عروبة الإخباري – أثار مقتل ثلاث نساء غضبا واسعا في لبنان، أين كشفت السلطات عن تضاعف عدد التقارير التي تبلغ عن حوادث تصنّف ضمن العنف المنزلي في بلد حظي مؤخرا بالثناء للقوانين الجديدة التي وضعها لحماية المرأة.
وكان مقتل عارضة الأزياء زينة كنجو خنقا أكثر الحالات شهرة. وبحسب الوكالة الوطنية للإعلام، صدرت مذكرة توقيف بحق زوجها المتهم بقتلها، بعد فراره إلى تركيا. ودعت قناة إخبارية محلية زوج العارضة، إبراهيم غزال كنجو، لمشاركة روايته للأحداث، مما أثار غضبا على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن ما اعتبره الكثيرون ثقافة “لوم الضحية”.
وقالت الناشطة الحقوقية حياة مرشد، وهي المديرة المشاركة في المجموعة النسوية المحلية في – ميل “تساعد وسائل الإعلام اللبنانية في الكثير من الأحيان في ترسيخ فكرة أن الرجال يمكنهم الإفلات من هذه الجرائم. وقال غزال في البرنامج إنه إذا لم يرغب في أن يُقبض عليه، فلن يتم ذلك”.
وزينة كنجو ليست الوحيدة التي تعرضت للعنف على يد زوجها فقبلها لارا التي تعمل ممرضة في مستشفى سيدة لبنان في منطقة الحازمية، وهي أم لطفلة لم تتجاوز السنتين.
وأثناء توجهها إلى عملها، تربص بها زوجها عند المدخل في منطقة حي السلم بالضاحية الجنوبية لبيروت، وباستخدام رذاذ حارق وعصا كهربائية إضافة إلى “بوكس حديدي” وسكين كبير، حاول قتلها بضربات على رأسها وطعنات في بطنها وصدرها طالت كبدها ورئتيها، كما وجه لها ضربات على وجهها لتشويهه.
وأكدت الناشطة النسوية عليا عواضة أن لارا هي الضحية الخامسة للعنف الأسري ضد النساء في لبنان، حيث شهدت البلاد أربع جرائم قتل تعرضت لها نساء لبنانيات منذ مطلع العام الحالي، أي على مدى شهر و10 أيام فقط، آخرها كان قضية مقتل الشابة زينة كنجو، و”هذا رقم مرعب”.
وأضافت أن نسب العنف الأسري والعنف ضد النساء ارتفعت بشكل كبير في الآونة الأخيرة.
وأكد محامي لارا أن القضية مرفوعة على أنها محاولة قتل، مطالبا على هذا الأساس القضاء بإنصاف هذه الشابة ومن بعدها تعديل قانون العنف الأسري الصادر عام 2014، وجعله أكثر حزما في النص والتطبيق وإخراجه من قبضة رجال الدين لكل طائفة في لبنان وصولا إلى قانون موحد للأحوال الشخصية لجميع اللبنانيين.
وقد حظر لبنان التحرش الجنسي وأصلح قانون العنف الأسري في ديسمبر، لكنه لا يجرم الاغتصاب الزوجي، وتميز قوانين الأحوال الشخصية التي تديرها المحاكم الدينية ضد المرأة في أمور مثل الطلاق وحضانة الأطفال.
الجائحة الخفية
في المقابل، وصفت الأمم المتحدة الزيادة العالمية في العنف الأسري خلال عمليات الإغلاق بسبب فايروس كورونا المستجد بأنها “الجائحة الخفية التي تتنامى في ظل الأزمة”، مع تضاعف العنف في المنازل تزامنا مع تفاقم الوضع الاقتصادي في لبنان، وهو أمر أكدته جماعات حقوق المرأة.
وقالت هيئة الأمم المتحدة للمرأة إن الاتجاهات الأولية تشير إلى أن إجراءات الإغلاق المتصلة بجائحة فايروس كورونا المستجد أدت بالفعل إلى تفاقم حوادث العنف القائم على النوع الاجتماعي وإلى أن هذا التفاقم يرجح أن يستمر. فمستويات العنف ضد المرأة، المرتفعة أصلا في لبنان ولاسيما التي تقع على النساء والفتيات، قد تضاعفت بفعل الحجر الصحي والعزلة الاجتماعية، وكذلك بسبب فقدان الوظائف والدخل الذي يفاقم الضغوط التي يتعرض لها الأفراد والأسر، بل المجتمع ككل.
