الحلقة الثانية عشر من كتاب “سلطنة وسلطان” .. شخصية السلطان

عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
بمناسبة رحيل السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله ، فإن موقع “عروبة الإخباري” ينشر سلسلة حلقات عن حياة الراحل ومسيرته الغنية في بناء الدولة العُمانية، والتي استمرت لنصف قرن استطاع فيها أن يضع عُمان على خارطة العالم المتفاعل، وأن يقدمها كنموذج للسلام والتعاون والشراكة في منطقتها ومحيطها العربي وبعدها العالمي.
لقد كان السلطان قائدا عظيما، التف حول جنازته ومشى خلفها قادة من كل دول العالم وبعضهم لم يلتق مع صديقه أو خصمه إلا في جنازة هذا القائد الذي ظلت سياسته تقبل القسمة على الجميع، ويرى فيه الجميع رجل محبة وسلام وعطاء.

الحلقة الثانية عشر ..شخصية السلطان
ان قراءة شخصية السلطان في البعد الانساني والدولي تذهب باتجاه مبادراته الخصبة ورؤيته الثاقبة في دعم العديد من المشروعات الدولية والأممية عبر اليونسكو وخارجها، في جهد يصب من أجل عمان وتاريخها وصورتها ومن أجل الإنسانية وسلامها، فكانت مساهماته في مجال دعم علوم الفلك وفي مجال البيئة وعلومها والتأليف عنها ملموسة .. وفي مقابل ذلك اقرار المجتمع الدولي مجدداً في حدث بارز زاخر بالمعاني والدلالات في منح جائزة السلام الدولية (7) للسلطان، ليس فقط كامتداد للإجماع الذي يحظى به جلالة السلطان، ولكن ايضاً لتأكيد شمولية الإجماع وامتداده إلى المؤسسات العلمية المشهود لها وعبر دورها المؤثر في الولايات المتحدة والغرب والعالم وفي المقدمة جامعة هارفارد العريقة وجامعات عديدة أخرى مميزة .
كما جرى اختيار جلالته ليكون اسماً لوردة طورتها المشاتل الهولندية نتاج أبحاث مطورة أمضاها العلماء لابتكار صنف جديد من الورود المعروفة، تم تسليمها في احتفالات السلطنة بالعيد الوطني العشرين العام 1990 بحضور العديد من الشخصيات (8) .
وفي مجال البيئة إذ يحرص السلطان فقد جرى منحه جائزة السلطان قابوس لحماية البيئة (9) وهي جائزة تمنح كل سنتين مكافأة للاسهامات البارزة التي يقدمها الأفراد والمؤسسات والمعاهد والمنظمات في مجال ادارة البيئة وصونها، وهي جائزة بدأ منحها العام 1989 تحت إشراف منظمة اليونسكو، ولأنه لكل امرىء من اسمه نصيب كما يقولون في التراث العربي دلالة على الاسم والمسمى، فإن معنى اسم السلطان قابوس في اللغة هو ” الوجه الجميل الحسن اللون “. وقابوس لغة من قبس وهو طالب النار وموقدها وطالب العلم والمفيد منه، وفي سبيل ذلك كان السلطان بدوره أهدى الأمة موسوعة بأسماء العرب ليكون ذلك مشروعاً ضخماً وانجازاً حضارياً مشهوداً له به وقد بدأ العمل في هذا المشروع العام 1985 .
ولأنه يؤمن بالحرية للأفراد والشعوب ويكافح من أجلها منذ قيادته لحركة النهضة في بلاده وتصديه لكل من يحاول مصادرتها من عمان والعمانيين، فانه كان على موعد معهم من أجلها وقد خاض في سبيل حرية وطنه معارك الكفاح المريرة لأنه يدرك أن :

للحرية الحمراء باب       بكل يد مضرجة يدق
معنى الحرية فقد الزم نفسه أن يقدمها للعمانيين بقوله في خطابه الأول: ” سأبدأ بأسرع ما يمكن في أن أجعل الحكومة عصرية . وأول هدفي أن أزيل الأوامر غير الضرورية التي ترزحون تحت وطأتها ايّها الشعب ” (10).
