كانت للمرأة تاريخيّاً مكانة دونية في مختلف العصور والأزمان، وتم تكريس هذه الدونية تاليا في مختلف العقائد، مع تفاوت وفروق بسيطة بين هذه وتلك.
يعتقد اليهود والمسيحيون بقدسية ما بين أيديهم من كتب دينية، وامتلك رجال الديانتين، وغيرهم من قادة الاتباع العقائد الأخرى، مرونة أكبر في تطويع النصوص وتبديلها بأخرى أشد وأقسى أو أكثر تسامحاً، حسب ظروف كل زمان، وإن كانت عملية التطويع والتغيير بطيئة في الغالب. فعلى سبيل المثال، قام مجمع الفاتيكان الثاني سنة 1962 بالموافقة على حدث تاريخي يخص الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، حيث سمح بحرية العقيدة لجميع العقائد والمذاهب من دون استثناء، وبهذا تنازلت في النهاية للسلطة الدنيوية بما كانت تتمسّك به لنفسها من سلطان مطلق على الشعوب الأوروبية طوال قرون عديدة.
كما اضطرت كنائس عدة، ومنها الإنجيلية، الى السماح للمرأة بأن تقوم بأعمال الكاهن أو قس كنيسة والقيام بكل الطقوس الكنسية من صلاة وعقد قران وتعميد، وهذا ما لم يكن متخيّلا تصوّره قبل نصف قرن مثلا، وحدث كل ذلك ليس للمكانة التي اكتسبتها المرأة في المجتمعات المتقدمة فقط، بل بسبب عزوف الرجال عن المهن الكنسية أيضاً.
إن سعي المجتمعات الأوروبية لحصول جميع مكونات الأمة على حرياتها الدينية والسياسية، التي بدأت مع كتاب سبينوزا، «رسالة في اللاهوت والسياسة» 1670م، وصولا للعصر الحديث، لم يتوقّف يوما على مدى ثلاثة قرون، تخللها كفاح متواصل من أجل الحرية وتغيير مجرى الحضارة من الدين إلى الدنيا، وما يعنيه ذلك من مصاعب وتضحيات لم تكن سهلة يوما، وكيف أن العلمانية والعقلانية، كما يقول الزميل عبدالجواد محمد، ليستا مجرد كلمات، وإنما هما عملية تراكم معرفي بديل جاد وموصول بين الأجيال على مستويات الأدب والفكر والسياسة والاقتصاد، وسائر المجالات الأخرى، كما أنه ليس محدداً بالفترة الزمنية الاوروبية، وإنما بمدى عمق عملية التراكم المعرفي البديل وجدواها. فمجتمعات مثل المجتمعات الآسيوية حقّقت مثل هذا الانتقال الحضاري في فترة أقل، بينما ما زالت المجتمعات اللاتينية تقف في منتصف الطريق، أما مجتمعاتنا فما زالت تدور وتلف حول نفسها.
نقول كل ذلك تعليقا على خبر صدور فتوى شرعية في المغرب تجيز لوزارة العدل السماح لـ 299 امرأة بممارسة مهنة «المأذون الشرعي»، وهي المهنة التي بقيت قرونا حكراً على الرجال، حيث سيتضمن عملهن الشهادة على صحة عقود الزواج والميراث والمعاملات التجارية والمدنية، وبالتالي سيلغي أداء هذه الوظيفة قواعد عدة في ما يتعلّق بقوة شهادتها، علما بأن الفائزات تنافسن مع 19 ألف مرشّح آخرين، من رجال ونساء، ولهذا العدد دلالاته على جدية الأمر وما يمثله من مؤشر على الرغبة في تغيير المفاهيم القديمة إلى أخرى مواكبة أكثر للعصر وللدولة المدنية.
وفي جانب آخر، قبل البابا فرنسيس قبل فترة استقالة كاردينال واشنطن القوي ماك كاريك، والطلب منه أداء الصلاة بقية حياته ككفّارة عن ذنوبه بعد اتهامات بالاعتداء الجنسي على قاصرين وبالغين، وعلى مدى عقدين، وهذه أول مرة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية يقدم فيها رجل دين بهذه الرتبة العالية، وكان يوما مرشّحا للبابوية، استقالته بسبب مثل هذه الاتهامات المشينة.
ما يسر أنه ليس في الإسلام نظام تطويب، ولو كان معمولا به لأصبح الكثيرون قديسين، ومنهم محمد متولي الشعراوي، الذي خاطب يوم 20 مارس 1978 الرئيس المؤمن أنور السادات في مجلس الشعب، قائلاً: «والذي نفسي بيده لو كان لي من الأمر شيء لحكمتُ لهذا الرجل بأن يرفع إلى قمة، لا يُسأل فيها عمّا يفعل»!
القساوسة والشعراوي / أحمد الصراف
8
المقالة السابقة