عروبة الإخباري – أقام قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة فيلادلفيا حفل تأبين للشاعر الكبير الدكتور عز الدين المناصرة بمناسبة مرور أربعين يومًا على وفاته، وذلك عبر برنامج مايكروسوفت تيمز، بحضور رئيس الجامعة، وبمشاركة الكاتب الكبير محمود شقير وعائلة الفقيد، وقد بدأ الاحتفال الذي أدارته الدكتورة نداء مشعل، بالحديث عن الفقيد وبعضًا من أعماله المتميزة في مجال الشعر والنقد، وارتباط اسمه برموز عديدة مثل جفرا الفلسطينية، وحيزية الجزائرية وغيرها. ثمّ ألقى الدكتور معتز الشيخ سالم رئيس الجامعة كلمة تحدّث فيها عن الراحل الكبير وعن إنجازاته في السنوات العشرين التي قضاها في الجامعة، ومساهمته بتأسيس قسم اللغة العربية وآدابها؛ إضافة إلى تأليفه مجموعة كبيرة من أعماله الإبداعية والنقدية وهو في رحابها، وقد أكّد الدكتور رئيس الجامعة بأنّ الدكتور المناصرة وزملاءه في قسم اللغة العربية يشكلون واجهة ثقافية متميزة للجامعة وللمشهد الثقافي في الأردن والعالم العربي، وستبقى ذكراه خالدة في أعماله وإبداعاته.
الكاتب الكبير الأستاذ محمود شقير من جهته افتتح كلمته بشكر الجامعة على هذا الحفل بالراحل الكبير متحدّثًا عن علاقته به التي امتدّت لسنوات طويلة منذ العام 1972، سواء مباشرة من خلال عملهما معًا في بيروت أسرة تحرير مجلة منظمة التحرير (فلسطين الثورة)،أو غير مباشرة من خلال كتابة الدكتور المناصرة الإبداعية والنقدية.
وقد بيّن شقير أنّ رحيل عز الدين المناصرة خسارة كبيرة للشعر فقد كان طوال مسيرته الشعرية وكأنّه يكتب القصيدة بعفوية تامة، ولم يكن الأمر كذلك؛ فقد كانت قصيدته تخضع لهندسة وتمحيص واختيار دقيق للمفردات بحيث يمكننا معرفة كاتبها دون أن يتوجها باسمه، وهذا سبب من أسباب فرادتها، كما أنّه لم يكن ينحو منحى مباشرًا في شعره؛ إذ كان يصف المشهد بأسلوب يرسخه في المشاعر والوجدان، ويستحضر فلسطين وما يدلّ عليها من رموز وإشارات، ويسرد فيها أسماء القرى والمدن، ويذكّر بروائح الأشجار، ويتغنّى بالنساء الكنعانيات الحاملات أصالة الانتماء للبلاد، ويستفيد من التراث الشعبي، ومن بعض المصطلحات المحكية الفلسطينية ومفرداتها، يوظفها في القصيدة بذكاء ما يضفي على قصيدته طابعًا خاصّا وبهاء، وبيّن كذلك أنّ المناصرة كان شاعرًا متمرّدًا على القوالب الجاهزة في الشعر الفلسطيني منذ بداياته الأولى، فقد كتب قصيدة الشعر الحرّ المعتمدة على وحدة التفعيلة، وكتب قصيدة النثر التي وصفها بالخنثى الثنائية الجنس ليس من باب الاستهانة بها وإنما من باب اجتماع الشعر والنثر فيها، وكان في كل ما أنجز من شعر معنيّ بالإيقاع الداخلي والموسيقى في قصائده، وأكّد أنّ المناصرة طوال تجربته لم يكن شاعر سلطة ولا سلطان وإنما كان شخصية مستقلة له صوته الخاص ورؤاه.
من جهته تحدّث الأستاذ الدكتور محمد عبيد الله عميد كلية الآداب والفنون عن الراحل المناصرة، قائلًا إنّ المناصرة فقيد كبير للثقافة الفلسطينية والأردنية والعربية. ولكن عزاؤنا في إرثه الشعري والنقدي المتميز الذي أنجزه في حياته المديدة، فلقد أخلص لشعره ووضعه في خدمة قضية شعبه، دون أن يتنازل عن شروط التجديد والجمال، فتميز بنبرة المقاومة والالتزام الجمالي الذي يتسع للتجديد والتجريب، ويتميز بظواهر فنية عميقة مصدرها روح الشعب الذي انتمى إليه، وهكذا نتنبه إلى الطوابع الشعبية والتراثية في شعره بوصفها سبيلا تجريبيا وسبيلا تواصليا وسبيلا للهوية والاتصال بالجذور التي لا بد من رعايتها في شعر المقاومة الجمالية والحضارية.
لقد تميز بشعر الكنعنة الحديثة، وبحضور الرموز التراثية الكثيفة، مثلما أحيا جفرا الفلسطينية وحيزية الجزائرية وأم علي النصراوية وغير ذلك من رموز الحب والأمومة التي تتصادى مع فلسطين وأمومتها وعشقها، وتوسع في تفصيح العاميات ليكسر الحاجز بين المتلقي والشعر الحديث، فلم يكن شاعرا نخبويا ولم يكن شاعرا تحريضيا أو شعبويا، وإنما أضنى نفسه وأغنى تجربته وهو يفتش عن سبل تجمع بين اشتراطات الجمال ومضمون المقاومة، ذلك أنه أدرك أن الكلام السهل المقفى ليس شعرا باقيا، وإنما الباقي هو الشعر الحقيقي، وأن فلسطين جدرية بالأشعار الخالدة.
