لغاية الآن لم نسمع من الحُكومة أي شيء يتعلق بالقضايا والتحديات التي تعصف بالاقتصاد الوطنيّ، فالجميع مشغولون بكورونا، وكأنها هي الوحيدة التي تُلقي بظلالها على المملكة.
الحكومة أشغلتنا منذ يومها الأول بكورونا، وخطابها الموجّه نحو الجائحة فقط، وبين لحظة واختها تشغلنا بتصريحات وبيانات عن الحظر الجزئي تارة والشامل تارة اخرى، ومرّة للساعة الـ 10 وأخرى للـ 11، تارة لـ 21 يوما ومرّة لأسبوعين، ناهيك عن أوصاف الحظر على لسان المسؤولين التي لا تنتهي وكان آخرها الحظر الذكي.
الغريب في موضوع إدارة الحكومة لملف كورونا الذي ورثته جملة وتفصيلاً من الحكومة السابقة أنها تسير بتجربة لا يوجد لها مثيل في العالم، فرغم اعتياد الأردنيين على سماع القول على لسان المسؤولين ان هذا العمل هو نقل عن تجربة في بلد اجنبي ما، إلا أننا في تجربة كورونا لم نسمعهم يتحدثون عن أي تجربة في العالم، مما يعني أننا في الأردن تجربتنا متميزة بمحليتها البحتة مع كُلّ أسف، واصبحنا اليوم ندير الملف الوبائي بالمقلوب، ونمشي بعكس التيار، فما فعلناه في بداية الأزمة خلال شهري آذار(مارس)، ونيسان(ابريل) كان مفروض ان يكون هو ما نقوم به حاليا مع تزايد الحالات وانتشارها مع تزايد أيضاً حالات الوفاة لدرجة اصبحنا من أوائل الدول في العالم كنسبة وتناسب.
إدارة كورونا بغض النظر عن تفاصيلها المزعجة لا يعني ان تتناسى الحكومة الملفات الأخرى خاصة الاقتصادية منها، والتي ترحّل من حكومة لأخرى دون معالجات حقيقية رشيدة تصب في التنمية المستدامة.
لغاية يومنا هذا لم نسمع من الحكومة أي شيء فيما يتعلق بإجراءاتها المستقبلية لمعالجة البطالة التي ستكون الكابوس الحقيقي المقبل على استقرار الاقتصاد الوطنيّ والقنبلة التي ستنفجر في وجه الحكومات في حال عدم التصدي وإيقاف تزايدها الجنوني بعد ان وصلت الآن مُعدّلاتها إلى 23 بالمائة، ومن المؤكد أنها ستتناول هذا الرقم كثيرا خلال الأسابيع القليلة المقبلة، فماذا أعدت الحكومة لهذا الملف؟
الاستثمار ولا نقصد هنا أيّة عمليات لجذب استثمارات أجنبية جديدة، وإنّما التحديات التي تعصف بالمستثمرين المحليين الموجودين حاليا على الواقع، هؤلاء استثمروا ملايين الدولات في استثمارات مختلفة، وهم يعانون اليوم تداعيات الانكماش الاقتصاديّ، وهناك قطاعات قائمة بحاجة لإنقاذ فوري قبل ان تتلاشى وتختفي من المشهد الاقتصادي، والأمر بحاجة لخطة إنقاذ قد لا يكون المال وحده قادرا على هذا الشيء، وإنما قد يحتاج الأمر لسلسلة متكاملة من الإجراءات لتعزيز صمود هذه القطاعات، ومنحها مرونة في التحرك والهيكلة للحفاظ على كينونة استمراريتها، فالأولويّة هي الحفاظ على المستثمر المحلي.
تعزيز الاعتماد على الذات وتنفيذ التوجهات الملكية بذلك، فالتجربة الماضية في بدايات أزمة الكورونا أظهرت مدى الحاجة لتطوير استراتيجيّة وطنيّة لتعزيز الاعتماد على الذات في بعض القطاعات المهمة مثل الصناعات الغذائية والزراعية وغيرها من القطاعات المهمة، وقد أثبتت الأشهر الماضية حس المسؤولية العالي في الصناعات الوطنية والزراعية التي استطاعت تلبية احتياجات المواطنين كاملة من سلع وخدمات كالمعاملات والكثير من الأصناف الغذائية، إضافة الى دورها الكبير في التصدير الذي لم ينقطع، لذلك لا بد من ان يكون هناك شيء ملموس على ارض الواقع في هذا الأمر بدلا من الاعتماد على أسلوب الفزعات.
لا يمكن للحكومة البقاء صامتة على الملفات الاقتصادية الملحة، وإلا سياتي يوم وتجد نفسها محاطة باختلالات عميقة لا يمكن معالجتها أو التصدي لها بسبب التأخر في مواجهتها والاستعداد لها، فالمطلوب ان تستمر الحكومة في إدارة الملف الصحي جنباً إلى جنب مع إدارة الملفات الأخرى وبشكل متوازن وتنسيق عال.
ألا يوجد غير الكورونا / سلامة الدرعاوي
15
المقالة السابقة