كان لنا مثل سائر الشعوب تجارب سابقة مع مرض إنفلونزا الخنازير والطيور عندما ظهرت في عديد من الدول،لا بل كنا طرفا فاعلا في حالة الهلع التي سادت العالم بعد انتشار مرض جنون البقر قبل عقدين من الزمن.
لكن ذاكرتنا وخبرتنا مع الإنفلونزا تحديدا لم تسعفنا في ضبط ردود أفعالنا هذا الشتاء، بعد تسجيل مئات الاصابات في أوساط المواطنين، فسادت حالة من الهلع والقلق،وتوافد المئات من المواطنين على أقسام الطوارئ في المستشفيات لمجرد الشعور بأعراض نزلة البرد، بينما في وقت سابق كان معظمنا يكتفي بالعلاج الطبيعي في المنزل أو بمراجعة الصيدلية للحصول على أدوية متعارف عليها للتعامل مع أعراض الانفلونزا.
إشاعة على مواقع التواصل الاجتماعي عن وفيات وإصابات بالجملة، خلقت إرباكا شديدا في أوساط المواطنين،ورغم تأكيدات وزارة الصحة بأن الحالات المسجلة لا تتعدى المعدلات الطبيعية،وبأن الوفيات مرتبطة بحالات مرضية مزمنة وخطيرة،إلا أن ذلك لم يخفف من حدة القلق.
وقد يكون للتغطية الإعلامية المفرطة دور في زيادة منسوب القلق.فحرص المسؤولين في القطاع الصحي على إعطاء تصريحات يومية متوالية، وأحيانا اكثر من تصريح في اليوم الواحد،إلى جانب الإحصائيات مستمرة لعدد الإصابات المسجلة، خلق حالة من الاستنفار العام.
في كل موسم تسجل آلاف الاصابات بمرض الإنفلونزا،لكن لم يسبق لوزارة الصحة أن أصدرت إحصائية يومية أو حتى شهرية بعدد الإصابات.
القصد أن النوايا الحسنة من وراء سلوك وزارة الصحة وحرصها الأكيد على التعامل بشفافية وطمأنة المواطنين بدأ يأتي بنتائج عكسية.
عدد الوفيات على سبيل المثال بلغ سبعة، لكن الإعلان اليومي عن ارتفاع العدد، ترك الانطباع بأنها تجاوزت السبعين. ثمة أمراض وحوادث تقتل يوميا اكثر من هذا العدد، ولا نكاد نبالي كمواطنين بإحصائيات وفيات حوادث السير مثلا أو الوفيات جراء حوادث حريق المنازل التي تلتهم أطفالا صغارا في معظم الأحيان.
في دول العالم الأكثر تقدما منا، تقتل الإنفلونزا سنويا أعدادا كبيرة تعد بالآلاف، خاصة في أوساط المسنيين والمصابين بأمراض نقص المناعة،لكننا بالرغم من ذلك لا نشهد هذا القدر من التغطية الإعلامية الجارفة ولا الهلع في صفوف الناس.
أول من أمس أصدر وزير الصحة توجيهاته لمديري الصحة في المحافظات بإصدار بيانات يومية حول عدد الاصابات المسجلة.هذا يعني إصدار 12 تصريحا صحفيا في اليوم الواحد، يجري تناقلها آلاف المرات في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، فيخيل لملايين المتابعين أننا أمام كارثة صحية تضرب البلاد والعباد،وهو أمر يدفع بالمواطنين إلى التدفق بأعداد كبيرة على المستشفيات والمراكز الصحية،مما يزيد من معاناتها من الاكتظاظ، ويضاعف الضغوط على كوادرها الطبية،ويؤثر على قدرتها على تقديم الرعاية الصحية لمن يحتاجها فعلا.
إذا كان مرض إنفلونزا الخنازير كما تؤكد وزارة الصحة لا يشكل خطرا على صحة المواطنين وعلاجه متوفر في الصيدليات،لا بل يمكن الاكتفاء بالطبابة المنزلية للتعامل معه، فلماذا إذا حالة الاستنفار هذه؟
إنفلونزا الخنازير.. مبالغة رسمية تضاعف القلق / فهد الخيطان
13
المقالة السابقة