وقد تعهد وأوفي . وعهد الحر دين كما يقولون حين قال: ” سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمستقبل أفضل وعلى كل واحد منكم المساعدة في هذا الواجب (11)..
وقد وضع السلطان قابوس نصب عينه تاريخ عمان ومجدها وأن يعيد تشكيل الجغرافيا العمانية بالإنجازات ليخدم التاريخ العماني ويمكن هذه الجغرافيا من التعبير عن نفسها من خلال بعدي الانسان والتنمية .. وهو يرى أن عمان المعاصرة تستحق ذلك وأن تستعيد أمجادها وتقدم هذه الأمجاد من خلال سياق من الانجاز وبناء منه يعلو ويشارك ولا يكتفي باحترام التاريخ وأمجاده
يقول السلطان: ” كان وطننا في الماضي ذا شهرة وقوة وإن عملنا باتحاد وتعاون فسنعيد ماضينا مرة أخرى .. وسيكون لنا المحل المرموق في العالم العربي ” (12)..
ولم يخيب السلطان شعبه بل مضى يبني علاقات عمان الخارجية ويسندها بالدليل من خلال اعادة بناء عمان ليكون لها المصداقية من خلال الانجاز وليس المعطيات والوقائع التاريخية فقط، ويرى السلطان منذ اليوم الأول وضوح طريقة وسلامة هدفه وهو يحث العمانيين على مواصلة الرحلة معه، مؤكداً لهم أنه في ذلك مستقبلهم ، وضمان حياتهم وحياة أجيالهم، وقد قال ذلك ” اني وحكومتي الجديدة نهدف لانجاز هدفنا العام .. كان بالأمس ظلام ولكن بعون الله غداً سيشرق الفجر على عمان وعلى أهلها ” (13)..
ولم تكن أوصاف السلطان ومناقبه وسمعته الطيبة وسلوكه في خدمة وطنه وأمته بعيدة عن اشارة القادة والزعماء في العالم، بل كانت في صميم رأيهم وقناعتهم وفي هذا السياق قال الرئيس الراحل صدام حسين في تقييم دور السلطان في شعبه وأمته ومبادراته وحرصه: ” لو كان هناك قابوسان في هذا الزمان لما حدثت الحروب والأزمات “. كما جاء قول الملك فهد بن عبدالعزيز مؤكداً لما يحس به فقال :” علاقتنا لها صفة الاستمرار وتدعمت أكثر حين أنعم الله على عمان بقائد مثل صاحب الجلالة قابوس بن سعيد فجلالة السلطان قابوس بن سعيد من القادة الاجلاء المدركين والمفكرين ” ..
أما الراحل الشيخ زايد بن سلطان فقد كان رأيه في السلطان معروفاً وفي أكثر من مناسبة وبأكثر من صيغة منها قوله : ” نكن لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المحبة والتقدير وانجازات عمان مفخرة للإمارات ” (14). أما الرئيس حسني مبارك الرئيس الأسبق لجمهورية مصر العربية فقد عنون محبته للسلطان واقراره بدوره بقوله :” جلالة السلطان حقق انجازات عظيمة لشعبه وأما الرئيس الراحل ياسر عرفات قائد نضال الشعب الفلسطيني المعاصر فقد وصف السلطان قابوس حين التقاه بقوله :” جلالة السلطان قابوس عمل بصمت من أجل فلسطين ” (15) وهو ما قاله الرئيس محمود عباس وكرره من أن ” السلطنة والسلطان قدما الكثير لفلسطين بلا منّه وكان السلطان صادقاً دائماً في رؤيته لفلسطين وقضيتها ” ..
