عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
وها قد نجحت رؤيتك في التعامل مع إدارة ترامب المخلوعة حين أنكر عليك حقوق شعبك فأدرت له الظهر، بل أنك نلت منه وتفهته.. وأصبت هيبته حين كان كثيرون يخافون من خياله ويفرشون السجاد لخدمة مرافقيه علّهم يظفرون بشيء من رضاه..!!
نعم “وضعت رجلك في الحائط ” حين أدركت أن الرجل تقمص اسرائيل وتحدث بلسانها وتماهى في حكومتها اليمينية ودافع عن أجندات نتنياهو بأكثر مما رغب نتنياهو أو فكر..
أشفق عليك بعض العرب أنك فعلت ذلك وأدعوا أنهم انما يريدون مصلحتك ومصلحة شعبك حين أرسلوا لك أن “تطري الريق” معه وأن تقبل “صفقة القرن” بكل ما فيها من انكار لحقوق شعبك ، وتطاول على تاريخك ونضال شعبك، يومها سألتهم ماذا احضرتم لي من ترامب لأقبل نصائحكم ؟! وحين ظهر لك أنهم انما يحملون لك “صحيفة المتلمس” أشفقت عليهم ورددتهم على أعقابهم ووعدتهم أن تصمد وأن تنتصر..!!
راهنوا على ترامب ودافعوا عنه بأكثر مما فعل الامريكيون، وتبعوه رغم أنه كان “يخنقهم” ويصادر أموالهم ويقلل من قيمتهم ويشتمهم عبر التغريدات الشخصية وفي وسائل الاعلام..
قلت لشعبك ولمؤسساته السياسية أنك تتمسك بثوابت القضية وبحل الدولتين وبالقدس وحق العودة وقرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية .. حاولت ادارة ترامب أن تخيفك، فأغلقت مكتب المنظمة في واشنطن وجففت مصادر تمويل وكالة الغوث المسماة لفلسطين ، وبدأ ترامب يكرم لليمين الاسرائيلي من حقوق الفلسطينيين فطالب بضم شمال البحر الميت وغور الأردن الفلسطيني لاسرائيل.. كان صمودك ملموسا ومسموعا ومعلناً، لم تكن تهمس بذلك بل كنت تجاهر علنا، وحين توعدوا توعدت وحين تحدوا رددت عليهم بما يستحقوا..
المرجفون والخائفون فاجأهم سقوط حليفهم ترامب الذي خرج من البيت الابيض مطرودا، تطارده جرائمه بأثر رجعي بعد أن وكَّل اسرائيل ببعض العرب بعد أن احالهم من التبعية الأمريكية إلى الاسرائيلية فذهبوا بأقدامهم إلى “مغارة الضبع” الاسرائيلي دون أن يحتسبوا مصالح شعوبهم من مخاطر مدعاة كالخطر الايراني الذي تاجرت به الادارة الاميركية كثيرا ومنحت من أجل المتاجرة فيه حروبا في اليمن وفي أكثر من ساحة عربية ، وأقامت إدارة ترامب تحالفا اسرائيليا عربيا بمسمى مواجهة خطر ايران ، وأرادت لهذا التحالف ان ينكر حق الشعب الفلسطيني وان يقاتل معركة اسرائيل ضد هذا الحق ويبدو أن حلفاء اسرائيل ممن يمكن تسميتهم “بالصهيونية العربية” الجديدة لم يبصروا التحولات الجديدة التي فتحت لهم ابواب ليهربوا من المصيدة الاسرائيلية ، ولكنهم أدمنوا البقاء بها وأحبوا خُناقهم واستأمنوا له وراهنوا على دوره، ولم يكتفوا بل واخذوا بموقف اسرائيل في ان ينفذوا ماتريده منهم في مقارعة القيادة الفلسطينية والبحث عن بدائل لها ، فاسرائيل التي باتت تخشى انكشاف اوراقها