اكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الخامسة والسبعون وفي كلمته في الذكرى 75 لتأسيس الأمم المتحدة وفي قراءة تحليلية للموقف الفلسطينى الذي عبر عنه الرئيس ابو مازن نخلص الى عدد من المبادئ والثوابت والرسائل المباشرة وغير المباشرة ومنها :
أولا : التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في الحرية والكرامة الإنسانية أسوة بباقي شعوب الأرض ، هذا التأكيد يحمل في طياته لوما وعتبا بل غضبا على المجتمع الدولي الذي تخلى عن دوره في متابعة تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية وإمتناعه عن اتخاذ إجراءات حازمة ورادعة بحق الكيان الصهيوني الاستعماري إنتصارا لحقوق الشعب الفلسطيني الاصيلة والمكفولة دوليا وعلى راسها حقه بتقرير المصير والتحرر من نير إستعمار صهيوني إحلالي عنصري لم يشهد مثله التاريخ الحديث عملا بقرار الجمعية العامة بتصفية الإستعمار .
ثانيا : التأكيد على أن الشعب الفلسطيني لن يركع ولن يستسلم أمام الضغوط الترامبية النتنياهوية ولن يتنازل عن أي من حقوقه الأساسية مهما بلغ حجم وقوة المتآمرين ومهما بلغت التضحيات ومستمر في نضاله وثورته حتى دحر الإحتلال الصهيوني الإرهابي .
ثالثا : التأكيد على إستقلالية القرار الفلسطيني الذي تجسده منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني والتي لم ولن تفوض أحدا بالحديث نيابة عنها على الصعيدين الإقليمي و الدولي فالمنظمة بقيادتها ومؤسساتها الممثل الأمين والوحيد على حقوق الشعب الفلسطيني وتمثل ضميره الحي .
رابعا : أعاد إلى الذاكرة التاريخية بأن المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الاولى قد إنساق وراء دول إستعمارية أطلقت وعد بلفور عام 1917 وصولا إلى إصدار قرار ظالم بتقسيم فلسطين الذي أبقى ” بموجب قرار الجمعية العامة رقم 181 الصادر في شهر تشرين ثاني عام 1947 ” للشعب الفلسطيني صاحب الحق وصاحب الأرض والوطن 45 % من مساحة وطنه التاريخي لإقامة دولته العربية الفلسطينية ” التي لم تدعم القوى الكبرى إقامتها كتنفيذ للشطر الثاني من قرار التقسيم ” في سابقة لم يسجلها التاريخ ، وبالرغم من ذلك وبحكم موازين القوى العسكرية فإن سلطات الإحتلال الإسرائيلي مدعومة من الرئيس ترامب ضربت عرض الحائط بكافة مبادئ الأمم المتحدة وقراراتها وتعمل جاهدة على إستبدال المرجعية الدولية التي تمثلها الأمم المتحدة بمرجعية عدوانية يسعى الثنائي نتنياهو ترامب لفرضها على ارض الواقع والمعروفة بصفقة القرن بل مؤامرة القرن في إنتهاك صارخ لمبادئ الأمم المتحدة وللشرعة الدولية وفي غياب لإرادة دولية متنفذة لفرض هيبة القانون الدولي .
خامسا : تنصل الكيان الصهيوني من إلتزاماته المترتبة عليه كعضو في الأمم المتحدة توجب إحترام فلسفتها ومقاصدها واهدافها وتنفيذ قراراتها المتعلقة بعدوانه وحروبه الاستعمارية التوسعية كما تنصل من إلتزاماته المترتبة عليه وفقا للاتفاقاقيات الثنائية المبرمة مع م ت ف كاتفاق المرحلة الإنتقالية ” اوسلو ” الذي تضمن برنامج عمل وفق جدول زمني ينتهي في ايار 1999 بإنهاء الإحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عدوان حزيران عام 1967 وحل قضية اللاجئين وفق القرار 194 ، وهذا يعني ببساطة أن كيانه المصطنع الإستعماري غير معني بتحقيق السلام ووقف مخططاته التوسعية وما إذعان قادة الإمارات والبحرين لضغوط ترامب للإعتراف بالكيان الصهيوني الإستعماري على حساب حقوق الشعب الفلسطيني الاساسية في أرضه إلا تعبير عن تلك الأهداف التوسعية بالهيمنة التدريجية على اقطار الوطن العربي الكبير .
سادسا : التأكيد على أن الحد الأدنى للسلام الدائم والشامل والعادل يتمثل في إقامة دولة فلسطين بعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 وحل قضايا الوضع النهائي وتنفيذ قرار 194 الذي يكفل ويضمن حق العودة للاجئين الفلسطينيين الى مدنهم وقراهم .