وهذه الشهادات شملت قادة عالميين ورؤساء دول كبرى بارزين منهم الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلنتون الذي قال : ” لقد قدتم عمان يا جلالة السلطان برؤى وتصميم .. وأن قيادتكم تحظى باحترام عظيم حول العالم .. وإن جلالتكم يجسد التاريخ بروح متفتحة على قضايا العصر “..
أما سمو الأمير جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت الراحل فكان ان وصف مواقف السلطان قابوس بقوله : ” ما تحقق من انجازات رائعة في عمان في فترة قصيرة من الزمن لخير الشعب العماني الشقيق بفضل ما يتمتع به صاحب الجلالة الأخ السلطان قابوس بن سعيد المعظم من قيادة سديدة وسياسة حكيمة وعمل جاد دؤوب (16)..
ومن قادة العالم الذين ادلوا بشهاداتهم في جهود السلطان وانجازاته ودوره في بعث عمان ووضعها على طريق المستقبل الرئيس الفرنسي السابق فرانسو ميتران بقوله :” السلطان قابوس يجسد التاريخ بروح ومتفتحة على قضايا العصر وجلالته على معرفة بالقضايا الدولية ، وانني من أشد المعجبين بالدور الذي يقوم به جلالته وبحنكته السياسية ، وأن ما تحقق للسلطنة من انجازات وما بلغته من مكانة مرموقة انما ذلك تم برعاية جلالته(17) ..
وهناك شهادة أخرى هامة لمسؤول فرنسي كبير أيضاً شغل منصب رئيس الوزراء يقول فيها : العلاقات العمانية الفرنسية استفادة من روح التجديد التي بعثها السلطان في السياسة الداخلية للسلطنة منذ ارتقائه العرش وعمان اليوم بلد موحد ومستقل يتحلى بدبلوماسية حكيمة ومتوازنة وينعم بنمو مثالي (81)
أما مساعد وزير الخارجية الأميركي الاسبق روبرت بللترو فقد اشار الى الدور التاريخي الذي لعبه السلطان قابوس في نقل بلاده من مرحلة الى اخرى وقال :” لقد استطاع السلطان ان يكسر عزلة عمان حتى أصبحت السلطنة اليوم تقوم بدور ريادي في الدبلوماسية الاقليمية والدولية ” (19)..
أما القائد الفلسطيني رفيق النتشه فقد قال في السلطان :” إن المكانة والتقدير العظيمين اللذين يحظى بهما جلالته من جميع حكام المنطقة يؤهلانه للقيام بدور لتحقيق السلام وسوف يكون لذلك تأثير كبير على مصلحة الامتين العربية والاسلامية ” (20)..
وما تميز به السلطان من صفات ومناقبية عالية وما انجزه من أعمال لبلاده ولكثير من دول الاقليم ودوره في ارساء فرص السلام وتعظيمها وجد تقديراً عالياً لدى مدير عام منظمة الأغذية والزراعة الدولية ( الفاو ) فقال :” لقد كان لي عظيم الشرف أن أحظى بمقابلة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم وقد تقدمت بالشكر والتقدير لجلالته على الدعم الذي تقدمه حكومة جلالته لمنظمة الفاو ” (21)..
أما الرئيس السوداني عمر حسن البشير فقد أدرك منذ اللحظة الأولى لتوليه المسؤولية في السودان عظم الدور الذي ينهض به السلطان في دعم الدول الشقيقة والصديقة للسلطنة ووصف هذا الدور من وجهة نظر سودانية بقوله : ” ان التأييد المبكر من جلالة السلطان للسودان وكلماته القوية اعطت انطباعا طيبا ، وصورة ممتازة عن الثورة في السودان في كافة المناطق وخاصة في الدول الغربية وكثير من الدول العربية فجلالته لا يتخذ أي خطوة الاّ بعد التأكد منها (22) ..
