بعد مرور أكثر من مئة عام على إعلان بلفور المشؤوم لا زالت حكومة بريطانيا تُصر على استمرارها بهذه الجريمة ضد الإنسانية، وضد الشعب الفلسطيني تحديدا، فمع الذكرى المئة وعامين على صدور هذا الإعلان، دافعت مندوبة بريطانيا الدائمة لدى الأمم المتحدة، السفيرة كارين بيرس، ومعها تريزا مي رئيسة وزراء بريطانيا سابقا عن هذه الخطيئة التاريخية لحكومتها حين قالت “نحن راضون وفخورين عن وعد بلفور، الذي ساعد على تأسيس دولة إسرائيل ووجودها”، والآن ومع حلول الذكرى المئة وثلاثة سنوات على وعد بلفور المشؤوم هل لا زالت بريطانيا تحمل نفس النظرة لهذا الوعد الذي حرم الفلسطينيين من حقهم في تقرير مصيرهم؟ الجواب بالتأكيد نعم، وستبقى على صلفها طاما نحن المتضررون من هذا الإعلان لم نستخدم كل الوسائل القانونية والدبلوماسية المتاحة لثني حكومة بريطانيا عن موقفها الغير أخلاقي والغير قانوني.
لم تكن بريطانيا صاحبة حق في إعطاء الحركة الصهيوينة صكاً لإستملاك فلسطين، فهي أصلا كان وجودها في فلسطين ولمدة عامين عبارة عن احتلال عسكري بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، ومن ثم قوننت هذا الاحتلال من خلال صك الانتداب على فلسطين التاريخية عام 1922، حين أيد مجلس عصبة الأمم المتحدة الانتداب البريطاني على فلسطين والذي جاء في ديباجته “ولما كانت دول الحلفاء قد وافقت على أن تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن تنفيذ التصريح الذي أصدرته في الأصل حكومة صاحب الجلالة البريطانية في اليوم الثاني من شهر تشرين الثاني، قد وافقت أيضاً على أن تكون الدول المنتدبة مسؤولة عن تنفيذ التصريح الذي أصدرته في الأصل حكومة صاحب الجلالة البريطانية في اليوم الثاني من شهر تشرين الثاني سنة 1917، وأقرته الدول المذكورة لصالح إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن يضر بالحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية الموجودة الآن في فلسطين، أو بالحقوق أو الوضع السياسي مما يتمتع به اليهود في أية بلاد أخرى”.
ونرى كيف أن عصبة الأمم المتحدة تواطأت أيضا في سلب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني حين وضعت نص إعلان بلفور في ديباجة صك الانتداب، وزادت على ذلك أن أكدت المادة الثانية منه على “تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي….”. كما ثبتت المادة الرابعة منه الوجود الصهيوني وعملت على قوننته ومأسسته حيث جاء في هذه المادة التالي: يعترف بوكالة يهودية ملائمة كهيئة عمومية لإسداء المشورة إلى إدارة فلسطين، والتعاون معها في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك من الأمور التي قد تؤثر في إنشاء الوطن القومي اليهودي، ومصالح السكان اليهود في فلسطين؛ ولتساعد وتشارك في ترقية البلاد على أن يكون ذلك خاضعاً دوماً لمراقبة الإدارة. يعترف بالجمعية الصهيونية كوكالة ملائمة ما دامت الدولة المنتدبة ترى أن تأليفها ودستورها يجعلانها صالحة ولائقة لهذا الغرض، ويترتب على الجمعية الصهيونية، أن تتخذ ما يلزم من التدابير بعد استشارة حكومة صاحب الجلالة البريطانية؛ للحصول على معونة جمع اليهود الذين يبغون المساعدة في إنشاء الوطن اليهودي”. وأعطت المادة السابعة من ذات الصك المهاجرين اليهود حق الحصول على الجنسية الفلسطينية حيث نصت على الآتي: “تتولى إدارة فلسطين مسؤولية سن قانون للجنسية، ويجب أن يشتمل ذلك القانون على نصوص تسهل اكتساب الجنسية الفلسطينية لليهود الذين يتخذون فلسطين مقاماً دائماً لهم”.
ما هو ليس بحاجة إلى دلالة أن حكومة بريطانيا هي صاحبة المسؤولية الأولى عن الجرائم المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، وهي في أحسن أحوالها، إن لم تكن متعاونة من الحركة الصهيونية فهي من المؤكد أنها كانت أداة طيعة في يد الحركة الصهيونية لتمرير خطتها في احتلال فلسطين، فلا أحد يستطيع الإنكار بأن حكومة الانتداب البريطاني ساعد وبشكل علني في تثبيت أقدام الحركة الصهيونية على أرض فلسطين وهي التي غضت الطرف لا بل شجعت الهجرات الصهيونية إلى أرض فلسطين، وهي التي سكتت على تهريب العتاد العسكري لصالح العصابات الصهيونية وفي أحوال كثيرة ساعدت على تجهيز وتدريب هذه العصابات وسكتت وشاركت في مذابح قاموا بها بحق الفلسطينيين.
هذا الإعلان الذي جاء في (67) كلمة انتهكت حقوق الشعب الفلسطيني، وحرمته من حقوقه السياسية، ومن حقه في تقرير مصيره، كباقي شعوب الأرض، وتعاملت مع غير اليهود على أنهم مجرد أقليات بدون حقوق سياسية، وبدون ذكرهم كفلسطينين من سكان بلادهم الأصليين لا بد أن يتم محاكمة الدولة المسؤولة عنه، لذلك فقد قام التجمع الوطني للمستقلين وبالشراكة مع المؤسسة الدولية لمتابعة حقوق الشعب الفلسطيني بإطلاق مبادرة وهي جزء من برنامج متكامل يهدف لمتابعة حقوق شعبنا الفلسطيني أمام القضاء الوطني والدولي لمحاكمة كل من انتهك وينتهك حقوق الشعب الفلسطيني، وهذه المبادرة تأتي كإحدى مخرجات مؤتمر الاستراتيجية الوطنية لمواجهة صفقة القرن وسياسات الاحتلال الذي نظمه التجمع الوطني للمستقلين بالشراكة مع وزارة العدل الفلسطينية وجامعة القدس، وكلنا ايمان بأننا سننتصر وسنأخذ حكما ضد حكومة بريطانيا التي نعتبرها العدو الاول للشعب الفلسطيني، وهي أساس كل نكباته، وأن الجلسة الاولى للدعوى القضائية التي تم رفعها ضد حكومة بريطانيا ستكون في السادس عشر من الشهر الحالي أمام محكمة بداية نابلس.
نحن نؤمن بعدالة قضيتنا وبحق شعبنا في تقرير مصيره عبر كل الوسائل المشروعة له في القانون الدولي، بما فيها القتال على الجبهة القانونية كمكمل أساسي للنضال الوطني الفلسطيني وصولا إلى حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وكاملة السيادة بعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها بسبب حكومة بريطانيا.