أمام الادارة الامريكية الجديدة في أنها لا تريد سلاما وانما ضم الأرض وانكار الحقوق واستمرار العبث بالمنطقة أرادت ان يحارب عنها بعض العرب بالوكالة لانفاذ خططها ضد السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وحتى ضد الانتخابات الفلسطينية والجهود الكبيرة التي انجزتها القيادة الفلسطينية لانهاء الانقسام باسلوب ديمقراطي بدأه الرئيس عباس بتوقيع المراسيم المتعلقة بالانتخابات والتي عكست فهما عميقا وموضوعياً من جانب الرئيس للتحديات القادمة، وأراد بذلك ضرب كل التحديات العديدة بحجر الانتخابات الفلسطينية كنموذج في منطقة لا تعرف الانتخابات النزيهة ولم تجربها.. فارسل بذلك رسائل ايجابية للادارة الامريكية الديمقراطية التي تحرص على اجراء الانتخابات كجزء من عقيدتها واهتماماتها وللاتحاد الاوروبي الذي ظل مساندا للسلطة الفلسطينية ودعم موازناتها، ولأطراف عديدة في الاقليم لتأكيد إرادة الشعب الفلسطيني وانهاء اي تبرير لدى اي طرف في عدم دعم الشعب الفلسطيني وقضيته..
الاستجابة الدولية والاقليمية للتوجهات الفلسطينية كانت ايجابية، واقرت اطراف عديدة صلابة الرئيس عباس وصحة خياراته ورؤيته حين صمد ولم يتراجع، وحين امتلك القدرة على الحركة مجددا ليوظف صموده وصواب رؤيته وموقفه من إدارة ترامب وقبوله للرؤية الاولية لادارة بايدن حتى اصبح قادرا على أخذ قرارات هامة تعيد للقضية الفلسطينيه القها وحيويتها..!!
الرئيس ابو مازن بخطواته الجديدة التي دعت الى انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة كسب الموقف الدولي وحتى الفلسطيني الذي ظل ينتظر هذه اللحظة التي تجدد الشرعية الفلسطينية وتعيد انتاجها لتكون اكثر قدرة على التعاطي مع كل المستجدات، وتكون رقما فاعلا وهي تقدم اوراق اعتمادها للمجتمع الدولي..
اما الذين تخلفوا من العرب والذين في نفوسهم مرض والذين قالوا بالسنتهم ما ليس في قلوبهم وظنوا بالقيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني ظن السوء فإنهم انكشفوا وانكشفت مخططاتهم مجددا وهي تستهدف وحدة الشعب الفلسطيني وقيادته وحقوق هذا الشعب فقد أمعن عرب اسرائيل الجدد ممن اعتقدوا بروايتها وانبهروا بصهيونيتها وارادوا الانخراط في عقيدتها، وفي تطبيع معها و لم يعودوا مؤهلين للحديث عن فلسطين وقضيتها ولا عن الانتخابات الفلسطينية، وليس لهم الحق فى أي دور يتعلق بالقضية على الاطلاق.. ومن هنا استثنى اللواء جبريل الرجوب مهندس المصالحة التي اطلقها الرئيس محمود عباس امكانية مشاركة الامارات العربية المتحدة التي لم تتوقف عن انفاذ مخططات ترامب ورؤيته الاسرائيلية في القضية الفلسطينية، حين تواصل محاولات شق القيادة الفلسطينية والتدخل في ورقة الانتخابات وتمويل اطراف تهدم التمثيل الفلسطيني والقرار المستقل وتراهن على ذلك كله بالمال وببعض المنشقين..