وهذا خليفة بن زايد ولي عهد أبو ظبي آنذاك والذي بهرته الانجازات العمانية وتراكمها واشراك العمانيين في مسيرة هذه الانجازات وصناعتها يقول : ” لقد توافرت في شخصية السلطان قابوس بن سعيد المعظم كل صفات القيادة فجلالته صاحب مواقف عظيمة والانجازات الهائلة التي تحققت في سلطنة عمان الشقيقة تعد دليلا على رعاية واهتمام جلالته بالانسان العماني (23) ..
أما عصمت عبد المجيد وزير الخارجية المصري والذي كان ايضاً أميناً عاما للجامعة العربية فقد رأى في دور السلطان الايجابي في العلاقات العربية العربية ما يدعم العلاقات العمانية المصرية ويرسخها ويصفها بالقول : ” انها متميزة وهي ليست وليدة اليوم وقد تدعمت كثيراً وقطعت شوطاً كبيراً في ظل القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة السلطان قابوس ” (24)..
واتزان علاقة السلطان والسلطنة بمحيطه وفي اقليمه ظلت نموذجاً على الاعتدال ومدعاة للاعتبار بها خاصة حين ظلت نتائجها هي أقرب الى السلامة والصحة ومن هنا يمكن تقديم العلاقة العمانية مع العراق كنموذج .. فقد اتسم موقف السلطنة من العراق بالتوسط والاعتدال وترجيح الجانب العقلي على العاطفي، فسياسة السلطان تنطلق من عدم التدخل في الشؤون الداخلية لاي بلد . ولذا لم تدعم السلطنة اي حركة او منظمة معارضة في اي بلد من البلدان المجاورة او حتى البعيدة . وظلت السياسة العمانية من العراق اكثر اطمئنانا لانها حددت منهجاً واضحاً في كيفية التعامل مع جميع الاطراف المتقاتلة ، فلم تمل لهذا ولم تقطع الحبل عن هذا لصالح ذلك فهي أي عمان لم تدعم صدام حسين في حربه على ايران ولم تصفه بأنه حامي حمى البوابة الشرقية للحدود العربية، ولم تنفق مالها دعماً لوقود هذه الحرب واستمراريتها ، ولم يشبه اعلامها صدام حسين بأنه بطل فاتح مقاوم وهي مع ذلك احتفظت مع العراق بافضل العلاقات الدبلوماسية لكونها لم تكن ضده . وفي المقابل فان السلطنة ممثلة بشخص جلالة السلطان لم تعلن العداء السافر لنظام الجمهورية الاسلامية الجديد في ايران ولم تر سبباً للخلاص منه أو الاطاحة به ، وكل ذلك في سياق سياسة عمانية ثابتة تنطلق من عدم التدخل في الشؤون الداخلية وهذا الموقف خلاف الموقف لبعض الدول العربية التي وقفت ضد سياسة الرئيس صدام او معها وقد أثبت السسياسة العمانية صوابية رؤيتها ووضوح أهدافها ..
وحين انقلبت الدول التي كانت تدعم الرئيس صدام وتعادي إيران تماماً ولفت بواقع (180) درجة في حرب الخليج الثانية يوم احتلال الكويت إذ انقلب قادتها وساستها ووظفوا علماء الدين ليصبحوا على النقيض مما كانوا عليه في حرب الخليج الأولى . إذ انهم أفتوا هذه المرة بتكفير صدام حسين لأنه بعثي ونالوا منه وممن يؤيده وسموا الدول التي تؤيده بدول الضد . وكأنهم لا يعلمون ببعثيته وفكره الاّ بعد الحرب الخليجية الثانية ..
لقد ظل موقف السلطنة مميزاً ولم تنظر في اتخاذ قرارها من زاوية العواطف بل من زاوية ان المتقاتلين مسلمان يجب الصلح بينهما..
