عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
المتابع لكلمة الرئيس أبو مازن أمام مجلس الوزراء لتقييم الأداء الحكومي الفلسطيني في مواجهة وباء الكورونا والتحديات الأخرى الماثلة التي يسببها الاحتلال الاسرائيلي يتحقق من نتيجة مفادها ان الرئيس يفكر ويعمل بشكل مؤسسي، فهو يعيد الفضل لأصحابه ويثني بشكل مباشر على حكومة الدكتور محمد اشتيه، و يشير اليه مباشرة بما يستحق من تقدير، ويؤكد انه ينيط لقيادته كل النشاطات والمرافق والمؤسسات الصحية والأمنية والتنظيمية، بمعنى ان الرئيس يعطي الولاية لرئيس الوزراء كاملة باعتباره رئيس الحكومة الذي لا ينازعه في صلاحياته احد، وهو بذلك يخفض من بعض الاصوات التي ظلت تتعالى في أحيان كثيرة في محاولة لتجاوز ولاية الدكتور اشتيه ومجلس الوزراء..
اعتقد ان هذا التوجه الذي جاء ضمن سياق مختلف ولم يكن مقصودا لذاته، وإنما أجرى الرئيس تأكيده بصورة ذكية ولافتة حين اعتبر ان الجهد الكبير الذي تؤديه الحكومة في مواجهة الكورونا، يؤهلها ان تكون صاحب ولاية تنسحب على كل النشاطات العامة الاخرى كما مهما تباينت، فلا شيء فوق الولاية الحكومية التي يشرف عليها الرئيس في نظام رئاسي يعين فيه رئيس الوزراء..
الرئيس ابو مازن كما بدا لي، حسم في هذه العبارة التي ذكرها مسائل كثيرة، إذ لم يعد مقبولا استمرار مراكز قوى او نفوذ تواصل شد الحبل او مضايقة رئيس الوزراء باسم الصلاحيات السابقة او الحقوق المكتسبة..
لم يأت كلام ابو مازن من فراغ، ولم يرمي به صدفة، بل جاء وهو يرى ان الله لا ينظر الى الصف الاعوج، وان سياسة الاستقطاب والتحشيد والاستقواء على دور الحكومة ورئيسها إنما يضعف الجميع وينال من القدرات العامة والأداء الموحد..
ولم يتوقف الرئيس عند الأبعاد التي قصدها مضمونا بل سمى أبعاد عديدة كعناوين حين أكد أن الولاية تنسحب على كل أبناء الشعب في المؤسسات كافة كالبلديات والمحافظين وهي حلقات تتبع رئيس الحكومة، الذي جاء ذكره والثناء عليه في معركة مواجهة جائحة الكورونا التي هجمت على شعب تحت الاحتلال، وما يعنيه ذلك من قلة موارد وقيود، ولذا جاء سؤال الرئيس ابو مازن الاستنكاري.. هل نواجه أم نخسر شعبنا؟! والنتيجة هي ما أكده الرئيس دائما ان هذا الشعب الابي لا بد ان ندافع عنه، وهو يستحق الجهود الجبارة التي بذلت، وهو قادر دائما بحكم تجربته المختزنة وصموده وصبره وكفاحه في وجه اعتى احتلال ان يتحمل الاجراءات القاسية في مواجهة الوباء، والتي هي ثمن يدفعه الشعب الفلسطيني ليبقى سليما محمياً..
فلسطين تحت الاحتلال وفي مواجهة جائحة الكورونا، وهي تحت اجراءات قاسية لذلك، فيها شد احزمة وعوز وحاجات والشعب الفلسطيني الذي تعود الاعتماد على نفسه وقدم اساليب كفاح شهد له بها العالم، لا يشكو ولا ينتظر والآخرين ان يمنّوا عليه، بل إنه الآن في المقدمة من دول العالم في مكافحة الوباء، وفي إدارة مواجهته وهذا ما استدعى شهادة الرئيس ابو مازن لحكومته..
