تنعقد القمة العربية ” قمة تونس ” هذا العام في مرحلة انتقالية بين مرحلتين :
الاولى : الإستمرار في الضعف والانهيار .
الثانية : الخروج إلى مربع إثبات الذات وصولا إلى مربع القوة الفاعل .
بالطبع لكل مرحلة سماتها وتداعياتها ومتطلباتها ولا تتطلب جهدا لتشخيصها :
فالأولى : شاخصة أمامنا من ضعف وشرذمة وتبعية وشبه استسلام إن لم يكن استسلاما لإرادة قوى كبرى سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
هذه السمات والخصائص أدت إلى إيجاد هوة كبيرة بشكل عام “بل عدم الثقة” بين الأنظمة الرسمية ومواطنيها ، ارتأت فيها قوى إقليمية ودولية ثغرة تتيح لها اختراق الجبهات الداخلية للدول المستهدفة في محاولة لمد نفوذها وهيمنتها بل سيطرتها على مفاصل القرار لتحقيق مصالحها وامتيازاتها السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها.
الثانية : التي تهدف الوصول إلى مربع القوة الفاعلة فهذه تتطلب توفر عوامل عديدة هامة منها :
أولا : توفر الإرادة السياسية العليا لدى القادة العرب.
ثانيا : القابلية لتحمل تبعات القرار رسميا وشعبيا.
ثالثا : الاتفاق أو التوافق كحد أدنى على رؤية استراتيجية عربية مشتركة شاملة على كافة الأصعدة والمستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية وغيرها.
رابعا : تحديد أسس ومستوى العلاقات بأشكالها مع الدول والتكتلات العالمية وفق قربها وبعدها من المصالح العربية المشتركة وخاصة القضية الفلسطينية لما تمثله من مركزية للأمن القومي العربي.
خامسا : تأسيس قوة عسكرية عربية مشتركة تتولى الدفاع وحماية أمن واستقرار وسيادة الدول العربية من كافة المؤامرات والاخطار الإقليمية والدولية التي تتهددها تحت أي ذريعة.
سادسا : إعادة بناء وتعزيز الثقة مع الشعوب وفق استراتيجية تقوم على المواطنة والحكم الرشيد والمضي قدما نحو تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان .
سابعا : الإنتقال العملي والفعلي نحو ترسيخ التكامل الاقتصادي العربي المؤدي إلى رفع نسبة النمو الإجمالي وتخفيض نسب البطالة ومحاربة الفقر مما سيؤدي إلى مناعة الجبهات الداخلية وبناء سد منيع أمام الأطماع الخارجية.
ثامنا : البدء بتنفيذ القرارت الصادرة عن مؤسسة القمة العربية منذ النصف الثاني من القرن الماضي.
تاسعا : انهاء كافة اشكال النزاعات والاختلافات البينية العربية التي تعني بحدها الأدنى :
■ الإلتزام بعدم التعاون أو التحالف مع أي قوى إقليمية أو دولية تهدد الأمن العربي أو استقراره سواء على مستوى قطري أو إقليمي .
■ الامتناع عن التدخل بالشؤون الداخلية للدول الآخرى وما يعنيه ذلك من التوقف عن التعامل مع أو دعم قوى معارضة تسعى للتغيير بالقوة أو تهدف إلى الانفصال أو الإنقسام عن الوطن أو مرتبطة بقوى خارجية.
■ التصدي لكل مؤامرة تستهدف أمن ووحدة واستقرار اقطارنا العربية مهما كان مصدرها أو شكلها.
لذا فالتحدي أمام قمة تونس للقياس على مدى نجاعة مؤتمرات القمم العربية التي فقدت زخمها واهميتها لدى قطاعات واسعة من القوى السياسية والفكرية والشعبية على امتداد الوطن العربي الكبير نتيجة لاتخاذها نمطا تقليديا ولعدم ترجمة قراراتها الى واقع يلمسه المواطن العربي بشكل ينعكس على واقعه ايجابا .
لا زالت شرائح واسعة من مجتمعاتنا تتطلع إلى قمة تونس على أمل أن تدرك القيادات العربية أن أمنها ووحدتها الجغرافية وقوتها تكمن في توافقها وانفكاكها عن التبعية وإيمانها بما تملكه من أدوات قوة سياسية واقتصادية واستراتيجية ومالية اذا ما استحسن إستخدامها وتوظيفها لصالح قضايانا العربية قادرة على مواجهة واجهاض المؤامرات الخارجية.