وفي السياق نفسه يقول الكاتب الروسي ( سيرجي بليخا نوف ) مؤلف كتاب ” مصلح على العرش ” عن موقف السلطان والدولة العمانية ” فلئن كانت الأقطار المجاورة الأخرى قدمت لصدام حسين مساعدات سخيّة في حربه ضد إيران فإن عمان لعبت دور القوة الساعية إلى المصالحة ، الأمر الذي حظى بتقدير عميق على كلتا ضفتي الخليج ومن خلال وساطة السلطان تقارب الطرفان المتحاربان من بعضهما ” (25)..
ويمضي صاحب كتاب مصلح على العرش يقول :” عندما أيدت أقطار الخليج العراق في أطول حرب في القرن العشرين كشفت عن قصر نظر عجيب ،وعندما دعمت بيدها أو على الأرجح بأموالها لتنقذ الخليج اكتشفت فجأة أنها عاجزة عن إنقاذ نفسها من بنوخذ نصر آخر الزمان الاّ بمساعدة جيوش أجنبية جرارة ” (26)..
ويخلص الكاتب إلى القول :” وكان النهج السياسي العماني للسلطان حتى في ساعة المحنة أقل تعرضاً للتذبذب لأنه صيغ على أساس التقويم الواعي والواقعي للزعماء السياسيين وأفعالهم في المستقبل المنظور لا على أساس من الهوى والغرض” (27)..
وحتى حين كان السلطان قابوس من خلال حكومته وسياسته الخارجية التي رسمها لعمان يبدي رأياً حول إعلان الوحدة في مجلس التعاون الخليجي لم تفهم تحفظاته، والتي هي تحفظات سلطنة عمان التي عبّر عنها اكثر من مرة معالي يوسف بن علوي وزير الدولة للشؤون الخارجية فقام من ينقد موقف سلطنة عمان دون أن يطالع السياق التاريخي لحرص عمان على مجلس التعاون والدعوة لقيامه مبكراً وتقديم المقترحات الواضحة، التي لو جرى الأخذ بها من النواحي الامنية والعسكرية لما كان يمكن أن يحدث الذي حدث من تداعيات ظلت تتوالى بأعراضها السلبية أمام كل التحديات التي واجهتها دول الخليج العربية ابتداء من حرب الخليج الأولى والثانية وحتى التدخل الأجنبي السافر الذي جلبته تلك الحروب والصراعات ومازالت تجلبه ..
إن لعمان وجهة نظر واضحة في هذا المجال عبرت عنها بصور عديدة ولذا فإن اتهامها بالتعطيل والرفض والعمل ضد صيغة مجلس التعاون وتطوره واستمراره لا مكان لها في الواقع
لقد حاولت أطراف خليجية وغير خليجية تشويه الموقف العماني من تحفظه على إعلان وحدة اندماجية لدول الخليج العربي بسوق حجج وادعاءات وتحريض وسائل تواصل اجتماعي عكست آراء قامت من التعبئة وعدم إيراد الحقائق ..
فالموقف العماني الذي يمكن قراءته بوضوح يمكن تتبعه بسهولة وهدوء . فقد كانت سلطنة عمان أو من دعا إلى الوحدة الخليجية في وجه المخاطر التي تواجه دول الخليج سواء خارجية دولية أو اقليمية . وكانت هذه الدعوة المبكرة تستهدف الوحدة العسكرية والأمنية كما توصلت دول الخليج الآن إلى فهم الدعوة العمانية بعد أكثر من ثلاثين سنة .
إذن سلطنة عمان أول من دعا إلى وحدة الصف الخليجي أمنياً منذ بداية السبعينيات حين كانت عمان تواجه تحديات خارجية من تدخل دولة جوار ومن المد الشيوعي على أرضها، وكان السلطان حذر في حينها من ذلك وأن هذا المد لن يتوقف في حدود سلطنة عمان وإنما سيتخطاها إلى دول الخليج والمنطقة كافة، وقد كان ذلك واضحاً في خطاب السلطان السنوي بمناسبة اليوم الوطني العام 1972 .