فالحكومة تعمل كل ما تستطيع لإنقاذ ارواح ابناء شعبها وليس لديها الا اقتصاد مكدود ومحاصر من عدو عنصري لئيم،لا يؤمن بالإنسانية ولا يأخذ بأي من صفاتها حين يمعن في اجراءات احتلاله ويتسرب من خلال الوباء كالخفافيش يدعو الى سياسات الضم والالحاق والتهويد والاسرلة والاستيطان، وتزداد عنصريته في التعامل مع العمال الفلسطينيين الذين يتعرضون للإصابة بالوباء، حيث يقذف بالكثير منهم عبر الحدود والحواجز بعد ان يتسبب في اصابتهم ، وقد احترف من خلال اجراءاته ومستوطنيه في نقل العدوى الى الفلسطينيين الذين نجحوا افضل من الاسرائيليين في كبح جماح المرض واحتوائه..
الرئيس ابو مازن وهو يتحدث للحكومة بوعي وتشخيص دقيق، لفت الانتباه لها ان عليها ان تعمل على صعيدين، الاول وله الأولوية في الاهتمام بحياة المواطنين الفلسطينيين ووقايتهم مهما كانت الاساليب صارمة وقاسية، وفي نفس الوقت ان توزع الجهود ايضا خدمة في ادامة النشاط العام الاقتصادي والاجتماعي من أجل إدامه عجلة الحياة والصمود، ولذا فإن العمل لا بد أن يسير على محورين حماية الانسان و إحياء الاقتصاد ودعمه ،وفي هذا المجال كان تأييد الرئيس لموقف الحكومة من تخفيف بعض الاجراءات في بعض المحافظات ان لزم الامر، واقتضى أن الوباء فيها قد حصر وتراجع وتوقف، وهو يدرك ان القصة لم تنته وربما تأخذ وقتا اطول، وهذا ما يقتضي استمرار اليقظة والعمل..
الرئيس ابو مازن الذي رفض صفقة القرن بشجاعة، ومازال يرفضها حتى في ظل هذه الاوقات الصعبة، عاد ليؤكد على موقفه وموقف شعبه من نزوات الاحتلال و سياسات الحكومة الاسرائيلية التي تهدد بالضم للارض الفلسطينية منبها بشكل مباشر و واضح: ” فإن عدتم عدنا”، اي إن قامت اسرائيل بذلك وبلغ ذلك الرئيس فإن الاجراءات التي سيتخذها جاهزة وستكون رد فعل مناسب يحمي الشعب الفلسطيني و حقوقه الوطنية..
مازال الرئيس يتحدث لغة المقاومة الشعبية، ولغة الصمود،ولغة الثبات بحروف واضحة لا اضغام فيها ولا تورية، لان الاحتلال هو الاحتلال، والوباء المخيم على العالم لا يخيف شعبنا بل يدفعه الى مزيد من الصمود والتضحية والمقاومة على جبهتين، الاحتلال ومواجهة جائحة الكورونا، وفي هذا السياق سياق اللغة المقاومة، حيّا الرئيس ابو مازن الاسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال في يومهم “يوم الاسير الفلسطيني” ووعدهم من خلال صمودهم بالنصر و زوال الاحتلال، وقال ان هامات شعبكم مرفوعة بصبركم وصمودكم وايمانكم بعدالة قضيتنا.. وان قضية الأسرى ستبقى القضية الاولى على سلم اولوياتنا رغم كل الصعاب التي نواجهها للحفاظ على حقوق شعبنا العادلة غير قابلة للمساومة او التفريط..
وجدد تأكيد العهد الذي قطعة لهم على نفسه بالقول: “نجدد العهد بأننا لن نوقع على اي اتفاق سلام نهائي بدون تبييض السجون الاسرائيلية من معتقلينا الابطال الذين هم مقاتلو الحرية، مؤكدا انه سيستمر في تقديم كل ما يلزم لتوفير حياة كريمة لهم”.