تعددت الروايات حول مقتل إسراء غريب. والرواية الأقرب إلى أن تكون صحيحة هي أنها قُتلت جراء الاعتداء عليها من أهلها على مراحل، كان آخرها عند خروجها من المستشفى عندما قام أخوها القادم من كندا، كما يتردد، بالمشاركة في الانتقام منها على “الذنب” الذي ارتكبته، وهو خروجها مع خطيبها برفقة أختها، وبعد الحصول على إذن من أمها، وتنزيل فيديو عن ذلك على حسابها على موقع “إنستغرام”.
قد لا تكون هذه الرواية هي الصحيحة، وإن كانت هي المتداولة بانتظار الإعلان عن نتائج التحقيق. ولكن لماذا الميل العام لتصديقها، لسبب بسيط لكونها يمكن أن تحدث كما حدثت جرائم لا حصر لها على خلفية ما يزعم أنه الشرف، رغم أن الشرف منها بريء. بل إن ضحايا هذه الجرائم في الكثير من الأحيان يتبين أنهن عذراوات، ويكون سبب القتل التغطية على جرائم سفاح القربى، أو حرمان الضحية من الميراث، أو جراء خلاف حول أمر ما، أو استسهال اللجوء إلى العنف كدليل على انتشار ثقافة العنف، وبخاصة ضد الإناث.
يستخدم البعض الدين لتبرير هذه الجرائم، والدين بريء مما يدعون. فحتى إثبات الزنا في الدين الإسلامي يتطلب أربعة شهود، يرون الحادثة “كما يغيب المرود في المكحلة، والرشا في البئر”، وهذا الأمر إثباته شبه مستحيل، مما يدل على ضرورة الابتعاد عن الاتهام بالزنا لمجرد الشهبة، فضلًا عن تحريم قذف المحصنات كما ورد في القرآن الكريم. فجذر هذه الجرائم، التي تبلغ العشرات في كل عام، يكمن في لجوء البعض إلى تفسير الدين وتوظيفه لخدمة مصالح فردية، وتجسيدًا لعادات وتقاليد أكل عليها الدهر وشرب.
كفى. فالمرأة ليست عورة، ولا ناقصة عقل ودين، وليس مكانها المنزل وخدمة الرجل (الزوج والأب والأخ)، فهي نصف المجتمع. وإذا لم تكن حرة، وتتمتع بحقوقها كاملة، فلا يمكن للمجتمع أن يكون حرًا، ويقوم بواجباته كما يجب. وإذا مارست المرأة حقها في العمل، فهي تعاني من واقع عدم المساواة بين الجنسين وهيمنة الثقافة الذكورية، ولذلك تتعرض للاضطهاد داخل المنزل بلعب دور الأم والمربية والمطيعة للزوج، وخارج المنزل من خلال عدم أخذ راتب مساوٍ لراتب الرجل، فضلًا عن تعرضها للتحرش، وحتى عدم توظيفها في الوظائف العليا والوصول إلى مواقع صنع القرار.
آن الأوان للوقوف في وجه الجرائم المختلفة ضد المرأة، والأهم والأساس العمل على مختلف المستويات لتحقيق المساواة بينها وبين الرجل، ليس من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال المختلفة فقط، وإنما عبر تنظيم حملات وطنية مستمرة ومتعاظمة لإعطاء المرأة حقوقها غير منقوصة، وتوفير بيئة قانونية تصون هذه الحقوق، ولتكن البداية بإعطاء إسراء حقها بكشف الحقائق كاملة عن الجريمة التي ارتكبت بحقها، ومحاسبة الجناة بالعقاب الذي يستحقونه.
فلسطيني يفجر نفسه بفلسطيني
إن قيام مجموعة فلسطينية بتنظيم عمليات انتحارية ضد حواجز الشرطة في قطاع غزة، والإعلان عن اعتقال خلية تضم 10 أفراد، مع تردد معلومات بأنها جزء من مجموعة منظمة واسعة تضم العشرات، مركزين تقريبًا في تنظيم واحد وجامع واحد ومنطقة واحدة؛ لا يمكن اعتبارها حادثًا عابرًا والمرور عليها مرور الكرام، أو بالتغطية عليها بالقول إن المخابرات الفلسطينية تقف وراءها، فحتى لو ثبت وجود علاقة ما لأفراد من المخابرات أو غيرها بهذه الجرائم، وهذا مستبعد أن يكون تنفيذًا لقرار مركزي بنية مخطط إجرامي واسع، فلا يلغي ذلك أن هناك مجموعات تكفيرية داعشية تتبنى الفكر المنحرف الذي نما وينمو حيث يجد تربة خصبة في القطاع، جراء الأوضاع الكارثية التي يعيشها في ظل الحصار والعدوان وفقدان الأفق والأمل، والسيطرة الانفرادية لتنظيم على القطاع والثقافة التربية والأفكار المنتشرة بمسميات مختلفة، ما يساعد الأعداء وكل من تسول له نفسه العبث بالوضع الفلسطيني لبث الفتنة وتفتيت الشعب وبعثرة قواه وطاقاته.
كما تجد هذه المجموعات جذورها في مدارس فكرية سلفية تنصب نفسها ممثلة لله على الأرض، تؤمن باحتكار الدين وإقصاء وتكفير الفكر الآخر حتى من مدارس دينية إسلامية أخرى. فالتكفير لا ينحصر بأصحاب الديانات الأخرى، والذين لا يؤمنون بأي دين، ولا بالقوميين والوطنيين واليساريين فقط، وإنما يصل إلى أصحاب الدين نفسه إذا لم يتفقوا مع رأي أصحاب الفكر المنحرف.
إذا أردنا معالجة سبب وصولنا إلى وضع يفجر الفلسطيني نفسه في فلسطيني آخر، فيجب أن نبحث في الأعماق ونعالج الجذور، معالجة فكرية ثقافية دينية سياسية اقتصادية اجتماعية وليست أمنية أساسًا، وهذه لا يتسع لها هذا التعليق.
يكمن الحل أولًا بفصل الدين عن الدولة، أي العلمانية التي لا تعني الإلحاد كما هو شائع، بل تعزيز الطابع المدني والتعددية في مختلف مناحي حياة المجتمع، فالكثير من العلمانيين متدينون، وتركيا التي يحكمها حزب العدالة الحزب الإسلامي دولة علمانية حتى الآن رغم تبوئه الحكم منذ فترة طويلة.
وثانيًا، بعدم السماح لكل من يفوض نفسه بتمثيل الدين واحتكاره والحديث باسم الله أو احتكار الحقيقة أو الوطنية. فالدين لله والوطن للجميع. ومن حقي الدفاع عن رأيي من دون الإجحاف بحق الآخرين في التعبير عن آرائهم، فتنتهي حريتك عندما تبدأ حرية غيرك.
إن التعددية بكل أشكالها الفكرية والسياسية والدينية والاجتماعية هي المصدر الأهم لاستمرار الأمم ومناعتها وتطورها. والتعددية الفلسطينية ساهمت أكثر من أي شيء آخر في إبقاء القضية الفلسطينية حية حتى الآن رغم الأهوال والحروب والمجازر والمؤامرات واختلال موازين القوى والأخطاء والخطايا