وتأكيداً لما ظل السلطان يدعو إليه ويحرص على تحقيقه وهو الوحدة العسكرية والأمنية لدول الخليج منذ وقت أبكر من زمن تأسيس مجلس التعاون الخليجي، فقد جاء في مقابلته مع جريدة الرأي الأردنية : “حين كشف عن حديث له مع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ” وقد أكدت له أن دول الخليج تتعرض للأخطار الخارجية تماماً مثل سلطنة عمان ” (28).
وهذا التأكيد لدعوة السلطان جاءت أيضاً في مجلة المصور المصرية في 23/6/1973 حين قال ” لاريب أن الاتحاد قوة وهو إذا أمكن تحقيقه فإنه سيكون الدرع الواقية للمنطقة ” (29)..
وعاد السلطان فكرر في خطابه السنوي العام 1975 نفس المضمون ” لقد حذرنا في خطابنا في العيد الوطني الرابع وقلنا ، إنّ الحفاظ على أمن المنطقة مسؤولية شعوب المنطقة كلها .
وفي العام 1976 في اجتماع وزراء خارجية الدول الواقعة في الخليج بما فيها إيران والعراق دعت عمان لبحث فكرة الوحدة الأمنية ضد أية تهديدات خارجية ” الاّ أن تلك الدول لم تر ضرورة ملحة للوحدة ودعوة السلطنة لهذه الفكرة ( الوحدة الأمنية والعسكرية ) تواصلت ولم تخبُ أو تتراجع ففي العام 1979 عادت السلطنة لتطرح فكرة التعاون الأمني والعسكري مجدداً بالتركيز على قضية الملاحة والتجارة عبر مضيق هرمز ضد أية تهديدات ..
واقترحت السلطنة أن يتم ذلك بالتعاون مع قوى عظمى لها قدرات عسكرية وفيرة في التأمين ولكن السعودية تحفظت في حينه ورفضت أي دور أميركي كردة فعل على اتفاقيات كامب ديفيد المصرية – الإسرائيلية . ولذا جمد اقتراح سلطنة عمان ..
ولم تيأس السلطنة في معاودة الطرح لنفس الفكرة بعد غزو العراق للكويت وكان الطرح العماني يتلخص في ( إنشاء الجيش الخليجي الموحد ) وأن يكون تعداده (100) ألف مجند خليجي لصد أي عدوان وقدم السلطان يومها مع رئيس أركانه تصوراً متكاملاً لذلك ولكن دول الخليج تحفظت وأحالت المشروع للدراسة ..
وذهبت باتجاه آخر وهو تعزيز قوات درع الجزيرة التي كانت موجودة منذ الثمانينيات بشكل متواضع ..
وكانت الأفكار العمانية في تأسيس جيش موحد تنطلق من مصلحة خليجية عامة وليست عمانية . فالمهدد كانت الكويت والسعودية وليست عمان ..
ولذا فإن السياق التاريخي لتسلسل تأكيد الرغبة العمانية لوحدة عسكرية وأمنية خليجية فيه الرد القاطع على اتهام عمان أنها تعطل المزيد من الاندماج في مجلس التعاون الخليجي ..
ولأن المظهر والمضمون غالباً ما يكونان ملتصقين فإن السلطنة تواكب السلطان في حرصه ورغبته في التطور ، وينعكس على جغرافيتها اهتمامه ومن هنا جاءت مسقط مدينة نظيفة بشكل يميزها عن مدن المنطقة والاقليم وقد فاقت نظافة المدن الأوروبية ..

من كتاب سلطنة وسلطان .. أمة وقائد السلطان قابوس بن سعيد / المؤلف سلطان الحطاب
يتبع الحلقة الثالثة عشر ..

شاهد أيضاً

الملك وأمير الكويت يؤكدان اعتزازهما بمستوى العلاقات بين البلدين

عروبة الإخباري – أكد جلالة الملك عبدالله الثاني والشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة …