محطة عبد السلام المجالي..(3)

عروبة الاخباري- كتب سلطان الحطاب   

اما المحطة الثالثة من مشاهداتي مع الدكتور المجالي فقد كانت في الياروت في قريته التي كان يحرص ان يكون فيها كل نهاية اسبوع، وكان قد دعاني عبد الحي المجالي لنرافق الرئيس الى الياروت في يوم العطلة الجمعة، فقد أعد له غداً غذاءً ومعه لزاقيات، ولم اكن اعرف اللزاقيات، فقال ستجربها وهي حلوى من الخبز والسمن والعسل يحبها الامير الحسن ويحرص على تناولها …
توجهنا الى الياروت وتناولنا الغداء وبعد الغداء وكان الجو منعشا فقد كان شهر ايلول وكنا في 25 /9/ 1997 فجلسنا خارج المضافة وتناولنا اللزاقيات بعد الغداء وطلب عبد السلام ان يلعب الورق “الشدة” مع بعض من كان هناك في الياروت من اقاربه، فهو يحب لعب الشدة وانواع بسيطة منها، وقد جلست اقرا في كتاب عنوانه “الخبز الحافي” لكاتب مغربي، وفجأة جاءني تلفون من وزير الاعلام المرحوم سمير مطاوع فرديت عليه، فقال: هل انت مع الرئيس؟ قلت: نعم، قال: نحاول ان نكلمه ولا يرد ارجوك اعطه الهاتف اريد ان اكلمه للضروره كنت اخشى ان اقطع علية انسجامه باللعب ولكن الحاح الدكتور مطاوع وابداء الجدية والخطر دفعني ان اقول هناك امر مهم دولة الرئيس يريد سمير مطاوع ان يكلمك، وقد حاول ان يتصل معك اكثر من مرة فنظر اليه وقال: ” يا فصيح” ماذا يريد سمير ؟ قلت: لا اعرف ولكن هو الان على الخط واعطيته الهاتف فرد على سمير الذي كان مرتبكا وقال ان هناك عملية اغتيال لا نعرف ابعادها وقعت لخالد مشعل احد قيادي حماس فقالالرئيس المجالي: وماذا تريدني ان اعمل؟ فقال سمير: الامر يبدو معقدا فقد وقع اشتباك بين حرس خالد وبين الفاعلين.. حاول الرئيس ان يفهم اكثر وقال سأكلم وزير الداخلية نذير رشيد وسأعرف ماذا حدث..
كنا نزمع ان نبيت تلك الليلة في الياروت وان يستقبل الرئيس في اليوم التالي الجمعة بعض اصدقائه على الغداء، ولكن التلفون لم يهدأ في معلومات متضاربة، كانت عمان قد شهدت الكثير فقد اقدم عملاء للموساد جاءوا من اسرائيل على اغتيال خالد مشعل وتمكنوا من الوصول اليه في افتعال مشاجرة وحقنوه بمادة سامة وحاولوا  الفرار ولكن حارسه القوي اليقظ لم يمكنهم  وقد تجمع المارة عليهم وجرى القاء القبض عليهم في حين نقل خالد مشعل الى المدينة الطبية في وضع الاغماء وكان بين الحياة والموت، وقد علم الملك بالتفاصيل وان هناك عملية اسمها “سايروس” من الموساد استهدفت حياة مشعل وانها جاءت بتوجيه من بنيامين تنتياهو لرئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس في 25/9/1997 في عمان العاصمة..
وكان الاغتيال يستهدف قادة حماس ردا على عمليات وقعت في اسرائيل، وقد رشح الموساد اغتيال خالد مشعل وموسى ابو مرزوق وكان نتنياهو يريد اغتيال ابو مرزوق في الولايات المتحدة وهو يحمل الجنسية الامريكية، ولكن قادة الموساد ارادوا الابتعاد عن حامل جنسيه امريكية فكان مشعل هو الهدف وراقب افراد الموساد تنقل خالد مشعل من المنزل الى المكتب في الصباح، وفي صباح العملية المقررة رافق خالد مشعل اطفاله الى المدرسة وحين وصل مكتبه اقترب العملاء منه ونزل مشعل من سيارته وسار باتجاه المكتب، وفتح ابن خالد باب السيارة وسار باتجاه المكتب، وفتحت ابنته الباب اذ كان مفترض ان تاخذها السيارة الى المدرسة وركضت نحو والدها وهي تصرخ “ابي