وتبين البحوث العالمية أن هذه العوامل تحد من قدرة المرأة على الإفلات، ولو مؤقتا، من الشركاء المسيئين، وعلى الحصول على خدمات الطوارئ التي قد تنقذ حياتها في بعض الحالات، وتزيد من خطر تعرضها للضغوط.
وأشارت الصحافية والكاتبة والناشطة النسوية في لبنان، بارعة الأحمر، إلى أن حالة الانتظار غير المعروف مدته نتيجة جائحة كورونا ولّدت إحباطا نفسيا وشعورا باليأس وتوترا لدى الأشخاص إضافة إلى ردود فعل مختلفة على مستوى العالم.
وقالت بارعة لـ”العرب” “في العالم العربي هناك حالة إحباط عام أصابت الرجال باعتبارهم غير متعودين على البقاء في المنزل لوقت طويل وتحمل تفاصيله الصغيرة”.
وأضافت أن الرجال في العالم العربي يعيشون حالة لم يمروا بها سابقا متمثلة في البقاء بالمنزل وعدم القدرة على الخروج، وهو ما يجعلهم يعبرون عن غضبهم بشكل مختلف، مؤكدة أنه في مجتمعاتنا العربية تم التنفيس عن هذا الغضب بتزايد حالات العنف المنزلي ضد المرأة والأطفال.
وأوضحت الأحمر أنها لا تريد تحميل الأفراد بشكل كبير هذه المسؤولية لأن لها علاقة بالدولة والمجتمع المدني.
وقالت إن على الدولة أن تساهم في التخفيف من حالتي الإحباط واليأس اللتين يشعر بهما الأشخاص وأن تحرص على تطبيق القوانين الحامية للمرأة. وأشارت إلى أن هناك جوعا في لبنان تتحمل مسؤوليته الدولة التي لا تتعاطى مع تبعات الجائحة بشكل يخفف من الضغط والإحباط على الناس.
العنف المبني على النوع الاجتماعي معضلة متفشية في لبنان مـن شأنها أن تعيق تنمية المرأة وتطورها
وبيّنت الهيئة أنه في موجة كورونا الأولى وعلى الرغم من إجراءات الإغلاق تمكنت قوات الأمن من الاستجابة لحالات العنف المنزلي من خلال إجراء زيارات منزلية وتلقي الحالات في مراكز الشرطة. ولكن ثمة قلق من عدم تمكن قوى الأمن من الاستمرار في إنفاذ تدابير الحماية هذه. ويستخدم بعض القضاة خلال فترة الإغلاق تكنولوجيات الاستماع عن بعد لإصدار أوامر حماية للنساء المعرضات لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي والناجيات منه، وقد أصدروا قرارين لحماية امرأتين. وأفادت بعض الناجيات من العنف بأنهن غير قادرات على التماس الانتصاف القانوني ضد الجناة بسبب إغلاق المحاكم.
وسجلت هيئات دولية انعكاس تداعيات الحجر المنزلي سلبا على العائلات في لبنان مع تزايد حالات العنف، في واقع لا يختلف كثيرا عن دول أخرى.
وكان آخر هذه الحوادث تسجيل مقتل طفلة سورية في طرابلس العام الماضي لا يتجاوز عمرها خمس سنوات بعد تعرضها للضرب المبرح على يد والدها.
وعلقت على هذه الظاهرة جهات رسمية وجمعيات في لبنان أكدت أن الرابط الأساسي بين العنف والحجر المنزلي هو أن الوجود الدائم للنساء المعنفات في المنازل يعرضهن أكثر للخطر، إضافة إلى الضغوط النفسية والاقتصادية.
وشهد الخط الساخن المخصّص لتلقي شكاوى العنف الأسري في قوى الأمن الداخلي ارتفاعا بنسبة 100 في المئة في شهر مارس من العام الماضي مقارنة مع الشهر نفسه من العام الذي سبقه، بعدما كانت هذه النسبة 86 في المئة في شهر فبراير.
