الموقف العماني من الملف السوري كما يراه الكثيرون، هو موقف كان ولا يزال محل احترام كبير، حيث ومنذ بداية الحرب اتخذ العُمانيون موقفا متوازنا في زمن تخلى عن فيه الكثيرون عن سوريا. الدور العماني، الملتزم بالحياد الإيجابي خلال الحرب السورية تمثل في الوقوف على مسافة واحدة من جميع أطراف النزاع، والسعي لإيجاد حلول سياسية وسلمية للأزمة..
يبدو أن الحرب التي فُرضت على سوريا منذ سبع سنوات تصل إلى النهاية بوتيرة بطيئة، وستنهض من جديد على المستويين الإقليمي والدولي. نقطة تحول مهمة وأساسية شهدها الموقف العربي تجاه الحكومة السورية في التاسع عشر من ديسمبر الماضي، حين أعلن الرئيس الأميركي سحب قوات بلاده من سوريا. أعادت دولة الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها في دمشق بعد سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية، ثم ما لبثت أن صرحت مملكة البحرين استمرار العمل في سفارتها بسوريا، واستقبل مطار الحبيب بورقيبة الدولي بتونس أول رحلة جوية قادمة من مطار دمشق الدولي بعد توقف دام لأكثر من سبع سنوات، كما أبدت الأردن استعدادها لإعلان عودة علاقاتها مع النظام السوري قريبا. وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل ومن خلال صفحته الرسمية عبر عن موقف بلاده حيال سوريا، حيث أكد أن لبنان في طليعة المطالبين بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، مشيرا إلى أن بيروت اعترضت من الأساس على تجميد عضوية سوريا في الجامعة. ومع هذه التطورات المهمة، تتجه الأنظار حاليا إلى موقف دول خليجية، الراعي الرسمي لقوات المعارضة خلال الحرب، والتي من المتوقع أن تقدم أيضا على إعادة علاقاتها مع سوريا وافتتاح سفارتها في دمشق خلال الفترة المقبلة.
أما سلطنة عمان، التي تستلهم سياستها الخارجية الهادئة من رؤية حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ كانت الدولة الخليجية الوحيدة التي أبقت سفارتها في دمشق مفتوحة طوال فترة الحرب.
كان وزراء الخارجية العرب قد اتخذوا في الثاني عشر من نوفمبر 2011 قرارًا بتعليق مشاركة سوريا في اجتماعات مجلس الجامعة مع فرض نظام عقوبات مشددة على دمشق من أجل شل اقتصادها، وبالتالي عزلها دوليًّا بتهمة “ارتكاب النظام مجزرة جماعية ضد الشعب الأعزل”. آنذاك، توقعت سوريا أن تقف عُمان ضد قرار التصويت على تعليق عضويتها، وبالرغم من أن السلطنة لم تتخذ هذا الموقف، إلا أنها رفضت قطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق. يأتي الموقف العماني تكملة لسياستها الخارجية المتوازنة والمستقلة التي تتميز بالحيادية على المستوى الدولي، حيث أضحت تمثل نموذجًا في الدبلوماسية الهادئة والرصينة على الصعيدين الإقليمي والدولي، تعمل على مد جسور التواصل لانطلاق حوار وتفاهم لنزع فتيل التوترات التي تسود المنطقة، بالقدر الذي تستطيعه.
الموقف العماني من الملف السوري كما يراه الكثيرون، هو موقف كان ولا يزال محل احترام كبير، حيث ومنذ بداية الحرب اتخذ العُمانيون موقفا متوازنا في زمن تخلى عن فيه الكثيرون عن سوريا. الدور العماني، الملتزم بالحياد الإيجابي خلال الحرب السورية تمثل في الوقوف على مسافة واحدة من جميع أطراف النزاع، والسعي لإيجاد حلول سياسية وسلمية للأزمة تحقن دماء السوريين وتجنب سوريا ويلات حرب قد تطول بنيرانها دون استثناء دول الجوار والإقليم. إن ذلك لم يكن مقتصرا على الحالة الرسمية أو الشعبية فقط، فحتى المتتبع للخط الإعلامي العماني في تناوله للأزمة السورية يقف احتراما لعدم تبنيه تشكيل اتجاهات، وصورة ذهنيـة سلبية عن سوريا أو السوريين عبر ربط السلوك السياسي للنظام بالأفعال المجرمة قانونا. إن مواقف السلطنة ومنهاج سياستها الثابت الذي لا يحيد بات واضحا للجميع حتى أصبحت مسقط تجمع الأضداد وتحظى بثقة جميع الأطراف السورية.
