عروبة الإخباري -بقلـم : د. فيحاء عبد الهادي
حين يُذكر تاريخ مشاركة النساء الفلسطينيات، أواخر الأربعينيات، وأوائل الخمسينيات، وحين تـُذكر أدوار النساء في العمل السياسي الاجتماعي، تـُذكر أسماء نساء فاعلات، لـم يُعرفن عبر التاريخ الـمدوّن؛ لكنهن عُرفن عبر التاريخ الشفوي. من بين هذه الأسماء، يأتي اسم جيهان الـمصري غنام، التي وافتها الـمنية في نابلس، في السابع عشر من حزيران، من العام 2008م، بعد حياة حافلة بالعطاء الاجتماعي والسياسي.
ورغم أن اسم جيهان الـمصري غنام، يرتبط برئاسة الجمعية الثقافية العربية، في نابلس، التي نشطت في العمل الثقافي الاجتماعي، الـمرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعمل السياسي؛ إلاّ أن عملها الاجتماعي السياسي، بدأ منذ أواخر الأربعينيات، وامتد خلال حياتها، حتى وفاتها؛ الأمر الذي يجعلني أركِّز على بدايات عملها، حيث لا يذكر التاريخ الـمدوّن الكثير، عن الـمساهمة السياسية للـمرأة الفلسطينية، أواخر الأربعينيات؛ لكن التاريخ الشفوي، يمدّنا بمعلومات ثرية عن هذه الـمساهمة، نستقيها ممن عاصروا تلك الفترة التاريخية، من النساء والرجال.
وتأتي شهادة “جيهان الـمصري”؛ لتؤكد هذه الـمشاركة، حيث تذكر عبر شهادتها ــ ضمن مشروع التأريخ الشفوي للـمرأة الفلسطينية منذ الثلاثينيات، والذي بادرت إليه إدارة الـمرأة / وزارة التخطيط ـــ دوراً اجتماعياً سياسياً للـمرأة الفلسطينية:
“في سنة 48 حيث كنت طالبة في السنوات الابتدائية، كان شكلت في الـمدارس فرقة “للجايز” كان عملها كمرشدات في الساحة، وفي الـميدان، وفي أي مكان، فمن خلال سنة 48، كانت معارك ضد الجنود الإسرائيليين، ضد العصبة الصهاينة. شكّلنا فرقة أو فريق من نساء وطالبات مدارس. وكان هون انفتح مستشفى اسمه الشهباء، كان فيه أطباء من العراق، ومن جميع الجهات، فكانوا يأتونا جرحى من جميع الـمناطق، وكان فيه معركة هناك، معركة اللطرون وباب الواد، حيث كان الجرحى يتوافدون على مستشفى الشهباء، فطبعاً ناشدوا سيدات وآنسات البلد، بالاشتراك في الـمساهمة في الإسعافات الأوّلية، والعمل للإنقاذ، أو الذهاب إلى الـمستشفى، حيث كنا نأخذ شفتات في العمل، لـمواساة وخدمات الجرحى، وكنت أنا واحدة منهن، وكان عدد الـمساعدات، أو الـمتبرعات والـمتطوعات لهذا العمل الإنساني حوالي أكثر من مائة سيدة وآنسة، وكنا نتناوب على خدمة هؤلاء الجرحى والـمصابين”.
وتروي عن تغلبها على الصعوبات الاجتماعية، التي تمثلت في عدم رغبة الأهل، في تلك الفترة الزمنية، في مشاركة الـمرأة في أي من النشاطات خارج بيتها؛ مما يؤرخ لنضال الـمرأة على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي معاً:
“الحقيقة في تلك الفترة كان الأهل يعارضون خروج الفتاة إلى أي ميدان، ليس عدم وطنيّة أو هذا؛ بل كانوا وطنيين، ومارسوا العمل الوطني؛ بل كان تعصب للـمرأة، كان تعصب، في هذيك الفترة، كان محافظة كثيرة على الفتاة، وعدم خروجها للـمجتمع، من هذه الناحية؛ لكن طبعاً بوساطة بعض الأصدقاء، وهذا عمل إنساني وهذا عمل نضالي، وافقوا عليه، فأمضيت هذه الفترة حوالي أشهر في النضال الوطني، وبعدها ذهبت لتكملة تعليمي”.
ومن خلال شهادتها، يتضح عمل نساء ورجال، ساهموا في تأسيس مستشفى “الشهباء”، وعملوا على رعاية الجرحى والـمصابين، خلال العام 1948م:
“تأسّس برعاية بعض سيدات نابلس، اللواتي تبرعن لخدمة الـمواطنين، وإسعافهن في كل حماس وتفاني، وأذكر بعض هؤلاء الفتيات، أو السيدات، اللواتي تبرعن بهذا العمل العظيم: على رأسهم الحجة عندليب العمد، رحمها الّله، وأذكر د. أمين رويحة، العراقي الجنسية، الذي قدم من الخارج لـمعالجة الـمصابين، ود. عبد اللطيف، وأذكر سلافة حجاوي، وأذكر هداية مرعشلي، فاطمة أبو الهدى، عدلة فطاير، عفاف صلاح، بشرى الأدهم، بثينة أبو غزالة، رشدة الـمصري، نادرة الـمصري، وكنت أنا من خلال طالبات الـمدارس. كان هناك مرشدات تبرعن جميعاً تبرعاً لخدمة الجرحى، وسيّدات كثيرات أخريات”.
كما تحدَّثت عن شجاعة بعض السيدات، اللواتي نزلن إلى الـميدان، ليسعفن الجرحى:
“السيدة فاطمة سعيد أبو الهدى، وعدلة عبد القادر فطاير، ويسرى محمد طوقان. كانوا يطحنون السكر في بيوتهم، ويعالجون به الجروح: جروح الـمصابين، وكذلك كان بعض من السيّدات يحضّرن الطعام للجرحى، والـمأوى، والإسعافات الأولية، وما إلى ذلك. الـمزبوط، الـمرأة لها دور كبير في النضال، من سنوات وسنوات، ويحقّ لها طلب الـمساواة، وحقوقها الـمشروعة”.
üüüüü
تعرِّف الرائدة نفسها، في بداية الـمقابلة، بقولها:
“جيهان الـمصري غنام، كريمة الـمرحوم حكمت الـمصري وزوجة الشهيد فريد غنام”.
تعودت الـمرأة أن تفخر بعمل الرجل، وأن تستهين بعملها. وقد حان الوقت أن تأخذ الـمرأة حقها، ليس كبديل عن الرجل؛ بل معه وإلى جانبه.
جيهان الـمصري غنام، سوف تبقى سيرتك، وسيرة نساء جيلك، مضيئة في الذاكرة الجماعية لأبناء الوطن.
faihaab@gmail.com
www.faihaab.org
المرحوم حكمت المصري- عضو مجلس الأعيان -رئيس مجلس النواب