحات صحفيَّة سابقة، فأكد أنَّ النَّحل البلدي في الأردن يتمتع بمزايا وراثيَّة عالية تجعله الأقرب إلى المجموعة تاريخيًّا التي تعود إلى عام 1952، والمحفوظة في معهد بحوث النَّحل بألمانيا.
من جهته، أكد رئيس الاتحاد النّوعي للنحالين الأردنيين محمود عربيات، إنه كان للتغيُّر المناخي أثر ملموس على تربية النحل في الأردن وإنتاجه من العسل.
وأوضح أن قلة هطول الأمطار، وتذبذبها والإزاحات المطريَّة في العديد من المناطق، أدت إلى فقدان موسم الفيض الرحيقي خاصة قطفة الربيع، نتيجة تأخر تكاثر النَّحل، واختلاف مواسم الإزهار، وانحسار الغطاء النباتي، مشيرا إلى أن الافراط في استخدام المبيدات الحشريَّة لعب دورًا كبيرًا في انخفاض أعداد النَّحل.
من جانبه؛ أكَّد مدير مديرية الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة المهندس خليل عمرو، أن انخفاض أعداد طوائف النَّحل نتيجة فرض الوسم على خلايا النحل في تعليمات الترخيص.
وعلى هذا فقد صادق الأردن عام 1993 على اتفاقيَّة التَّنوع البيولوجي، الصادرة عن الجمعيَّة العامة للأمم المتحدة، وهي اتفاقية متعددة الأطراف صادقت عليها 196 دولة، من بينها دول الاتحاد الأوروبي، وهي بمثابة صك قانوني دَوْليّ لحفظ التَّنوع البيولوجي واستخدامه على نحو مستدام.
ولفت مدير مديريَّة حماية الطبيعة في وزارة البيئة المهندس بلال قطيشات إلى أن هذه الاتفاقيَّة تهدف إلى صون التَّنوع البيولوجي، وضمان الاستخدام المستدام لمكوناته والتَّقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدام الموارد الجينيَّة فيه، مشيرا إلى انتخاب الأردن عضوًا في المجلس التنفيذي للهيئة الفرعيَّة للمشورة العلميَّة والتكنولوجيَّة للاتفاقيَّة ممثلًا عن قارة أسيا والمحيط الهادي.
وأوضح قطيشات أنَّ الأردن يسعى لتطوير استراتيجيَّة التَّنوع الحيوي، وتحديث خططه في هذا المجال بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، لافتًا إلى أنَّ هناك لجنة وطنيَّة للتَّنوع الحيوي ترأسها سمو الأميرة بسمة بنت علي.
وقال إنَّ الأردن بصدد الانضمام لتحالف الراغبين بحماية الملقّحات، مشيرا إلى جهد المملكة في التَّشجيع لاستخدام الملقّحات العضويَّة، والعمل على خفض استخدام المبيدات الحشرية، لما لذلك تأثير على التَّنوع الحيوي، وعلى الملقّحات العضوية.
وبين أنَّ تزامن اليوم العالمي للنَّحل مع اليوم العالمي للتَّنوع الحيوي في 22 من الشهر الحالي، هو تأكيد أن للنَّحل وسائر الملقِّحات دورا أساسيا في ضمان سلامة النظم الإيكولوجيَّة والأمن الغذائي.
فبحسب منظمة “الفاو” فإن نحو 90 بالمئة من النباتات المزهرة البرية في العالم تعتمد اعتمادا كليًا أو جزئيًا على تلقيح حيواني، فضلا عن اعتماد أكثر من 75 بالمئة من المحاصيل الغذائية في العالم، و 35 بالمئة من الأراضي الزراعية العالمية عليه، وبالتالي فالملقحات تسهم بشكل مباشر في الأمن الغذائي، فضلا عن أنها هي مفتاح الحفاظ على التنوع البيولوجي كذلك.
فالهدف الـ15 من أهداف التنمية (الحياة في البر)، يعد الهدف الرامي إلى صون نظمنا البيئية، بحسب الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تتيح النباتات أكثر من 80 بالمئة من غذاء الإنسان، وبالتالي، فإن فقدان الملقحات سيؤدي إلى فقدان هائل في التنوع البيولوجي، مما يعرض نظمنا البيئية ونظامنا الغذائي للخطر.
مدير التَّنوع الحيوي في مركز البحوث الدكتور خالد أبو ليلى، أشار إلى أن هيئة الموارد الوراثيَّة للغذاء والزراعة التابعة لمنظمة “الفاو”، تَعتَبِر الملقّحات جزءًا أساسيًّا من عناصر التَّنوع الحيوي للغذاء والزراعة وضرورية لتقديم خدمات عديدة يرتكز عليها إنتاج الأغذية والزراعة.
وأشار أبو ليلى، وهو الممثل الوطني لمجموعة عمل النبات والتَّنوع الحيوي للغذاء والزراعة في هيئة الموارد الوراثية للغذاء والزراعة، إلى أنَّ المعاهدة الدوليَّة للغذاء والزراعة التي صادق عليها الأردن في أيار عام 2002؛ نصّت على ضرورة صون التَّنوع الحيوي المحيط بالنظام البيئي المحصولي ومن أهم عناصره الملقّحات، الذي تضمنته كل من المادتين 5 و 6 من المعاهدة (الصون والاستغلال المستدام)، وبالتَّالي دوام أداء النظام البيئي المحصولي لوظائفه واستدامته كهدف مطلوب.
في يومه العالمي…الأردن سبّاق في حماية الأصول الوراثية لنحل العسل البلدي
5