عروبة الإخباري – بحسب مقال للكاتبة روس دوثات منشور في صحيفة نيويورك تايمز البريطانية، فإن الأيام الأخيرة شهدت تداول تقارير عن واحدة من أهم الحقائق الجيوسياسية في القرن الحادي والعشرين، وهي أن القوة الصاعدة الكبرى في العالم، جمهورية الصين الشعبية، تتجه نحو أزمة سكانية.
ووفقاً لتقرير من المكتب الوطني للإحصاء، المنشور يوم الجمعة الماضي، وتناولته صحيفة ذا جارديان البريطانية، فإن الصين شهدت ميلاد 14.6 مليون طفل جديد خلال 2019، وهو انخفاض بمقدار نصف مليون مولود مقارنة بعام 2018، وذلك استمرارا لانخفاض عدد المواليد للعام الثالث على التوالي؛ حيث كان ذلك أقل عدد خلال سبعة عقود، باستثناء عام 1961، العام الأخير في المجاعة التي خلفت عشرات الملايين من الوفيات.
ومثل الولايات المتحدة ومعظم الدول المتقدمة، فإن الصين ذات معدل مواليد أقل بكثير من مستوى الإحلال، على عكس معظم البلدان المتقدمة.
وبعد سنوات من النمو، لا يزال نصيب الفرد من الصينيين من إجمالي الناتج المحلي، حوالي ثلث أو ربع حجم البلدان المجاورة مثل كوريا الجنوبية واليابان. ومع ذلك، فإن معدل المواليد قد تلاقى مع العالم الغني بسرعة أكبر وبالكامل والذي له تداعيات مترابطة وقاتمة.
إذ سيتعين على الصين أولا أن تدفع مقابل رعاية عدد كبير من المسنين دون الموارد المتاحة للمجتمعات الأكثر ثراءً التي تواجه نفس التحدي. وثانياً، سوف تتضاءل آفاق النمو في الصين في المستقبل مع كل عام من المواليد دون الاستبدال، لأن انخفاض الخصوبة يتسبب في فقدان المجتمع للشباب، مما يقلل الدعم الاقتصادي للوالدين المحتملين، ويخفض أعداد المواليد ويقلل من معدل النمو.
وتظهر التقارير الخاصة بالمواليد في الصين أن هذا الفخ ثقافي، يعبر عنه اقتباس من امرأة صينية شابة تتحدث عن جيلها الذي يتبنى فكرة تربية طفل واحد: “نحن جميعنا أطفال فقط، وأن نكون صادقين، أنانيين قليلاً… كيف يمكنني تربية طفل عندما لا زلت طفلاً بنفسي؟”.
هذا هو التفسير الخاطئ لمشكلة حقيقية تتمثل في إنجاب أطفال، وهو حتماً أحد الأمور الصعبة التي يقوم بها البشر. ويشعر المواطن الصيني بأنه لا يزال يجد صعوبة في مجتمع يكون فيه الأطفال غير مرئيين، فالأشقاء غائبين، والأسر الكبيرة نادرة؛ حيث لا توجد نماذج جاهزة أو أشكال من التضامن مع أولئك الذين يفكرون في الأبوة والأمومة.
وسط كل ذلك، ما تعانيه الصين هو جزء من الانحلال السكاني المشترك في العالم المتقدم، والذي يوشك أن يسيطر على البلدان النامية أيضًا. وكما يكتب ليمان ستون في أحدث تقرير وطني، فإن الجنس البشري يواجه على نحو متزايد “أزمة خصوبة عالمية”، فالأزمة ليست أوروبية أو أمريكية أو يابانية. إنها أزمة تهدد بتباطؤ النمو في أفضل الأحوال. واستشهد ستون ببحث حديث أعده تشارلز جونز الاقتصادي في ستانفورد، وقال إن هذه الأزمة تخاطر بـ”نتيجة نهائية وهي كوكب فارغ؛ حيث تكون المعرفة ومستويات المعيشة راكدة بالنسبة للسكان الذين سيختفون تدريجياً”.
ورغم أن الأزمة عالمية فإن الحالة الصينية مميزة أيضًا، لأن خيارات السياسة القاسية جعلت مشاكلها الديموغرافية أسوأ.
وانتشار سياسة الطفل الواحد غربيا كان مرتبطا بمشروع طغى عليه التكنوقراط الغربيون بتمويل من المؤسسات الغربية، ومؤيد من قبل المثقفين الغربيين المؤيدين لبرنامج نزع فتيل “القنبلة السكانية”، لكن القنبلة الآن تحولت إلى نوع آخر.