منذ أن أعلنت الشقيقة الجزائر عن نيتها في العمل على إنهاء الانقسام الفلسطيني البغيض، وبدأت من أجل ذلك خطوات عملية، وعمل دؤوب، ونحن نقول بأن الجزائر فتح لنا طاقة فرج وأحيا وعزز الأمل لدينا بأن هذا الملف سوف ينتهي، لأن الجزائر ليس لها أي مصلحة إلا إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، لذلك نحن نقول بأن الجزائر هي أم البدايات وحاضنة الثورة الفلسطينية المعاصرة منذ ما قبل الانطلاقة الفعلية لها.
وفي الوقت الذي نضع كل ثقتنا في دولة الجزائر، فإننا على يقين تام بأنها لن تخذل الشعب الفلسطيني، وسوف تبقى تعمل بلا كلل أو ملل وصولاً إلى الهدف الأسمى وهو توحيد الشعب الفلسطيني، ونحن جميعاً نقف خلفها ومعها من أجل ذلك. وقد عملنا ومنذ بدايات الانقسام على محاولة إنهاءه، من خلال مبادرات ولقاءات وجولات وحوارات، استشعاراً منا بسوء الوضع الفلسطيني وقراءتنا المستقبلية إلى أن الأمور ذاهبة حتماً إلى صراع داخلي.
كًنا قد اطلقنا مبادرة سميت بمبادرة القطاع الخاص، التي دعت إلى تنحية الخلافات جانباً واحترام نتائج الانتخابات التشريعية، وسيادة القانون، ولجم المظاهر المسلحة، والتراشق الإعلامي، ولكن للأسف حدث ما حدث.
والآن بعد قرابة خمسة عشرة عاماً من بدأ الانقسام الداخلي أي منذ منتصف حزيران 2007، ونحن نعمل وبالشراكة مع كل مكونات المجتمع الفلسطيني للوصول إلى صيغة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، على قاعدة الشراكة السياسية الكاملة، ضمن برنامج وطني جمعي تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
إن ما يحصل حالياً من تفتت وتشرذم، وبوادر لانفلات أمني تغذيه دولة الاحتلال، وهي بالتوازي تحاول العمل على تحديد دور السلطة في أن تكون حارساً لأمنها ليس أكثر، وتحويل الصراع إلى مجرد قضايا إنسانية واقتصادية يمكن التعامل معها بالتنسيق بين ضابط إحتلالي وبين شخصيات فلسطينية قبلت على نفسها هذا الدور ، كل ذلك يستدعي من الجزائر العمل فوراً على إنهاء الانقسام وقطع الطريق على الاحتلال واعوانه في إنهاء المشروع الوطني الفلسطيني.
جهود الشقيقة الجزائر بارقة أمل جديدة ومهمة ويجب إنجاحها من أجل وقف حالة السوء التي نعيشها، إننا نريد إنهاء الانقسام، لكي نتفرغ لمقارعة الاحتلال، وصولاً إلى العودة والحرية والاستقلال، مًقرين بحل الدولتين، كحل مرحلي، ومقبول دولياً، ولكن في ذات الوقت يمكن لهذا الحل أن لا يرى النور بسبب سياسات الاحتلال على الأرض التي فرضت حقائق استعمارية جعلت من الصعب لا بل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران للعام 1967، لذلك نحن ندعو إلى دولة فلسطينية واحدة علمانية على كامل التراب الفلسطيني تتسع لجميع مواطنيها، وهذا الخيار كان مطروحاً من طرف حركة فتح منذ العام 1968.
ستبقى الجزائر هي السند للشعب الفلسطيني، وسنبقى نعمل سوياً من أجل إنهاء الاحتلال الذي أساسه إنهاء الانقسام وصولا إلى الوحدة الوطنية، ومن أجل هذا ومن أجل دعم جهودكم الكريمة فقد قمنا بصياغة ميثاق شرف وافقت عليه ستة من الفصائل الفلسطينية الوازنة في الساحة الفلسطينية وقد استنكرت هذه الفصائل ودعت إلى إنهاء الانقسام وعبرت عن شكرها “العالي للجزائر قيادة وشعبا على هذه المبادرة المباركة وعلى كل المواقف النضالية المشرفة اتجاه فلسطين أرضا وشعبا وقضية، ونعتبر المبادرة الجزائرية بمثابة فرصة ذهبية لإنهاء الانقسام الالتزام بها واجب وإفشالها خيانة وجريمة وطنية”.
لدينا رؤيتنا لإنهاء الانقسام وإعادة بناء الوضع الداخلي على أسس ديمقراطية تشاركية، وهذا يبدأ بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين (فتح وحماس) ابتداءً باتفاق مكة الذي كان قبل الانقسام في شباط 2007، مروراً بكل الاتفاقيات التي اعقبته مثل الورقة المصرية 2009، واتفاق القاهرة 2011، واتفاق الدوحة 2012، واتفاق الشاطئ 2014، واتفاق القاهرة 2017، واجتماعات القاهرة 2021.
