نبحث عن طوق نجاة هذه الأيام، للتعامل مع الملف الاقتصادي، وكل الحلول تقليدية، فيما الفرصة الأكثر أهمية، تبدو غائبة، ولا نسمع عن خطة بشأنها.
أموال الأردنيين في الخارج المستثمرة في الولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، وقبرص، وجورجيا، وتركيا، ومصر، ودول عربية، تقدر بمبالغ كبيرة جدا، وأقل التقديرات تتحدث عن عشرة مليارات دولار، فيما حمدي الطباع رئيس جمعية رجال الأعمال الأردنيين تحدث سابقا عن سبعة عشر مليار دولار، استثمارات لأردنيين موزعة في سبعين بلدا في العالم.
لا يحق لواحد فينا، توجيه اللوم والحسد، لهؤلاء، أو اعتبارهم خارجين عن المِلّة الوطنية، كونهم يستثمرون أموالهم خارج الأردن، والسبب بسيط، فهذا مالُهم وتعبُهم، والمستثمر يريد أن يربح، ويريد بيئة آمنة، لا تهدده كل يومين بقوانين جديدة، ويريد حماية من الابتزاز وطلبات الرشوة، أو عرقلة معاملاته من أجل الحصول على منافع، أو بسبب عبقرية من يمنحون التراخيص، ويريد ميزات مقابل إقامة استثماره، وأن تكون هناك قدرة سريعة على التقاضي في حال اضطر لذلك، ويريد أيضا، حماية لسمعته، بدلا من حالة الاتهام المعتادة لكل مستثمر، بكونه جاء ليسرق البلد، وغير ذلك من قصص.
أغلب هؤلاء كانوا هنا، وخرجوا بأموالهم عبر السنوات الماضية، بشكل تدريجي، وبعضهم كان ثريا في الأساس في الأردن وبنى ثروته خارج الأردن، ويستثمر أغلبهم اليوم في العقارات، والأسهم، والصناعات، والسياحة، وما هو أهم هنا، أنهم بالإضافة إلى أموالهم، هناك خبراتهم المختلفة تماما عمّن يجلسون هنا، ويوزعون الأفكار الريادية يمينا ويسارا، فقد اكتسبوا خبرة كبيرة جدا في مجال الاستثمار، وما هو قابل للربح وما هو مهدد من حيث المبدأ.
لا يتم التواصل مع هؤلاء، وإذا تم يكون ذلك عبر مجاملات البعثات الدبلوماسية الأردنية، أو عبر مؤتمرات المغتربين التي أقيمت سابقا، ولم تنجح، كون من نظموها اختاروا من يحبون، أو من يعرفون، وتعاموا عمّن لا يعرفون، أو لا يحبون، وهذا يعني أن هناك خريطة كبيرة من المستثمرين الأردنيين في الخارج، لا نعرف عنها شيئا، ماذا يفعلون، وأين يعيشون، وفي أي المجالات يعملون، واللجوء إلى المعرّفين، أو بعض هيئات الأعمال الأردنية في الخارج، أمر مهم، لكنه غير كاف، من حيث القدرة على استقطاب هؤلاء، واستعادتهم إلى الأردن.
علينا أن نغير طريقة التعامل معهم، فالمستثمر يريد أرضا لإقامة مصنعه، ويريد إعفاء من الضرائب على الأقل في السنوات الأولى، ويريد آليات سريعة جدا لتسجيل مشروعه وإقامته بدلا من الروتين الغبي، ويريد حماية من الأطماع، ويريد أيضا مشروعا يعود عليه بالنفع، ولا يتجبر به أحد، أو يهدده أحد، أو يستغله بطريقة أخرى، وقد تسمع عشرات القصص لمستثمرين أردنيين كانوا هنا، فتركوا البلد، فلم يمنعهم أحد بالحسنى، ولا سألهم أحد، لماذا يغادرون بلدهم، في الأساس.
منذ عقدين ونحن نتحدث عن الاستثمار، وندعو إلى تغييرات قانونية، وإلى عقد ورش عمل، لكن الواضح أن هناك حلقة مفقودة، ولا بد أن يقال اليوم، إن الفرصة المتاحة لا تتكرر، لأن دولا كثيرة في العالم، مهددة اقتصاديا، وهناك تراجعات، وعلى الأغلب يريد رجال أعمال كثيرون البحث الآن عن بيئة آمنة جديدة لنقل استثماراتهم لها، وهذه فرصة الأردن، الخالي من كورونا إلى حد كبير، من أجل إطلاق حزمة تسهيلات للمستثمرين الأردنيين العائدين من الخارج، ولديهم القدرة أيضا على جلب شراكات عربية وأجنبية، وما هو أكثر أهمية خبرتهم في ابتكار مشاريع من نوع جديد، فيما المستفيد نحن، عبر تشغيل الأردنيين، أولا وأخيرا.
بدلا من سياسات القروض وطلب المنح والمساعدات على أبواب المؤسسات الدولية، وتوسل المستثمرين العرب والأجانب في العالم، علينا أن نحاول تغيير البيئة الاستثمارية، وبوقت سريع، لأن المناخ الحالي، مناخ انتقال للاستثمارات، في ظل تقييم كل مستثمر لوضعه، واستثماره، وعلى الأغلب سنجد كثرة، تبحث عن مكان جديد، وهذا يعني أن الحكومة مطالبة بالجرأة قليلا، وأن تعلن عن حزمة مختلفة للمستثمرين الأردنيين، على كل الأصعدة، من تقديم الأرض، مرورا بكلفة الوقود، والتراخيص، وصولا إلى الضرائب، وتوفير الحماية.
ملف البطالة المقبل على الطريق، خطير، ولا حل له، إلا عبر الاستثمار، وإنعاش القطاع الخاص، وتحديدا على صعيد مليارات الأردنيين في الخارج.
طوق النجاة الذي لا يراه أحد / ماهر أبو طير
13