عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
كان بإمكانه أن يعمد إلى الدبلوماسية المكررة لنفس الموقف وأن يستعمل نفس اللازمة التي ظل المسؤولين العرب يستعملونها ، حين كانوا يشبعون جملهم بالإنشاء ليستدرجوا التصفيق ولكنه أراد أن يكون بعيدا عن من اتهمهم الراحل أحمد الشقيري من اولئك الذين “كانوا يتآمرون على القضية في الغرف المغلقة ويصرحون عن انتصارات لها في العلن” .. فالمسؤول عن الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي بن عبد الله لديه لغة واحدة معلنة وخطية .. لغة واحدة هي للاستهلاك وللتخزين معاً للتصريحات الاعلامية والعلنية وللتوثيق. وهو بذلك يخرج عن الطريقة العربية التي وصفها أحد الرؤساء الأميركيين حين قال “لم يحدثني أحد من الزعماء العرب عن دولة فلسطينية ولم يتمسك أحد بموقف فهمت منه أنه يُصر عليه”!!!!.
عند بن علوي لغة صريحة نابعة من الموقف العُماني المعروف بحياديته وموضوعيته ودعوته للسلام وحرصه على التوازن وتوظيف القدرات في سبيل تقديم مواقف موضوعية تأتي على شكل وساطة أحيانا وعلى شكل المساعدة في أن يفهم كل طرف متصارع الطرف الآخر.
ولذا فإنه حين قال بضرورة مساعدة اسرائيل لتفهم الموقف العربي من أمنها لم يأت شيئا فرّياً ، فالمشكلة الاساسية لدى اسرائيل هي مشكلة الامن وهي تعلق كل الحقوق الفلسطينية والقضايا العربية في ناصية هذه المشكلة والعرب يعرفون ذلك وهم يحاورونها لسنوات كما يعرفون ذلك وهم يحاربونها من سنوات ولكن لا أحد اقترب أو اعترف أو أدرك ضرورة أن يضع يده على الألم ليساهم في علاجه.
مثل هذا الفهم أدركه الملك الحسين الراحل رحمه الله حين قال لي بعد أن كرمني بوسام الكوكب وقد كنت عدت من تغطية مؤتمر مدريد بداية التسعينيات وأجريت حوارا مع التلفزيون الاسرائيلي كان الأول من نوعه عربيا فقامت عليّ الدنيا ولم تقعد رغم أن ما قلته فيه قد لا يحتمله تلفزيون عربي ، ومع ذلك بث التلفزيون الاسرائيلي مقابلتي التي وصفت فيها القادة الاسرائليين بأقذع الصفات وأشرت إلى أن اسرائيل لا تسعى للسلام وإنما تتاجر فيه وتعمل على إدارة الأزمة في الصراع وليس حلها.. وبعدها وفي خلوة لدقائق قال لي الملك: ” لو أننا جعلنا اسرائيل تخلع بدلة الفوتيك العسكرية لانتهت..” هل تجاوزه بن علوي هذا الكلام أمس الأول في الحوار الذي أجراه مع مجموعة من المسؤولين العرب في مؤتمر دافوس في البحر الميت .. “ماذا يعني لو جعلنا اسرائيل تخلع بدلة الفوتيك”؟ أليس معناه أن نقدم ما يجعلها تخلعه ..والفوتيك(المقصود به البدلة العسكرية) .. بمعنى أن نساعدها في خلعه ولا أجاوز الموضوعية إن قلت هذا ما عناه بن علوي وهو يقول “بمساعدة اسرائيل” ان ما عناه بالمساعدة هي أن نبصّرها بمحاسن السلام ونقنعها بها وأن نحذرها من الاستمرار في العدوان ، فهل يفعل النظام العربي ذلك.. ام انهم ما زالوا بردا عليها في المفاوضات والاتصالات الداخلية والثنائية ونار عليها في الاعلام والتصريحات ، وهو ما ظلت اسرائيل تأخذه وتوظفه لتقول للعالم أن هذا هو الموقف العربي منذ نموذج ما ادعته برميها في البحر وأن يتجوع السمك.
بن علوي معروف بجرأته وأعيد القارئ الى كلامه عن القدس امام وزراء الخارجية العرب واتهام لقاءاتهم بانها للاستهلاك وأنها اي تصريحاتهم لا تقدم للقضية شيئاً وحثهم على أن يقولوا الحقيقة وأن يتبنوها ويتوافقوا عليها وبعد ذلك يقاتلون دفاعا عنها, وبأن فلسطين بحاجة لما هو اكثر من التصريحات.
وفي أكثر من لقاء كان الوزير واضحا وحتى حين أرادت مديرة الحوار امس الاول إحراجه بالقول:”هل تعترف بإسرائيل”؟؟ وأجاب عليها بشكل آخر وكانها لم تكن تدرك ان العرب اعترفوا بإسرائيل في قمة فاس في المغرب وأنهم قدموا بأنفسهم مبادرة الاعتراف بها في نقاط خمس منذ ذلك الوقت في مبادرة سميت بمبادرة الامير فهد بن عبد العزيز في منتصف السبعينيات. وهي أسبق من مبادرة الملك عبدالله بن عبد العزيز التي أسميت المبادرة العربية عام 2002.