صفقة القرن التي تشكل أخطر مؤامرة ليس على فلسطين وحسب بل على جميع الدول العربية التي تستهدف بالنهاية تقسيمها وتفتيتها على أسس مذهبية وعرقية وطائفية واتنية وإن ظن البعض غير ذلك معتمدا على ترامب أو مجرم الحرب نتنياهو فندعوهم لإعادة قراءة التاريخ وأخذ العبر.
الشعب العربي باغلبيته الساحقة يدعو القمة العربية أن لا تخيب آماله وان تستجيب لضميره بالعمل على مواجهة مؤامرة صفقة القرن عبر استخدام ادوات القوة التي نملكها في حال الاتفاق كتمرين حي وصولا إلى إجبار إدارة ترامب على التراجع عن مخططاته التي يسعى لفرضها على القيادة العربية سواء فيما يتعلق بفلسطين أو فيما يتعلق بسياسة الابتزاز المالي للدول الثرية تحت عنوان حمايته لها.
على ضوء ما تقدم فالقمة العربية التي تلتئم في تونس بعد أيام معنية ومدعوة للتصدي لصفعة القرن كما سماها الرئيس الفلسطيني محمود عباس عبر إتخاذ عدد من الإجراءات العملية ووضعها قيد التنفيذ حال إقرارها ومنها :
● العمل على توجيه إنذار لدولة الاحتلال الصهيوني يقضي بإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة إثر عدوان حزيران عام 1967 تنفيذا للقرارات الدولية وفق جدول زمني محدد كخطوة على تنفيذ قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 و 194.
● في حال إمعان القيادة الصهيونية العدوانية بتعنتها وعنجهيتها ورفضها إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة العمل على بناء جبهة دولية مساندة تعمل على طرد ” إسرائيل ” من عضوية الأمم المتحدة لرفضها إحترام وتنفيذ القرارات الدولية من حيث المبدأ ولعدم تنفيذها شرط قبول عضويتها بالأمم المتحدة بموجب قرار 273 القاضي بتنفيذ قرار التقسيم أي الإنسحاب إلى الحدود المنصوص عليها لاقامة الدولة العربية الفلسطينية بموجب القرار 181 وتنفيذ قرار 194 الخاص بتمكين اللاجئين الفلسطينيين العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948 على أيدي العصابات الصهيونية.
● دعوة الرئيس الأمريكي ترامب للعودة عن نهجه المنحاز للكيان الصهيوني العنصري العدواني والذي يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة ومع القرارات الدولية .
● قطع العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع الدول التي تدعم سياسة ترامب خدمة للمشروع الصهيوني المدعوم دعما مطلقا أمريكيا.
● التقدم إلى مجلس الأمن بمشروع الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني عملا بميثاق الأمم المتحدة وبالمواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية وتمكين الشعب الفلسطيني من اقامة دولته المستقلة وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181.
● تخفيض مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية إن لم يكن بالإمكان قطعها محليا اذا ما استمر التنكر للحقوق الفلسطينية والعربية والدعم اللامحدود للعدوان والاحتلال الإسرائيلي.
● تبني الاستراتيجية الفلسطينية التي عرضها الرئيس الفلسطيني السيد ابو مازن أمام مجلس الأمن في شهر شباط العام الماضي كمقدمة لانهاء الإحتلال وتصفية الاستعمار.
● تجميد العلاقات مع الكيان الصهيوني ووقف كافة أشكال التطبيع والاتصالات السرية والعلنية مع رمز وعنوان الإرهاب العالمي الذي يمثله الإحتلال.
هل هناك أمل بخوض هذا التمرين في مواجهة أعداء الأمن والاستقرار والتقدم والتطور العربي ؟
هل هناك أمل بتقييم المراحل السابقة وما آلت إليه من تردي وتراجع وتشرذم والتخطيط لتجاوز تلك المراحل دون الحاجة إلى التمترس حول مواقف سابقة بهدف الانتقال إلى مربع التوافق والوحدة والقوة حرصا على الأمن والمصالح العربية ؟
نعم لن نفقد الأمل ففقدان الأمل يعني الانهيار والتدمير والتشظي. …..فهلا لحقنا بقطار العالم الذي لا مكان فيه للضعيف. …؟ ؟ ! !
قمة تونس. …هل من أمل ؟ ؟ د فوزي علي السمهوري
11
المقالة السابقة