عروبة الإخباري – وصفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية الإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها حكومة المملكة العربية السعودية، بأنها “مؤلمة” للقطاع الخاص، في إشارة إلى التغيرات الهيكلية التي يسعى إلى إحداثها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، ويستهدف من خلالها توفير الوظائف للشباب السعودي وإنعاش الاقتصاد بعيدا عن مصادر النفط، وتحقيق التنويع الاقتصادي المأمول بحلول عام 2030.
وقالت الصحيفة في تقرير لها: “بين شبكة من الأزقة والشوارع المرصوفة بالحصى في مدينة جدة القديمة، تم إغلاق أكثر من 20 متجرا وأُلصقت لافتات ’للإيجار‘على أبواب خشبية كبيرة، والتجار في المتاجر المجاورة يبيعون كل شيء من العبايات والمراتب والساعات الصينية والعطور والتوابل ومقتنيات الأجانب المستعملة، فقد غادر المملكة أكثر من 1.7 مليون شخص، نظرا لارتفاع تكاليف المعيشة بسبب السياسات الحكومية في المملكة”. ويقول محام سعودي- والذي طلب مثل الكثير من الأشخاص عدم ذكر اسمه- أن مكتبهم شارك في إغلاق أكثر من 50 شركة على مدار الثمانية عشر شهرا الماضية”. وأضاف أن هناك نقص في الإيرادات والأمر لا علاقة له بقابلية استمرار النشاط التجاري.
وعلى الجانب الأخر من المدينة السعودية في حديقة صناعية مليئة بالرمال؛ حيث تلتقي أسواق الجمال والأغنام بالصناعات الحديثة، عبر سامي الصفران الرئيس التنفيذي لشركة “ميبكو” أحد كبار منتجي الورق في المنطقة عن تفاؤله المطلق. ومثل العديد من الشركات السعودية، تحملت ميبكو سنوات من النمو الضعيف وتدابير التقشف الحكومية. وقامت الشركة وفروعها المتخصصة في إعادة التدوير بتسريح عدد كبير من الموظفين “للتخفيف من تأثير الرسوم المفروضة على الوافدين” والتكيف مع البيئة المتغيرة. لكن الصفران يتطلع إلى توسيع عمله مع تقييم تأثير إصلاحات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي تشمل هدف زيادة إعادة تدوير النفايات والتي ينبغي أن تعود بالنفع على الشركة. ويقول الصفران: “لا أرى أي اتجاه سوى الصعود، ستكون هناك عقبات على طول الطريق، لكن هذا هو الواقع الجديد، التغيير قادم ويجب أن تكون جزءا منه، لم يعد هناك خيارا آخر”.
وأصبحت هذه الروايات المختلفة طبيعية في دولة تشهد تغييرا جذريا منذ أن أطلق الأمير محمد بن سلمان خطته لتحديث المملكة “رؤية 2030”. وبعد مرور ثلاث سنوات، ما زالت البلاد في حالة تغير مستمر. وبينما يتحدث بعض السعوديين بأمل وتفاؤل، يعرب البعض الآخر عن قلقهم، لاسيما في أعقاب القتل المروع للكاتب السعودي جمال خاشقجي في أكتوبر الماضي.
وترى الصحيفة أن الاختبار الحقيقي لولي العهد السعودي ما إذا كان قادرا على تحفيز القطاع الخاص المتضرر للمساعدة في إعادة تنشيط الاقتصاد وخلق الوظائف اللازمة للحد من بطالة الشباب المتفشية في المملكة؟ فمنذ البداية شدد ولي العهد على دور القطاع الخاص وشملت أهداف روية 2030 زيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من 40% إلى 65%. وحددت الحكومة أيضا الهدف المتمثل في توفير 450000 وظيفة بحلول عام 2020، بهدف خفض البطالة السعودية والتي تبلغ حاليا 12.5% لتصل إلى 9% في العام المقبل.
ويقول مسؤول تنفيذي أجنبي: “هناك حوالي 7000 شركة صناعية في المملكة العربية السعودية، والكثير منها يخسر المال أو بالكاد يحقق أرباحا”. فما زال البعض يرزح تحت وطأة حملة حكومية لمكافحة الفساد، التي شهدت سجن أكثر من 300 من الأمراء ورجال الأعمال وكبار الموظفين السابقين في الدولة في فندق ريتز كارلتون في الرياض في أواخر عام 2017.
ونتج عن ذلك ادخار الكثير من أصحاب الأعمال في القطاع الخاص لأموالهم، أو نقلها إلى الخارج. وفي خضم ذلك تسعى الحكومة وصناديقها السيادية إلى تنفيذ مشاريع بقيمة مئات المليارات من الدولارات وتأسيس شركات جديدة.
وبحسب بعض المصادر المطلعة في الديوان الملكي، يبدو أن الأمير محمد بن سلمان كان مصمماً على تطوير قطاع خاص جديد باستخدام أدوات الدولة، ولا سيما صندوق الاستثمار السيادي، مع استبعاد الشركات التقليدية التي حققت ثراءً سهلا بفضل ما حصلت عليه من عقود من الدولة وتوظيف العمالة الأجنبية الرخيصة. فيما تسعى الحكومة السعودية بكل طاقتها إلى جذب المستثمرين الأجانب. لكن المستثمرون لا يزالون يتوخون الحذر.
ويؤكد وزير المالية السعودي محمد الجدعان على أن كل شيء يسير على الطريق الصحيح، قائلاً إن هناك “تحالفاً مميزا بين الحكومة والقطاع الخاص”. ولا تزال بعض الشركات تشكو من عدم سداد مستحقاتها لدى الحكومة، لكن الجدعان يقول إن الحكومة سددت متأخرات قدرها 160 مليار ريال سعودي (43 مليار دولار) لشركات على مدار العامين الماضيين، وتدين فقط بحوالي 9 مليارات ريال سعودي، بعضها متنازع عليه.
ويتفق الجدعان مع فكرة أن الإصلاحات تسببت في “آلام”، لكنه يقول إن الشركات “الديناميكية” تزدهر. ومن وجهة نظره عندما يكون “هناك إصلاح كبير في اقتصاد ما سيكون هناك ألم، وقد تم إيصال ذلك بوضوح تام للقطاع الخاص.. إنهم بحاجة إلى إعادة هيكلة أعمالهم إلى واقع جديد”.
وقال صندوق النقد الدولي الشهر الماضي إن الإصلاحات الاقتصادية “بدأت تسفر عن نتائج إيجابية”، مشيرة إلى تحسن في النمو غير النفطي وزيادة في مشاركة النساء في القوى العاملة وفرص العمل فيها. لكن النمو لا يزال هشا ويعتمد على أسعار النفط والإنفاق الحكومي، على الرغم من أن رؤية 2030 تتمثل في تقليص دور الدولة وإضعاف اعتماد المملكة على النفط.
وقد نما الناتج المحلي الإجمالي في السعودية بنسبة 3.6% على أساس سنوي في الربع الأخير من عام 2018، محققا أسرع وتيرة في ثلاث سنوات، لكنه مدفوع بشكل كبير بقطاع النفط، في حين نما الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الخاص غير النفطي بنسبة 1.96%.