اعتقد ان سلطنة عُمان لا تعمل شيئا وتخجل منه وهي ترى مصالحها ومصالح من تتحدث عنهم وقد تكون في غالب الأحيان سباقة في رؤيتها للوقائع والأحداث بحكم خبرتها والتزامها الموضوعية والحياد فقد كانت حذرت من الحرب على اليمن وقد اقرها الكثيرون على تحذيرها وحذرت من الحرب العراقية الايرانية وعملت على وقفها كما حذرت من استمرار العداء لإيران وعملت على توفير حاضنة ومناخ الاتفاق النووي الاميركي الايراني وفعلت مثل ذلك في الموضوع الفلسطيني وأعطت رؤية فيها وها هو الوزيربن علوي يكررها في البعد الذي يمكن ان تسمعه فيه كل الاطراف فهو لا يريد أن يتحدث فقط للفلسطينيين بحضور قائدهم الرئيس محمود عباس ولا للعرب بحضور ممثليهم ولا حتى في الحوار في البحر الميتت بحضور وزير الخارجية الأردني وإنما أراد أن يُطّير رسالة للطرف الأخر وهو اسرائيل وان يقطع الطريق على المزايدات الإسرائيلية في استمرار رهن عملية السلام.
إذن “مساعدة إسرائيل” في رأي بن علوي هو بوقف تغذية عدوانها وتعبئتها للمجتمع الدولي وأن العرب يريدون بها شرا ويريدون محاربتها وقطع الطريق على ذلك وعزلها عن التغذية بالعدوان .. وهذا ما عناه بن علوي “بمساعدة إسرائيل” وهي المساعدة التي سيكون ثمنها اكبر واهم وأغلى من الثمن الذي يفكر بعض العرب في قبضة أن استمروا في هز قبضاتهم مهددين غير فاعلين ومتحدثين دون أن يربطوا حديثهم بوقائع وأفعال واستمرار ادعاء دعم القضية نظريا دون ان يعنوا بذلك دعم شعب فلسطين.
بن علوي له لغة مختلفة أمام القمم العربية التي لم يحضر السلطان قابوس معظمها لان له رأي فيها منذ وقت مبكر وحتى منذ حضر أول قمة عربية بعد أن تسلم السلطة في عام 1973 وكانت في الجزائر واستمع إلى الكثير من الأقوال التي قيلت, يومها وقد قال للصحفي سليم اللوزي صاحب مجلة الحوادث “أنني اطرح على الحضور العربي في القمة سؤالاً محدداً”..هل انتم قادرين على محاربة إسرائيل؟ كانت الإجابة يا سليم لا ..ثم سألتهم هل لديكم خطة بديلة, كانت الإجابة أيضاً لا …لقد أدركت(والكلام للسلطان قابوس) “أن القادة العرب يضيعون أوقاتهم سدى وان لا فائدة ترجى من هذه القمم “!!…
وهذا ما كان سبباً في عدم حضور السلطان لكثير من القمم حتى اليوم..
إذن سلطنة عُمان أرادت أن تعيد إعراب جملة الصراع العربي – الإسرائيلي وخاصة في بعده الفاعل “الفلسطيني- الإسرائيلي” وكانت زيارة بن علوي لرام الله وزيارة الرئيس محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية إلى مسقط وكذلك زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بعده.. وكانت لغة السلطنة واضحة في السر والعلن وهي لم تزد عما قال به العرب في مؤتمراتهم سوى أنها تخلصت من الإنشاء وأرادت إعراب الجمل المدونة في المشاريع والمبادرات والقرارات سواء في فاس أو المبادرة العربية في قمة بيروت أو في أوسلو مع الفلسطينيين او حتى في وادي عربة مع الأردن!!.
المطلوب الان موقف عربي واحد فإن تجاوزوا فيه الموقف العماني فإننا عندها سنهاجم عُمان وموقفها وان بقوا يغبطونها لأنها تقول علناً ما تراه وهم لا يقولوا فلا فائدة من المزايدة ولا نفع من التأجيل او الملاومة .
الشعب الفلسطيني لا يريد تصريحات بطولية لا فعل فيها وإنما يريد مواقف سياسية واضحة ومتماسكة ويريد دعم صموده وتمكينه من استمرار استعمال مقاومته الوطنية الشعبية الواسعة الكفيلة بإزاحة الاحتلال حين تكون هذه المقاومة مسوقة عالميا وتدفع باتجاه إنفاذ قرارات الشرعية الدولية .
أن ما أنجزته السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس يستحق التقدير فقد أنجزت الكثير وما زالت تحمي مصالح الشعب الفلسطيني من المزايدة ودعاة الممانعة والمقاومة الذين رأيناهم يبيعوا حتى المقاومة الشعبية السلمية على حدود غزة بثمن بخس لا مجال للحديث عنه في هذا السياق.
يبقى أن نقول أن ما قاله الوزير بن علوي كان واضحاً وكان مفهوماً لو قرأناه بوعي وعمق وبعيداً عن قراءة “ولا تقربوا الصلاة” أو إخضاعه لنفس مسطرة المواصفة العربية التي ظلت تباع في الأسواق دون أن يشتريها احد من الاعداء او حتى الاصدقاء واصبحت هذه البضاعة يبيعها العرب بعضهم للبعض الاستهلاك وملئ الفراغ.
لقد قالها الرئيس جمال عبد الناصر وبعد سنوات من الإعلام الإنشائي”وصوت العرب” واحمد سعيد حين سأله الفلسطينيون التواقون للمعرفة بمستقبل نضالهم فقال: “ما عنديش خطة لتحرير فلسطين” يومها لم يجد من يسمع الحقيقة فمضوا وراء شعارات القاهر والظافر التي رايناها في هزيمة عام 1967 فهل يمكن أن نقرا الان بن علوي بصورة افضل لنحدد الأهداف قبل أن نهجم على الرسائل!!