الذي حدث يوم الخامس من يناير 2021 في مدينة العلا بالمملكة العربية السعودية مسح الذي حدث يوم الخامس من يونية 2017 داخل البيت الخليجي، وما بين الخامس الأول والخامس الثاني ثلاثة أعوام ونصف بالضبط، كانت فرصا ضائعة على المجتمعات الخليجية في كل المجالات، ونأمل جميعا أن يعوضها الله سبحانه لأهل الخليج الطيبين تقدما ومزيد اتحاد واستعادة العافية والقوة!.
وعند قراءتي المتأنية للعبارات الصادقة التي حيت بها المنظمات الدولية والأممية والإقليمية والكتل السياسية والشخصيات ووسائل الإعلام وقنوات الدبلوماسية في القارات الخمس هذه المصالحة بين الأشقاء، يتبين لي أن المصالحة تجاوزت حدود البيت الخليجي، لتقدم للعالم والقوى الفاعلة فيه هدية استعادة الأمن ومزيد السلام وفتح افاق الأمل في المستقبل والمصير المشترك، لأن هذا الإقليم كما هو معروف ليس منطقة جغرافية لها حدودها، بل يعتبرها الكثيرون من النزهاء وأنصار السلام قلبا نابضا بتاريخ الأمة العربية والإسلامية، ومشحونا بأمجادها، وحاملا لهمومها، ومعبرا عن طموحاتها، بالإضافة الى أن الخليج هو المخزون الأكبر للطاقة التي يحتاجها العالم من نفط وغاز.
أكبر سلطة في القانون الدولي والماسك بها الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أشاد بهذا الحدث الجلل، واعتبره منعرجا تاريخيا سوف يؤسس للمستقبل ويتعظ بتجارب الماضي، أما رئيسة الاتحاد الأوروبي فحيت زعماء دول الخليج على ما تحلوا به من الشجاعة والوعي السياسي، حتى جاء موعد رأب الصدع باعتباره أمرا عابرا وسحابة صيف، أتى بعده وعي مبارك لضرورة العودة لما يربط بين الخليجيين منذ الأزل من روح الأخوة والتضامن، ثم يأتي سلام الولايات المتحدة لا من خلال التحية بل من خلال المشاركة الفعلية في إقرار المصالحة والوساطة فيها، شأنها في ذلك نفس شأن دولة الكويت الشقيقة بصاحبي السمو أميريها، طيب الذكر الشيخ صباح رحمة الله عليه، وخلفه الشيخ نواف حفظه الله ورعاه.
أما الأمين العام لمنظمة الوحدة الأفريقية فقد ألمح الى أن الاتحادين الأفريقي والخليجي يشكلان درعين قويين لحماية مصالح الشعوب المنضوية ضمنهما، والتي تتوق للوحدة وتلاحم الصفوف.
ومن جهته أعرب كل من الرئيس بوتين ورئيس جمهورية الصين عن التهاني، يقدمانها لكل قادة الدول المتصالحة، مشيدين بأن هذا العمل العظيم يندرج ضمن جهود الأمم المحبة للسلام، لجمع كلمتها وإبعاد أشباح الصدام والعنف عن منطقة شديدة الحساسية وذات تقاليد محبة للسلام ومعتدلة المواقف بلا شطط أو تطرف أو أي انحياز للكتل المتناحرة عبر التاريخ الحديث.
أما وكالات الأنباء الأجنبية فإنها تعمقت في تحليل الحدث وشرح أبعاده الاستراتيجية من ذلك وكالة (بلومبيرج) التي قال كبير محرريها بأن المصالحة كانت متوقعة، وكانت تطبخ في كل العواصم الخليجية وخاصة في الكويت وفي واشنطن على نار هادئة، ونحن نسجل وعي القادة بأن كل دول العالم وبخاصة الولايات المتحدة من مصلحتها أن تكون الأسرة الخليجية موحدة البرامج والأهداف حتى تخاطب العالم بلسان واحد يزداد قوة وإقناعا وحضورا دوليا.
أما (وكالة رويترز) فقالت في برقيتها يوم السادس من يناير: “ان المشاهد المنعشة القادمة من مدرج الطائرة القطرية عند وصولها الى مطار السعودية دارت الخليج والعالم، وفي كل الفضائيات ووسائل الاتصال الاجتماعي، لتحمل للجماهير الخليجية خاصة بشائر عودة الحرارة بين زعماء الخليج، وعمت الفرحة حين سمع الناس عبارة (يا الله حيه نورت المملكة)، وهي التي جاءت على لسان الأمير محمد بن سلمان استقبل بها ضيفه المبجل الأمير تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر.
وتعاقبت التعليقات الشعبية التلقائية يوم السبت حين فتح المعبر الرئيسي بين السعودية وقطر، فقرأنا اللافتات الملصقة على سيارات الشباب القطري كتب عليها (نورت المملكة) تذكيرا بتحية الأمير محمد بن سلمان للأمير المفدى الشيخ تميم، وتوالت التغريدات السعودية مرحبة بإخوة الجيرة والدم القطريين، فغردت المواطنة السعودية العنود العنزي قائلة: “حللتم أهلا ونزلتم سهلا يا شباب وشيبان قطر البيت بيتكم”.
وهكذا كما نلاحظ فإن المصالحة الكبرى أعادت المياه الى مجاريها والصفاء الى القلوب والسلام الى العقول، ومن أصدق ما قال سعادة الشيخ محمد بن عبد الرحمن وزير خارجية قطر: “المنتصر الأول والأكبر هو مجلس التعاون لدول الخليج”.
كاتب تونسي