ابي” فركض سائق السيارة الذي كان من المفترض ان تقودها الى المدرسة واصل العملاء الاقتراب منه وقام احدهم باعداد السم والاخر قام بفتح علبة الشراب الغازي ولم تفتح عليه الشراب وعندها ادار خالد مشعل رأسه نحو ابتته وأصيب بالسم الذي أصاب مؤخرة رقبته بإذنه فأدرك مشعل أن حياته في خطر ،فغادر الى سيارته في حين كان احد مرافقية محمود ابو سيف الذي تواجد في الموقع وبدأ يطارد السيارة التي افلتت وكتب رقم لوحه السيارة فترك العملاء السيارة بعد عدة امتار، وهاجم ابو سيف العناصر فردوا عليه بالحجارة والادوات الحادة واصابوه بجروح، وبدا الشارع الذي يشاهد في مساعدة ابو سيف والاشتباك ..وقام ضابط من الشرطة بالتدخل لفض المشاجرة واقتاد العملاء بعد ان خلصهم من ايدي من كانوا في الشارع وثم استجوب العميلين وجرى الكشف انهم ليسوا كنديين وانما يتبعون عملاء في السفارة في عمان.. وعندما علم نتنياهو بفشل العملية ارسل رئيس الموساد داني ياتوم الى عمان للتحدث مع الملك، وطلب نتنياهو اطلاق سراحهم وكان الملك غاضبا وقد هدد يا توم وابلغه انه اذا مات خالد مشعل فسيعدم عميلي الموساد..
وعندها وقد كان الملك جادا وهدد بانهاء اتفاق السلام فتحرك احد المشاركين في عملية الاغتيال واسمه ميشكا بن ديفيد الذي كان في يده مضاد للسم وكان ما زال في عمان وعلى اتصال بالسفارة الاسرائيلية قال انه يسلم الترياق للاردنيين وهو ما ينقذ حياة مشعل وهذا ما حدث..
فشلت العملية واختلطت اوراق الحكومة الاسرائيلية.. كان الديوان الملكي قد طلب من الدكتور المجالي ان يعود بسرعة وان يقابل الملك في مدينة الحسين، فانطلقت السيارات كنت في سيارة الرئيس الذي قال لسائقه “سق بحذر ولا تسرع”، ولكن الاستعجال كان يفرض على السائق ان يسرع فينتبه له المجالي فيبطئ مرة اخرى وهكذا، لم يتمكن عبد السلام من تغيير ملابسه فقد نزلت في الدوار السابع لاعود الى المنزل بتكسي في حين واصل الدكتور المجالي الى المدينه الطبية وهو ما زال يلبس الثوب والعباية والحذاء الخفيف والحطة والعقال، وقد تزامن وصوله مع وصول الملك الحسين الى المدينة الطبية ودخول غرفة خالد مشعل والتاكد من سلامته..
فشلت العملية وفشل الموساد ولم يتمكن المجرمون من الهروب وتضررت العلاقات الصهيونية الكندية لان الفاعلين يحملون جوازات سفر كندية جرى الكشف عنها وكان الملك الحسين يواصل ضغوطه التي نجحت في اطلاق سراح الشيخ ياسين زعيم حماس من السجون الاسرائيلية وايصاله الى عمان حيث جاء عرفات لاستقباله .. كما جرى الافراج عن 70 اسيرا فلسطينيا واطلق سراح العملاء الصهاينة في الاردن وسمح العملاء الاربعة الباقين بمغادرة السفارة الاسرائيلية…
وصل الرئيس عبد السلام الى المدينه الطبية وتأكد من سلامة خالد مشعل ثم غادر بعد ان ودع الملك لتعقد الوزارة جلستها بعد ذلك وتناقش ما دار، وقد كان صديقي سمير مطاوع غاضبا لانهم اخفوا عنه مجريات الامور ، كما قال لي واكتفوا ان قالوا انها طوشة ولم يعرف التفاصيل الا لاحقا رغم ان وزير الداخلية كان في الصورة ..
هذه محطة اخرى شهدتها وكان الرئيس المجالي قد سرد في اكثر من مناسبة ما جرى.

jm3ea-slam-fead76

شاهد أيضاً

قرار مجلس الأمن وتراكم الضغوط على نتنياهو* د. سنية الحسيني

عروبة الإخباري – مع اصراره على مواصلة حربه المدمرة على غزة، جاء قرار مجلس الأمن …