وهذه الإحصاءات لا تشمل الشكاوى والاتصالات الواردة إلى الجمعيات التي تعنى أيضا بهذه القضايا والتي أعلنت عن ارتفاع حالات العنف وإن بنسبة أقل، معتبرة أن وجود المعنّف في المنزل قد يحول دون قدرة من يتعرض للعنف على الاتصال للتبليغ عن حالته، ما قد يحول دون إمكانية تحديد عدد الحالات بشكل دقيق.
وجود المعنف في المنزل قد يحول دون قدرة من يتعرض للعنف على الاتصال للتبليغ عن حالته، ما قد يحول دون إمكانية تحديد عدد الحالات بشكل دقيق
كما أشار التقرير الشهري لجمعية “كفى” إلى استقبالها في شهر الحجر المنزلي 75 اتصالا لنساء يتواصلن للمرة الأولى بالجمعية، 55 منها كان بطلب المساعدات الاجتماعية. ولفتت الجمعية إلى أن أكثر الاتصالات التي وردت هي من نساء يتّصلن للمرة الأولى فورا بعد تعرّضهن للعنف، الذي يأخذ شكلين: معنوي وجسدي، مشيرة إلى أن أعمال العنف توسّعت لتشمل إضافة إلى الزوج، الأب والأخ والخال.
وتعتبر الجمعية أن الأرقام وأعداد الاتصالات لا تعكس بالضرورة واقع حال النساء في فترة الحجر، فصعوبة الاتصال وطلب المساعدة مع وجود المعنّف في المنزل، وخاصة عندما يكون المنزل صغيرا، كبيرة، وكذلك الخوف.
وتعطي الجمعية مثالا بأن سيّدة تواصلت معها طلبا للمساعدة من منزل جارتها لأنها لم تستطع الاتصال من البيت بوجود المعنّف فيه. كما لاحظت ازدياد الرسائل الخطية الخاصة التي تصلها على وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة عبر فيسبوك.
ولفتت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية في حملتها التي أطلقتها العام الماضي بالتعاون مع المُديرية العامة لقوى الأمن الداخلي إلى أنه في ظل الحجر الصحي المنزلي الذي فرضته الحكومة اللبنانية للحد من انتشار فايروس كورونا يعود موضوع العنف ضد النساء والفتيات إلى الواجهة، إذ أن الوجود الدائم للنساء المعنفات في المنازل مع أفراد الأسرة يعرضهن أكثر لخطر العنف الأسري.
وفي أرقام جديدة اطلعت عليها مؤسسة تومسون رويترز، قالت قوى الأمن الداخلي إن تقارير العنف الأسري تضاعفت خلال العام الماضي مع تسجيل 1468 حالة في الأشهر الإثنى عشر الماضية، بعد أن كانت في حدود 747 خلال السنة التي سبقتها.
كما قال مسؤول من قوى الأمن الداخلي، وقد طلب عدم نشر اسمه لعدم تمتعه بتصريح يخوّل له الحديث إلى وسائل الإعلام، إن عدد النساء اللاتي قُتلن أثناء العنف الأسري ارتفع أيضا، لكن الرقم الدقيق لم يُحدّد بعد.
وتعكس الأرقام الرسمية اتجاها مشابها لذلك الذي أشارت إليه منظمة “أبعاد” المعنيّة بحقوق المرأة، والتي شهدت تضاعف عدد المكالمات على خط المساعدة الذي خصصته إلى 4127 في 2020، مقارنة بـ1375 سنة 2019.
سلسلة من الجرائم
قالت قوى الأمن الداخلي في بيان إن جريمة القتل الثانية التي تصدرت عناوين الصحف هذا الشهر كانت لامرأة في الخمسينات من عمرها قتلها رجل كان يحاول الاعتداء عليها جنسيا، مضيفة أنها ألقت القبض على أحد المراهقين الذي اعترف بذلك.
