عروبة الإخباري – أطلقت الشرطة الفرنسية الغاز المسيل للدموع واعتقلت المئات في باريس السبت بينما أغلقت أبرز معالم العاصمة مع خروج تظاهرات جديدة نظمتها حركة “السترات الصفراء” ضد الرئيس إيمانويل ماكرون.
وأطلق الغاز المسيل للدموع وسط هتافات “ماكرون، تنحى” قرب جادة الشانزيليزيه، التي شهدت السبت الماضي أسوأ أعمال شغب في باريس منذ عقود.
وقال سائق شاحنة عرف عن نفسه باسم داني إنه يخطط كغيره للسير باتجاه القصر الرئاسي للتعبير عن غضبه حيال ماكرون المتهم بمحاباة الأغنياء.
وأضاف السائق البالغ من العمر 30 عاما الذي قدم إلى باريس من ميناء كيان في نورماندي “أنا هنا من أجل ابني. لا يمكنني تركه يعيش في بلد حيث يستغل الفقراء”.
وبدأ الحراك في 17 تشرين الثاني/نوفمبر بإغلاق الشوارع للاحتجاج على ارتفاع أسعار الوقود قبل أن يتفاقم ليتحول إلى حراك واسع ضد سياسات ماكرون.
وخرجت تظاهرات منسقة نظمتها حركة “السترات الصفراء” في أنحاء البلاد السبت بما في ذلك في عدة طرقات سريعة حيث تسببت بتعطيل حركة السير.
وأعلن رئيس الوزراء إدوار فيليب أنه تم اعتقال 481 شخصا في باريس في وقت نفذت الشرطة عمليات تفتيش استهدفت من يصلون إلى محطات القطارات وفي المواقع التي تركزت فيها الاحتجاجات على غرار الشانزيليزيه ونصب الباستيل.
وبين المعتقلين عشرات تم توقيفهم بعدما عثرت السلطات بحوزتهم على أقنعة ومطارق ومقاليع وحجارة يمكن استخدامها لمهاجمة الشرطة.
وتم إغلاق متاجر ومتاحف وبرج إيفل إلى جانب العديد من محطات القطارات ومعظم المناطق الواقعة وسط المدينة بينما ألغيت مباريات كرة قدم وحفلات موسيقية.
وهزت فرنسا أعمال عنف وقعت نهاية الأسبوع الماضي وشهدت إحراق مئتي سيارة وتخريب قوس النصر وزجّت بحكومة ماكرون في أسوأ أزمة تواجهها حتى الآن.
وقال وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير إن “الأسابيع الثلاثة الأخيرة شهدت ولادة وحش خرج عن السيطرة” متعهدا أن السلطات الفرنسية “لن تتهاون” مع الأشخاص الذين يحاولون التسبب بمزيد من الفوضى.
وليل الجمعة، التقى فيليب وفدا من مجموعة وصفت نفسها بـ”المعتدلة” ضمن حركة “السترات الصفراء” والتي حثت الناس على عدم الانضمام إلى التظاهرات.
وقال أحد المتحدثين باسم الحركة كريستوف شالينسون إنّ رئيس الوزراء “استمع إلينا ووعد برفع مطالبنا إلى رئيس الجمهورية. الآن نحن ننتظر ماكرون”. وعبر عن أمله في أن يتحدث الرئيس “إلى الشعب الفرنسي كأب، بحب واحترام، وأن يتّخذ قرارات قويّة”.
بدوره، أعلن فيليب أنه تم نشر نحو 89 ألف عنصر شرطة في أنحاء البلاد بينهم 8000 في باريس حيث تم نشر عشرات العربات المدرعة لأول مرة منذ عقود.
ووضعت المتاجر في محيط الشانزيليزيه ألواحا خشبية على واجهاتها وأفرغت البضائع الجمعة بينما تم إغلاق متحفي اللوفر وأورسي وغيرهما.
وأغلقت كذلك المتاجر الكبرى أبوابها خشية تعرضها إلى نهب في نهاية أسبوع تسبق عطلة عيد الميلاد وكانت لتشهد حركة بيع واسعة في الأحوال العادية.
بدورها، ترصد الحكومات الأجنبية الأوضاع عن كثب في إحدى مدن العالم الأكثر رواجا في أوساط السياح.
وأصدرت السفارة الأميركية تحذيرا لمواطنيها في باريس داعية إياهم إلى “تفادي الظهور وتجنب التجمعات”، فيما حضت الحكومات البلجيكية والبرتغالية والتشيكية مواطنيها الذين ينوون التوجه إلى باريس على تأجيل سفرهم.
وفي مؤشر الى العنف الوشيك، تسلم بينوا بوتيري، وهو نائب في البرلمان عن حزب ماكرون، رصاصة بالبريد الجمعة أرفقت برسالة كتب عليها “في المرة المقبلة، ستكون بين عينيك”.
ورضخ ماكرون هذا الأسبوع لبعض مطالب المحتجين عبر إجراءات لمساعدة الفقراء والطبقة المتوسطة التي تعاني من صعوبات معيشية تضمنت إلغاء الزيادة التي كانت مرتقبة في الضرائب على الوقود والحفاظ على أسعار الكهرباء والغاز في 2019.
لكن ناشطي “السترات الصفراء”، الذين ارتفع منسوب التشدد في أوساط بعضهم، يطالبون بمزيد من الاجراءات.
واتسع الحراك فخرجت تظاهرات في عشرات المدارس للاعتراض على إصلاحات تتعلق بدخول الجامعات بينما دعا مزارعون إلى تظاهرات الأسبوع المقبل.
وفي مسعى للاستفادة من التحرك، دعت نقابة “سي جي تي” إلى إضرابات في صفوف عمال السكك الحديد والمترو الجمعة المقبل للمطالبة بزيادة فورية للرواتب والمعاشات التقاعدية.
ويحتج المتظاهرون بشكل خاص كذلك على القرار الذي أصدره ماكرون في بداية عهده الرئاسي بخفض الضرائب على الأغنياء في فرنسا.
وكان المصرفي السابق استبعد إعادة فرض “الضريبة على الثروة” مشيرا إلى أن إلغاءها ضروري لتعزيز الاستثمارات وخلق فرص العمل.
ويعارض المحتجون سياسات ماكرون الذي أدلى بسلسلة من التصريحات اعتبرت مجحفة بحق العمال العاديين، ما دفع الكثيرين الى أن يطلقوا عليه لقب “رئيس الأغنياء”.
وكان الرئيس تعهد مواصلة مسعاه لإحداث تغييرات عميقة في الاقتصاد الفرنسي وعدم الانصياع إلى التظاهرات الشعبية الواسعة التي أذعن لها رؤساء سابقون.
لكن التراجع عن زيادة ضرائب الوقود التي يفترض أن تمضي بفرنسا في مسار التحول إلى اقتصاد صديق للبيئة، يعد هزيمة أساسية بالنسبة للرئيس الوسطي.