الامارات ما زالت تراهن على شراء الموقف المصري والاردني لمواجهة الخطوات الفلسطينية القادمة التي تؤكد على قيادة ابو مازن وعلى وحدة الهدف الفلسطيني بعد البدء في انفاذ المصالحة مع حماس، ولكني اعتقد ان الموقف المصري وحتى الاردني سيستعصى على الشراء ولن تكون قادرة على تغيير المعادلة.. وان الخطوات الاستباقية المصرية -الاردنية مع الفرنسية والالمانية في لقاء القاهرة وايضا لقاء الرئيس عباس والملك عبد الله الثاني مع الرئيس السيسي في عمان، وكذلك اللقاء القادم بين هذه الاطراف في الاسبوع القادم في 8/2/2021 قد يتبلور عن موقف اكثر وضوحا.. مطلوب منه قطع الطريق على الاندفاعه السلبية للتدخل في الشان الفلسطيني وفي الانتخابات الفلسطينية وفي القرار الفلسطيني..
الموقف الاردني لن يكون برسم البيع لادراك الاردن اهمية التمثيل الفلسطيني القائم، واهمية حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها في القدس، و تدرك مصر ايضا ذلك وتؤكد عليه لأن مصالح البلدين مصر والاردن هو في الوصول الى حقوق الشعب الفلسطيني وعدم التدخل في قراره الذي انتزعه الفلسطينيون بعد تضحيات جسيمة والذي تحاول بعض الاطراف المراهنة على الموقف الاسرائيلي العودة الى اختباره..
التقيت بالعديد من الشخصيات الاردنية التي لا تشغل مواقع رسمية الان وإن كانت من قبل في مواقع القرار، وكلها أكدت على قيادة الرئيس محمود عباس وأيدت ترشيحه بعد ان ثبت قدرته على توحيد الصف الفلسطيني حتى قبل اصدار المراسيم للانتخابات، وحين توجه الفلسطينيون للمصالحة والتقوا في تركيا و في اكثر من عاصمة عربية فقد جاءت فصائل العمل الوطني والاسلامي كافة للقاء، واستطاعت توجيهات الرئيس ابو مازن أن تخدم ذلك وتحافظ عليه، وقد قالت لي قيادة فلسطينية كانت في موقع رئيس الوزراء الفلسطيني سابقا ان الرئيس عباس هو الوحيد القادر على جمع الصف الفلسطيني بكل فصائله وقواه والتاثير عليهم، وقد كانت هذه الصفة من قبل للرئيس عرفات وثبت انها ما زالت للرئيس ابو مازن، ولذا لا بد ان يستثمر الفلسطينيون الآن في هذه الخاصية وان ينتظموا خلف قيادة الرئيس عباس الشجاعة التي صمدت في وجه الضغوط الاسرائيلية وقالت “لا” للمخططات الامريكية وقبلت القسمة على كل العواصم العربية وفي الاقليم ورفضت الاستقطاب والمحورية ووضعت اهداف الشعب الفلسطيني على اجندتها ..
ستسقط رؤية بعض الاطراف العربية التي تعمل وفق المقياس الاسرائيلي، لأن الشعب الفلسطيني أعلم وأخبر وأحرص على قضيته من الاموال المدفوعة والرهانات الخاسرة، وهو قادر على التغيير متى شاء وكيفما شاء، واعتقاده بالرئيس ابو مازن و ضرورة تجديد الولاية له نابع من وعيه على حرص الرئيس الذي يعمل على تجسيد الدولة الفلسطينية، وعلى إعادة الوحدة للصف الفلسطيني رغم كل الصعاب..
لقد ادركت حماس ذلك وادركت فصائل اخرى وحتى فتح نفسها التي حسمت خيارها وفي مقدمتها المناضلون الأسرى في سجون الاحتلال وهم الاحرص على تأكيد الشرعية والالتزام بوحده فتح ووحدة الشعب الفلسطيني وما يجري من كلام عن مواقف للمناضل الاسير مروان البرغوثي هو محض افتراء وادعاء ومحاولة من الثعلب الوافد للبيت الفلسطيني ان يلبس ثوب الواعظين…!!