وأيضاً إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية الإطار الجامع للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وهي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهي بحاجة إلى دمقرطة حياتها الداخلية وتقوية مؤسساتها، وانضمام جميع الفصائل اليها، لأن إبقاء المنظمة على هذا الحال لا يخدم أحدا بل يساهم في تهميشها، فالمطلوب الآن هو الاتفاق على آلية تعيد الاعتبار لها، والانتخابات هي أساس دمقرطة مؤسساتها، وهناك اتفاق العام 2005، وكذلك قرارات المجلس المركزي 2015 و2018، كفيلة بإعادة الاعتبار للمنظمة كهوية جامعة للشعب الفلسطيني.
كذلك هناك أهمية كبيرة لإعادة صياغة العلاقة ما بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية من حيث إعادة تعريف وظائفها وتحديدها بكونها ذراع المنظمة لإدارة شؤون الفلسطينيين في الأرض المحتلة عام 1967، فاستمرار الوضع الحالي في طبيعة العلاقة التي تحكم المنظمة مع السلطة يؤشر إلى ذوبان المنظمة في هياكل السلطة، وهذا الأمر له تبعات سياسية سيئة جدا على وحدة الشعب الفلسطيني وعلى المشروع الوطني بشكل عام.
وكذلك هناك حاجة إلى إعادة مفهوم الشراكة السياسية الكاملة وعدم الاستفراد بالقرارات، يبدأ من إصلاح وتطوير وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية أساسها الانتخابات، وإن البدء بدمقرطة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية يشكل أساسا لإعادة الحياة بقوة إلى المجلس الوطني، والمجلس المركزي، والنقابات والاتحادات، وحتى الأحزاب التي فقدت دورها الفاعل في أوساط الشعب الفلسطيني، وتشجيع تأسيس تجمعات وحركات وأحزاب جديدة وتمكينها وتسهيل دمجها في النظام السياسي وفي هياكل منظمة التحرير الفلسطينية، التي هي هياكل تمثيلية تأخذ شرعيتها من صندوق الاقتراع، ووجودها ضرورة لحماية المجتمع وتحصين وتقوية وضعه الداخلي، لتمكين وتعزيز صموده وزيادة وتوسيع مشاركته في المقاومة بجميع أشكالها.
وهناك ضرورة لتجديد الشرعيات من خلال إجراء الانتخابات العامة هي نقطة ارتكاز أساسية لإعادة الاعتبار للمشروع الوطني داخلياً وخارجياً، وهي مخرج ديمقراطي لإعادة تجديد الشرعيات في جميع الهياكل التمثيلية لمؤسسات الشعب الفلسطيني وعلى رأسها المجلس الوطني الفلسطيني، الذي هو الهيئة التشريعية العليا لكل الشعب الفلسطيني، في الوطن والشتات وليس السلطة الفلسطينية وهياكلها، الذي يجب إعادة تعريف مهمتها الوظيفية، وحصرها في إدارة الشأن العام للفلسطينيين في الأرض المحتلة عام 1967.
يتبع ذلك تشكيل مجلس تأسيسي لدولة فلسطين تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، يقوم بمقام البرلمان المؤقت لدولة فلسطين، ويفوض بمهام الرقابة على أداء الحكومة في الأرض المحتلة عام 1967، -والتي مرجعيتها المجلس الوطني الفلسطيني المنتخب و/أو الأمناء العامون أو من ينوب عنهم -، وفي هذا رسالة بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي صاحبة القرار، وبدأت بخطوات عملية في إطار تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني، المتمثل بإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية بما ينسجم مع اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين بموجب القرار 19/76 لعام 2012. وهذا يعني عدم العودة للمفاوضات تحت سقف اتفاقية أوسلو التي لا تلبي طموحات الشعب الفلسطيني في العودة وإقامة الدولة وتبقيه رهينة لسياسة الأمر الواقع المتمثلة باستمرار الاحتلال وزيادة الاستيطان والضم الفعلي لكل الضفة الغربية.
إن النقاط أعلاه قد تشكل أساساً للوصول إلى الوحدة الوطنية من خلال إنهاء الانقسام والاتفاق على برنامج سياسي نضالي، وبما يضمن الشراكة السياسية الكاملة، وصولاً إلى تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة والحرية والاستقلال وبناء الدولة، ونأمل أن تكون محطة الجزائر خاتمة المأساة الفلسطينية.
كلنا أمل أن تكون الجزائر هي خاتمة المأساة الفلسطينية وأن تقدم مقترحاً لإنهاء الانقسام قائم على أساس الشراكة السياسية الكاملة، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تشكل الهوية الجمعية للكل الفلسطيني، وأن نصل بمساعدة الجزائر ودعمها إلى بر الأمان، فقد كانت الجزائر أم البدايات وستبقى في قلب كل فلسطيني فهي السند المتبقي لنا في ظل الهرولة نحو إرضاء أعداء الشعب الفلسطيني من خلال التطبيع العلني والسري الذي لن يخدم أحداً لا بل سيضر بمستقبل الشعوب العربية
منيب رشيد المصري