من جهتها تحدّثت الدكتورة هالة العبوشي عن المرأة في شعر المناصرة، وصور حضورها وأشكاله ورمزيتها، لا سيما رمزية جفرا التي استلهمها من التراث وباتت علامة في شعره، وأصبحت المرأة التي أحبّها وتغنّى بها في أشعاره كونها ترمز إلى الوطن، كما قارنت بين المرأة عند المناصرة والمرأة عند شعراء آخرين مثل نزار قباني.
الدكتور يوسف ربابعة من جهته تناول موقف المناصرة من اللغة المحكية قائلًا إنّ المناصرة الفاظا من اللهجة المحكية في شعره بشكل لافت، وهذا مبنى على موقف مسبق من اللهجات التي يراها امتدادا لتاريخ اللغات في المنطقة، وهي ليست مرفوضة او اقل قيمة من الفصحى، كما أن لديها القدرة على التعبير في كثير من المواقف أكثر من اللغة الفصحى، وقد تكون أقرب للتعبير عن نبض الناس وحياتهم.
ثمّ ألقى الدكتور عمر الكفاوين كلمته التي قال فيها: قد سعى المناصرة من خلال أشعاره إلى رصد الوقائع والأحداث في أمكنتها وأزمنتها، محاولاً إعادة بنائها ورسمها من جديد عبر تخطيط شعري متعالي الدقة، يعتمد على ثنائية الماضي َوالحاضر والواقع والخيال، فجسد جنساً أدبياً امتزج فيه الشعر بالسيرة الذاتية، وقد ساعده في ذلك تلك الواقعية التي لمعت فيه، وتلك اللغة التي تأرجحت بين التراث والمعاصرة، وتلك الأنسجة الخيالية التي ترتدي لباس الواقع وتعيد خلقه من جديد عبر صور أدبية جميل.
إن المتأمل في أشعار المناصرة يدرك أنه ذلك الشاعر الفلسطيني الصادق الرافض والمتحدي، والباحث الدائم عن الحرية والحياة الكريمة، ومن خلال ذلك الشعر نحس به كإنسان حميمي لطيف، يعشق وطنه ويشتاق لمسقط رأسه (الخليل/ فلسطين)، ويورث ذلك الشوق لكل قارئ لشعره، كما أنه يبدو كأنه مؤرخ لتلك الأحداث التي مرت في حياته وحياة كل فلسطيني حر، وتلك النضالات الوطنية التي يخوضها الإنسان الفلسطيني.
أمّا الأستاذ غسان عبد الخالق فقد ذكر في كلمته أنّه شارك في اجتماع تحضيري لمؤتمر علمي سيعقد في بني نعيم / الخليل مسقط رأس الشاعر، وتنظمه بلدية بني نعيم بالتعاون مع وزارة الثقافة الفلسطينية، وقد دفعه ذلك إلى طرح مجموعة من الأماني العملية التي يأمل أن تتحقق وهي:
التمنيّ على الزملاء والزميلات في مركز اللغات في جامعة فيلادلفيا باستحداث وحدة عن عز الدين في مادّة عربي 101 أو مادة عربي 102؛ كونه من المؤسسين لهذه المواد، وكذلك الحال بخصوص مادتي تذوق النصّ الأدبي وفن الكتابة والتعبير في قسم اللغة العربية.
التمنّي على مكتبة جامعة فيلادلفيا أن تفرد ركنًا خاصّا لعز الدين المناصرة مشفوعًا بسيرته الذاتية ومؤلفاته، كما عملت سابقُا ركنين لإحسان عباس وناصر الدين الأسد.
التمنيّ على برنامج ماجستير اللغة العربية في الجامعة بتوجيه الطلبة بدراسة أعمال عز الدين المناصرة الشعرية والنقدية.
التمنيّ على الزملاء في مجلة فيلادلفيا وكذلك في مجلة أفكار بإفراد عدد خاصّ عن عز الدين المناصرة.
التمنيّ على رابطة الكتّاب الأردنيين بإفراد ندوة نقدية عن عز الدين المناصرة وإصدارها في كتاب.
التمنّي على جمعية النقّاد الأردنيين أن تعقد ندوة نقدية عن عز الدين المناصرة وإصدارها في كتاب.
التمنّي على الدائرة الثقافية في أمانة عمان الكبرى أن تعمل على إطلاق اسم عز الدين المناصرة على واحد من شوارع عمان.
وفي نهاية الاحتفال تحدّث السيد كرمل المناصرة ابن الفقيد وألقى كلمة عائلة المناصرة شكر فيها الجامعة على هذا الاحتفال، كما تحدّث عن والده وعن صفاته، التي من أهمها نشر العلم والثقافة والتي يستشعر بأنها وصيته الأساسية، آملًا أن يتكمن هو وإخوته وكذلك زملاء والده في القسم ومن المثقفين تنفيذ هذه الوصية.
وقد تخلّل الحفل قراءات شعرية من أعمال الدكتور المناصرة قدّمها الطلبة: محمد الثاني أبو حمد، إيناس زرقان، حمزة أبو شملة، طاهر صبح.
وقبل الختام كانت هناك مداخلات من الحضور من فلسطين والجزائر عبروا فيها عن مشاعرهم تجاه الراحل الكبير، وعن قيمته الفكرية والأدبية.
13