دخلت جحافل الجيش التركي الشمال السوري في عملية عسكرية أمنية أطلقوا عليها اسم «نبع السلام»، وأعلنوا أن هدف العملية هو إيجاد منطقة حدودية آمنة وخالية من المتطرفين الأكراد والإرهابيين الذين باتوا يهددون الأراضي التركية. ونحن لن نستعجل في تقييم هذه العملية حتى نرى شواهد الأيام الأولى، ولن نتردد في انتقادها إن تبين أنها احتلال لأراضي دولة أخرى وليست دخولاً مؤقتاً فقط لتحقيق أهداف معلنة، كما لن نسكت إن كانت ستؤدي إلى مزيد من معاناة المدنيين، سواء كانوا عرباً أم أكراداً، مسلمين أم غير مسلمين، أو أدت إلى دمار وخراب في العمران والبنى التحتية للمدن.
لو دخل الأتراك دولة تعيش وضعاً طبيعياً لانتقدناهم منذ اليوم الأول، لكنهم دخلوا أراضي سورية لا يتواجد فيها جندي سوري واحد؛ لأن الأرض السورية كانت مستباحة منذ عدة سنوات، والجيش الروسي والميليشيات الإيرانية واللبنانية عاثوا فيها من شمالها إلى جنوبها، لذلك كان دخول الجيش التركي لتأمين حدوده وتأمين عودة ملايين السوريين إلى بلدهم أمراً مقبولاً منذ الوهلة الأولى ما لم يتبين لنا بعد ذلك خلاف هذه الحقيقة! كلنا شاهدنا ما فعله الجيش الروسي من قتل للمدنيين وتدمير للمدن طال معظم الأراضي السورية، وكلنا تابعنا ما فعلته الميليشيات الإيرانية من مجازر من أجل المحافظة على نظام بشار، بينما لنا تجارب إيجابية مع الجيش التركي عندما دخل منبج وغيرها من المدن وطرد المسلحين ولم نسمع أنه قتل مدنياً واحداً.
لذلك لن نستعجل في تأييد أو رفض عملية «نبع السلام» ما لم نتحقق مما يجري على الأرض، وقد يحق لنا أن نتفاءل خيراً بالعملية بعد أن شاهدنا عملية تحرير مئات الأسر السورية المحتجزة في ظروف مأساوية وكيف فرحوا وكبروا عندما شاهدوا طلائع الجيش التركي تدخل عليهم وتحررهم! أمّا الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، الذي ندد بالعملية التركية، فقد ذكرونا بالمثل القائل «صمت دهراً ونطق كفراً»؛ فسوريا كانت قبل أيام مطرودة من الجامعة العربية بقرار منكم، واليوم تجتمعون للانتصار للنظام فيها، وليتكم سكتم حتى تتأكدوا مما يجري على الأرض؛ هل هو انتصار للشعب السوري أم انه ترسيخ لاحتلال تركي؟!
المشكلة عندما تكون قراراتكم معاييرها مزدوجة، فبالأمس القريب كانت وحدات إيرانية (تم تصويرها وبثها عبر وسائل التواصل وبعض الفضائيات) تدخل إلى العراق لتتصدى لمتظاهري ثورة أكتوبر التي قادها شبان الأحياء والبلدات الفقيرة العراقية (وأغلبهم شيعة بالمناسبة) الذين قاموا بتصوير عمليات البطش والقتل التي تعرضوا لها من قبل هذه القوات الإيرانية، ولم نسمع تصريحاً واحداً من جامعة الدول العربية أو من أي مسؤول!