كتب الدكتور جواد العناني
تنص المادة (53) من الدستور الأردني في الفقرة الثالثة منه على أنه ‘يترتب على كل وزارة تؤلف أن تتقدم ببيانها الوزاري إلى مجلس النواب خلال شهر واحد من تاريخ تأليفها إذا كان المجلس منعقدا، وأن تطلب الثقة على ذلك البيان’، وفي كل الفقرات اللاحقة منه وحتى الفقرة الخامسة التي نصت على أن الثقة تطرح في كل الحالات على أساس البيان الوزاري.
وتنص الفقرة السادسة على أنه’ لأغراض الفقرات (3) و(4) و(5) من نفس المادة (53)، تحصل الوزارة على الثقة إذا صوتت لصالحها الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب’.
وتنص الفقرة الثانية من المادة (54) من الدستور على أنه ‘إذا قرر المجلس عدم الثقة بالوزارة بالأكثرية المطلقة من مجموع عدد أعضائه وجب عليها أن تستقيل’.
وانطلاقا مما نصت عليه النصوص الدستورية أعلاه، يتضح أن المبادئ التالية هي التي تحدد بقاء الحكومة من وجوب استقالتها، أولا :هو أن الثقة في الحكومة تمنح على أساس بيانها الوزاري، الثاني: أن الثقة تحصل فقط إذا صوتت الأغلبية المطلقة أو (66) نائبا على الثقة بالحكومة، ثالثا: أن الحكومة التي تحصل بموجب الدستور في ضوء عدد أعضاء مجلس النواب الحالي على أقل من (66) صوتا ولو بصوت واحد يجب أن تقدم استقالتها فورا.
وفي دراسة تعود ملكيتها إلى منتدى الاستراتيجيات الأردني والذي كان يرأسه رئيس الوزراء الحالي الدكتور عمر الرزاز، تعرّف الموازنة العامة بأنها أهم وثيقة تعبر عن سياسة الدولة المالية وإحدى أهم وثائق الدولة في أي بلد’، فالموازنة العامة ليست مجرد أرقام، بل هي تقديرات وحسابات علمية دقيقة مبنية على افتراضات سليمة ومنطقية تقود الحكومة من خلالها إدارة البلاد وعملية التنمية، فتلك الوثيقة المحورية هي من العوامل الرئيسية لقيادة أية انجازات وعقبات تنموية بحيث يتطور مفهوم الدولة لتصبح دولة منتجة.
وفي التعريفات المتفق عليها دوليا، فإن الموازنة العامة في مصر على سبيل المثال تعرّف بأنها ‘بيان تفصيلي يوضح تقديرات إيرادات الدولة ومصروفاتها مُعبَّرا عنه في صورة وحدات نقدية تعكس في مضمونها خطة الدولة لسنة مقبلة’
ولو قدم في هذا البيان مئة تعريف مختلف – لفظاً – إلا أن مفهوم الموازنة في مضمونه متشابها؛ فهي مجموعة أرقام مجمعة تعكس خطة عمل الوزارة في تنفيذ بيانها الوزاري.
وحتى عِلمُ الاقتصاد نفسه بدأ باسم ‘الحساب السياسي’، حيث أطلق على الاقتصاد اسم أوسع هو ‘الاقتصاد السياسي’ وبقي هذا الاسم معتمدا حتى وقت قريب.
خلاصة القول، أن الموازنة العامة للدولة هي تنفيذ لسياسيات وبرامج البيان الوزاري الذي نالت الحكومة بموجبه ثقة مجلس النواب بأكثرية أعضائه.
و تعتبر القوانين ‘مقبولة’ لدى مجلس النواب إذا وافق عليها أكثرية أعضائه الحاضرين بشرط توفر النصاب القانوني، والنصاب القانوني هو نصف عدد أعضاء المجلس زائد واحد أو 66 عضوا في مجلس النواب الحالي، وبمعنى آخر إذا كان الحضور بحده الأدنى هو (66) فإن أي قانون يعتبر مقبولا اذا صوت عليه (34) عضوا فقط.
ولكن السؤال الذي أثيره هنا هو ‘ إذا كانت الموازنة العامة هي تنفيذ للبيان الحكومي، فكيف نجعله مقبولا بأغلبية 66 صوتا – أي نصف عدد أعضاء المجلس زائد واحد- بينما تكون الموازنة العامة او الوثيقة الأهم في تنفيذ ذلك البيان مقبولا بحد أدنى بأربعة وثلاثين صوتا فقط؟ ‘ ، ومن هنا أرى أن هناك تباينا كبيرا يثير الشبهة في ان يكون قانون الموازنة مقبولا من حيث الحساب بربع أصوات المجلس.
وحيث أن إقرار مشروع قانون الموازنة العامة هو إقرار لسياسة الحكومة لمدة عام، وعنصرا أساسيا لا يستغنى عنه في تنفيذ البيان الحكومي فإن أي تصويت عليه دون نصف أعضاء المجلس يعتبر طعنا واضحا في الثقة بالحكومة ودليلا قاطعا على أن الشعب غير راض عنها ولا عن برامجها.
وحيث أن نتيجة التصويت على مشروع قانون الموازنة لعام 2019 لم ينل سوى (60) صوتا حسب الطريقة التي عدت بها الأصوات الموافقة وهو اقل من 66 صوتا فإن الحكومة في رأيي قد فقدت الثقة وفقا لروح الدستور.