ووفقا لموقع “شريكة ولكن”، الذي تأسس بمبادرة من جمعية في – ميل، عثر على وداد حسون، وهي امرأة في منتصف العمر، ميتة في شمال لبنان بعد خنقها.
وقالت مرشد “لا ينبغي اعتبار هذه الجرائم حوادث فردية. فهي جزء من سلسلة الجرائم التي تُرتكب كل يوم ضد النساء والفتيات بسبب النظام الأبوي والعقلية التي تبرر هذه الجرائم”.
ورحّب نشطاء حقوق المرأة بتعديل لبنان الأول لقانون العنف الأسري لعام 2014 في ديسمبر الذي أصبح يشمل الاعتداء بين المتزوجين، لكن المحامين اللبنانيين يقولون إنه من غير الواضح ما إذا كان هذا ينطبق على المطلقات، مما يترك ثغرة قانونية.
وقالت مسؤولة الوحدة القانونية في التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني، منال ماجد “رأينا العديد من الحالات التي يطلق فيها الرجال النساء بعد أن يعنّفنهن” هربا من الملاحقة القضائية في المحاكم المدنية. وتابعت “لا تزال النساء يتمتعن بقدر ضئيل من الحماية من المعتدين الذين يتمتعون بسلطة عليهن”.
ووفق دراسة بعنوان العنف المبني على النوع الاجتماعي في لبنان: قوانين غير ملائمة، سبل انتصاف غير فعالة، مثّل العنف المبني على النوع الاجتماعي معضلة متفشية تشكل خطرا على حقوق الإنسان والصحة العامة في لبنـان، ومـن شـأنها أن تعيـق تنميـة المـرأة وتطورهـا.
وأشارت الدراسة إلى أن لبنـان أقـر في السنوات الأخيرة قوانيـن وسياسـات جديـدة تهدف إلى حماية حقوق المرأة من العنف المبني على النـوع الاجتماعي وغيـره مـن انتهـاكات حقـوق الإنسـان. ومـن هـذه القوانيـن والسياسـات القانـون رقـم 164 لسـنة 2011 لمعاقبــة الاتجــار بالبشــر والقانــون رقــم 293 لســنة 2014 (القانــون رقــم 2014/293) للحمايــة مــن العنــف الأســري. ولكـن، علـى الرغـم مـن هـذه التطـورات الإيجابيـة، لا تـزال هنـاك معيقـات كبـرى تقـوض حقـوق المـرأة فـي لبنـان.
وأكدت الأحمر أن المرأة اللبنانية التي سجلت حضورا قويا في المجتمع إبان الثورة في لبنان وهي تمارس حقها في الوجود وحقها في التدخل في التغيير المجتمعي والسياسي، وأن هناك تقبلا لهذا الدور من طرف الرجال.
وترى الأحمر أن الرجال يتقبلون هذا الدور المتعاظم الذي يكبر يوما بعد يوم والذي تمارس من خلاله المرأة المساواة مع الرجل اللبناني لكن تبقى هناك حالات موجودة في كل المجتمعات لا تتقبل هذا الدور الذي تقوم به المرأة اللبنانية، وهذا ينعكس طبعا على حياتها الخاصة.
وقالت الأحمر “المرأة خرجت إلى الشارع اللبناني وتظاهرت وقادت الثورة وهناك قسم من الرجال تقبلوا الموضوع وأسعدهم فيما لم يتقبله قسم آخر”. وأشارت إلى عدم تقبل الرجال في لبنان لحضور المرأة اللبنانية على وسائل التواصل الذي يأخذ منحى شخصيا داخل الأسرة وداخل البيت أيضا.
ودعت النساء إلى أن يجعلن حضورهن على وسائل التواصل الاجتماعي مقبولا في إطار حياتهن العائلية والخاصة حتى لا يأخذ منحى شخصيا لا يتقبله الرجل.
ولفتت إلى أن عدم قبول الرجال لتلك المسألة هو أمر طبيعي لكن لا يجب أن يصل العنف حد الضرب والقتل، مشيرة إلى وقوفها بوجه هذه الممارسات، معتبرة ذلك جريمة ضد المرأة الإنسانة التي يحاول الرجل أن يحد من وجودها في المجتمع من خلال قمعها أو قتلها.