فالذين يطبعون مع إسرائيل مجانا لمصالحهم الضيقة ويرسلون رعاياهم الى مطار بن غوريون ويشترون العقارات المقدسية لصالح الاسرائيليين والذين يقبلون الرواية الإسرائيلية في القضايا الفلسطينية المتعددة ليسوا مؤهلين ان يتحدثوا عن قضية الشعب الفلسطيني ولا حتى ان يقتربوا منها، وكل من يتحالف معهم او يستند لاموالهم سيكون محروقا قبل صناديق الاقتراع وبعدها خاصة اولئك الذين وضعوا ايديهم في ايدي معادي الشرعية الفلسطينية .
ايها الرئيس .. يا أبا مازن امض واثقا في قيادة شعبك.. فقد قدمت له الكثير، والذين حاولوا ذات يوم ان يثنوك ويخيفونك بان لا تذهب الى الأمم المتحدة لتوليد الدولة الفلسطينية التي وضعت لها الأسس وعمقتها وتمضي لتكون قائمة ومستقلة هؤلاء لم يعتبروا مما فعلوا ولم يخجلوا من ادوارهم، وهاهم يعاودون اليوم ليضعوا نفس العصي في دواليب الانتخابات التي تجدد الشرعية الفلسطينية في محاولة منعها او تزويرها او شق الصفوف فيها… انهم ينفذون المخطط الاسرائيلي بالوكالة، وهم يدعون انهم بالتطبيع مع اسرائيل وقبول رواياتها والتماهي في مخططاتها يستطيعون معالجة الحالة الفلسطينية وانقاذها مما هي عليه حسب ادعاءاتهم..
لن يجمع الشعب الفلسطيني على ضلال فهو الاعرف بوضعه وخياراته ومن سيأتي بهم وكلاء اسرائيل للانتخابات سواء محمولين على الضغوط او “مزجوج” بهم في القوائم لن ينجحوا.. لأن فتح وحماس تتوافق الى عدم اهليتهم وعلى تلوث ايديهم بالانقسام البغيض حين كانوا من ابرز أسبابه…. ودوافعه!!
شعبنا في الداخل والذي حافظت عليه وعلى حقوقه في وجه اليمين الاسرائيلي المجرم الذي يمثله نتنياهو.. هم شعبك في الضفة وغزة وشرق القدس وهم معك بأصواتهم، ومنهم ايضا من لا أصوات لهم ممن هم خلف الخط الاخضر لكنهم معك بقلوبهم ، اما الفلسطينيون في المنافي والشتات فهم معك ايضا لامساكك بالثوابت وحق العودة والدولة، ولادراكهم ان الفلسطيني سيكون غدا افضل حالا واكثر قبولا وقدرة على الحركة مما هو عليه اليوم بفضل سياساتك الصابرة والهادئة و المثمرة والبعيدة عن النزق والتطرف والانحياز لهذا المحور او ذلك…
أثبت يا سيادة الرئيس انك قادر على اجراء الانتخابات باسم شعبك ومن أجله رغم انك مقيد بالاحتلال وشعبك ، لكن رهانك كان وما زال على ارادتك وارادة شعبك ولذا فأنت تمضي على طريق الديمقراطية وتمكين الفلسطينيين من ان يختاروا ما يشاءون، ولنا معك في ذلك تجربة حين شكلت حكومة الوحدة الوطنية بعد انتخابك رئيسا للمنظمة والسلطة في أول مرة..
يا سيادة الرئيس غيرك يعادي صناديق الاقتراع ولا يعرف طريق الانتخابات ويكتفي ان يسمع بها، وهؤلاء يخرجون ليزايدوا عليك ويحاولوا منعك.. انهم باختصار يخشون الديمقراطية الفلسطينية التي استثمرت فيها كثيرا لأنها الطريق الموصلة إلى الدولة والى الحقوق ولأنها ورقة اعتماد الشرعية التي تحرص عليها وعلى تجديدها..
يا أبا مازن .. لن نقول لك إذهب أنت وربك!!
12