عروبة الإخباري – محمد المشايخ
تمزج رواية المبدع الدكتور أنور الشعر (راحابيل) بين التاريخ والجغرافيا، بين السياسة والصحافة، بين الأصالة والمعاصرة، بين الدين والخرافات والأساطير، وتكاد تكون رواية ملحمية تكشف النقاب عن الأسرار التي كانت وراء تمزيق الوطن العربي، ووراء إحداث الفتن والحروب الداخلية والخارجية بين بعض أقطاره، ووصول أعدائه إلى رأس الهرم في عدد من الدول، ومصاهرتهم، والتجسس عليهم وعلى بلدانهم، دون أن تنسى دور الانتداب البريطاني وكل القوى الاستعمارية التي ساهمت في تمكين الصهاينة من احتلال فلسطين، وتشييد مستوطناتها عليها، ومن ثم فتح الخطوط والعلاقات الدبلوماسية المكشوفة والسرية مع عدد من أقطار العالم البعيد والقريب، متخذة إجراءات قاسية بحق كل من يحاول كشف أو تعطيل هذا المسار، وفي طليعتهم بطل هذه الرواية، الذي نعرف بعد أكثر من ثلاثمائة صفحة منها، أنه كان أميرًا في بلده، ولما انفتحت له أبواب الواقع ورأى من خلالها ما ينفذه الأعداء في الخفاء، تم بتر إحدى يديه وساقيه واستئصال إحدى كليتيه، وإلقائه في قاع المدينة، في وضع مزر.
إنها رواية تستند إلى العلم، وإلى الحقائق، وإلى الوقائع، متسلحة بالرموز والإشارات، وموشحة بالأسماء الغريبة والعجيبة للشخصيات والأمكنة والأزمنة، ومليئة بالأحداث والوقائع والقصص والحكايا، مبرزة بعض المراجع على غرار»بروتوكولات حكماء صهيون» وأنشطة «المحفل الماسوني» وبعض الجمعيات والهيئات والتنظيمات والشخصيات التي عجلت في تحقيق أهداف الصهاينة دون أن تذكر أيًّا منها باسمه الحقيقي.
ولأن العنوان عتبة النص، فإن القارئ سرعان ما يعرف أن (راحابيل) تتألف من مقطعين، الأول: (راحاب) تلك المرأة الزانية، التي كانت تسكن في أريحا، ومن وجهة نظر العبرانيين(في أرض الميعاد)،والتي كان لها الفضل «حسب سفر يشوع» في تقديم خدمة عظيمة للعبرانيين، وحماية جواسيسهم، والثاني (إيل) وتعني الإله الأعلى في الديانة الكنعانية، وبها تنتهي كلمة «اسرائيل»، أما غلاف الرواية فقد اشتمل على إخطبوط راحابي يحاول مد أذرعه لالتهام قرية عربية.
يلي العنوان في الأهمية، (قاع المدينة) الذي اشتغل الروائي على إبراز واقعه المرير، مسلطًا الأضواء على أرق الجماهير بخاصة، وعلى معاناة المساكين والمعذبين والمقهورين القاطنين فيه بعامة، دون أن يوضح لنا عن أي مدينة يتحدث، وسرعان ما يتدخل الإعلام، ويبرز الصحافي الذي يشتغل على إعداد تحقيق استقصائي مطوّل، يسعى من خلاله إلى طرح قضايا، وكشف معلومات وحقائق وأسرار،لم يتوصل إليها أحد من قبل، لينتقد في أثناء عمله الصحافي، الواسطات والمحسوبيات والغش والسرقات من المال العام على الصعيد المحلي في الدولة التي يتحدث عنها، دون أن يذكرها، وفي الوقت نفسه كاشفا عن المصير الذي يؤول إليه كل من يتصدى للصهيونية وأساليبها في الوصول إلى أعلى السلطات هنا وهناك، والتجسس عليها، وإيصالها إلى مرحلة تكون فيها جزءًا من المشروع الصهيوني التوسعي.
وعلى الصعيد الفني، استخدم الروائي أسلوب وجهات نظر الشخصيات، ليتمكن من إيصال رسالته الأدبية بكل ما فيها من تعدد وتنوّع، وكشف النقاب عن المياه التي تجري من تحت أقدام العالم دون أن يحس بها.
(راحابيل) رواية تكشف النقاب عن الثقافة الموسوعية لمؤلفها، الذي جعل منها بانوراما لمعلوماته الأدبية العربية والأجنبية، باثَّا بين صفحاتها عددًا كبيرًا من أسماء المبدعين والمبتكرين العالميين وإنجازاتهم ومؤلفاتهم، وكثيرًا ما بثّ بين صفحاتها وقائع من ماضي العرب وومضات من طرائفهم وقصصهم وقصائدهم ذات المغزى والحكمة، والتي تلتقي مع رغبة الروائي في جعل عنصر التشويق، وحب الاستطلاع لدى القارئ الذي لن يدع الرواية قبل قراءتها كاملة.
أسلوب الرواية سهل ممتنع، بذل الروائي جهدا كبيرًا في انتقاء كلماته، وجمله، وعباراته، وتدرّج في سرده وعقدته صعودًا وهبوطًا، بما أوصل رسالته الوطنية والأدبية.
مع أنور الشعر في روايته «راحابيل»
14
المقالة السابقة