سابعا : أن الديمقراطية وحقوق الإنسان قوام الدولة الفلسطينية ومنهجها سواء بواقعها الحالي تحت الإحتلال وباستراتيجيتها بعد التحرير والإستقلال ، وفي هذا ايضا رسالة إلى المجتمع الدولي بضرورة إتخاذ كل ما يلزم للضغط على الإدارة الأمريكية ورئيسها ترامب للكف عن التعامل بازدواجية مع القانون الدولي وتوظيف حقوق الإنسان لأهدافه السياسية والشخصية ودعم مجرم الحرب نتنياهو ومعسكره في جرائمه بحق الشعب الفلسطيني والتي تصنف كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية أو ترقى لذلك .
معان الخطاب :
حمل خطاب الرئيس الفلسطيني أمام الجمعية العامة وفي كلمته بمناسبة مرور 75 عاما على تأسيسها معان عدة منها :
● أن صبر الشعب الفلسطيني على إستمرار الإحتلال الإسرائيلي العنصري وجرائمه وإنتهاك حقوقه لن يطول وسينتفض بمواجهة ومقاومة المستعمر بكافة الوسائل المكفولة دوليا .
● أن إستمرار الإحتلال الصهيوني الإستعماري ورفض إنهاء إحتلاله تهديد حقيقي للسلم والأمن الإقليمي بل قد يمتد إلى تهديد الأمن والسلم الدوليين وتهديد للنظام العالمي الذي تمثل الامم المتحدة عنوانه نتيجة للإنحياز الاعمى لترامب وإدارته لسياسة مجرم الحرب نتنياهو ومعسكره التي تشكل عدوانا على الشرعة الدولية وعلى الدول المؤمنة بالعدالة والحرية وحقوق الإنسان .
● الإيمان بالتعددية وسيادة القانون كسمة للدولة الفلسطينية الحرة والمستقلة والتي سيتم العمل دون كلل حتى إنتزاع حق الشعب الفلسطيني باكتساب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة والتي يمثل الفيتو الأمريكي الترامبي العائق الوحيد أمامها .
الرسائل :
تضمن خطاب الرئيس محمود عباس رسائل عدة :
■ أن القيادة الفلسطينية مدعومة من مكونات الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وخارجها لم ولن ترضخ لضغوط ترامب وادواته البغيضة ولن تحيد او تتنازل عن الحد الأدنى من الثوابت الوطنية المعلنة وفق القرارات الدولية ومبادئ الامم المتحدة ممثلة بحق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948 مسلحة بالقانون الدولي وبالجبهة الدولية العريضة للدول والشعوب الحرة .
■ لم يعد مقبولا السكوت عن سلب الحركة الصهيونية العنصرية لارض وحقوق الشعب الفلسطيني على مدار 72 عاما والمكفولة في ميثاق الأمم المتحدة وبالاعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف بانتظار أن تقوم الأمم المتحدة الاضطلاع بمهامها بإتمام مسؤوليتها الكاملة في تحقيق التسوية السلمية لقضية فلسطين وفق الشرعية الدولية والعمل على إنهاء خروقات سلطات الإحتلال للقانون الدولي ومحاسبتها على جرائمها وإنتهاكاتها .
أما أهم الرسائل التي تستدعي من أمين عام الأمم المتحدة ايلائها أهمية وأولوية فهي تتمثل في دعوة الرئيس أبو مازن الأمين العام المبادرة إلى الدعوة لعقد مؤتمر دولي في بداية العام القادم متمتع بصلاحيات كاملة لإنهاء الإحتلال الصهيوني وتمكين الشعب الفلسطيني من اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 ووفقا للقرارات الدولية ذات الصلة. ….
هذا الموقف الفلسطيني يتفق كليا مع فلسفة الأمم المتحدة وما الدعم الدولي الذي عبر عنه قادة العالم في كلماتهم أمام الجمعية العامة بدعمهم لحق الشعب الفلسطيني بالتحرر وإقامة دولته وفق القرارات الدولية ذات العلاقة وهنا لا يسعني إلا أن أثمن البيان الختامي لاجتماع عمان الرباعي بحضور ممثل عن الإتحاد الأوروبي و أخص بالذكر موقف جلالة الملك عبدالله الثاني الإستراتيجي الداعم لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة العربية الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية كأساس وضمان وحيد لتحقيق السلام في رسالة واضحة معبرة عن الإستراتيجية الفلسطينية الأردنية المتوافق عليها. ..