وفي معرض تقييمه للعلاقات المتواصلة مع السلطنة عبر مقابلة مع إحدى الصحف المحلية مؤخرا، سجل الرئيس السوري بشار الأسد “أن مسقط كما فعلت مع إيران بداية الثمانينيات، ومع العراق مطلع الألفية الجديدة لم تقطع أيضا علاقاتها مع سوريا خلال أحداث السنوات السبع الماضية، رغم القطيعة العربية والإقليمية والدولية، لأن لدى السلطنة فهما أعمق لما يحدث في سوريا وأبعاد الحرب الدولية التي شنت عليها، وما تعرضت له دمشق من أصناف التنظيمات والمسلحين، لذلك فهي تنتهج تعاطيا ثابتا لم يتغير وأداء تكتيكيا في الممارسة السياسية لأسباب عدة ولديها استقرار في هذه الرؤية، بعكس بعض السياسات التي تذهب إلى مسارات بعيدة عن الواقعية”.
نائب رئيس الوزراء ووزير الشؤون الخارجية والمغتربين السوري الذي زار السلطنة خلال شهر مارس المنصرم تلبية لدعوة من معالي يوسف بن علوي بن عبدالله، الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، أشاد بدوره بمواقف السلطنة الداعمة لسوريا في مختلف المحافل العربية والدولية، ومنذ اندلاع النزاع السوري قبل سبع سنوات. هي ثاني زيارة للمعلم تم الإعلان عنها إلى السلطنة منذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011 بعد زيارة مماثلة في العام 2015، ومباشرة بعد زيارته إلى طهران. ناقش المعلم مع المسؤولين في السلطنة تطورات الملف السوري والمنطقة وبما يعكس أهمية دور عمان كوسيط للسلم في سوريا منذ اندلاع أزمتها قبل 7 سنوات، حيث واصلت السلطنة العمل على تقريب وجهات النظر بين فرقاء المنطقة لإيجاد حل سياسي للوضع في سوريا. استعرض وليد المعلم أيضا مع صاحب السمو السيد أسعد بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثل الخاص لجلالة السلطان العلاقات الثنائية المتطورة وأهمية استمرار التواصل الوثيق بين البلدين، حيث أكد سموه أن “سوريا على حق والحق ينتصر دائما”، ومؤكدا “حرص عمان على وحدة وسيادة سوريا واستقرارها”. من الواضح أن الدولة السورية انتصرت وباتت مسألة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وشيكة للغاية.
إن التحول في سياسات الدول التي توقعت سقوطا وشيكا للنظام في سوريا اكتشفت خطأ رهاناتها السابقة، خصوصا وأن الرئيس بشار الأسد ما كان ليستمر رئيسا للجمهورية العربية السورية طيلة هذه السنوات ـ حتى مع وجود الدعم الخارجي ـ لولا وجود تأييد من الشعب العربي السوري الشقيق وراء قيادته للحفاظ على الأرض السورية.
وفي كلمة ألقاها خلال مشاركته في مؤتمر “حوار المتوسط” الدولي في العاصمة الإيطالية روما، حث وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف جامعة الدول العربية على إعادة العضوية لسوريا، مشيرا إلى أن سحب مقعدها من الجامعة يعتبر خطأ فادحا. وقال الوزير الروسي: إن جامعة الدول العربية يمكن أن تلعب دورا مهما جدا في دعم جهود التسوية السورية، ومضيفا: أعتقد أن سحب تلك المنظمة لعضوية سوريا كان خطأ كبيرا، ويبدو أن العالم العربي بات يعي الآن أهمية إعادة سوريا إلى أسرة الدول العربية.
تحظى عمان بحضور مؤثر وصوت مسموع لقيادتها عربيا ودوليا، حيث رسمت السلطنة تحت قيادة صاحب الجلالة ـ حفظه الله ورعاه ـ مسارا مستقلا ومتزنا في السياسة الخارجية جمع الأضداد على طاولة الحوار والمفاوضات. موقع “ستراتفورد” الأميركي، الذي يعنى بتحليل المعلومات الاستراتيجية وصف سلطنة عُمان وعاهلها المفدى بالقول: “تتمتع عمان بعلاقات دبلوماسية قوية مع الولايات المتحدة الأميركية، كما تربطها في الوقت نفسه علاقات جيدة مع السعودية وإيران، الدولتين اللتين لا يعرف أطرافهما سوى الولاء الكامل أو العداوة الكاملة.. السلطان قابوس “الوحيد”.. صديق الكل وعدو لا أحد.. حافظ لعمان على دور ريادي في المنطقة يجنبها الصراعات؛ هو دور الوسيط الذي يملك علاقات جيدة مع كل دول العالم، لا ينحاز لطرف على حساب الآخر أبدا.
مقابلة معالي يوسف بن علوي بن عبدالله، الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، التي أجراها مع قناة “سي إن إن” الأميركية سنة 2015 لخصت سر النجاح الذي حققته الدبلوماسية العمانية في إدارة السياسة الخارجية والتعاطي مع الأزمات المتعددة حيث قال: “نحن لا ننحاز إلى هذا الجانب أو ذاك، بل نحاول أن ننقل لكلا الطرفين ما نعتقد أنه جيد لكليهما”.