دون تحريض رخيص ضد احد، لابد من تشكيل لجنة جديدة، للتحقيق في فاجعة البحر الميت، من خارج الحكومة الحالية.
لا يعقل ان تحقق الحكومة مع نفسها، في قضية تخصها مباشرة، ولا يعقل أيضا، ان نتوقع ان يخرج مسؤولون ليعترفوا بمسؤوليتهم، او مسؤولية الحكومات السابقة، من حيث تفاصيل كثيرة، تتعلق بكل ما في الاداء الحكومي، من نقاط ضعف وثغرات.
تشكيل لجنة حكومية، هو بمثابة تبرئة مسبقة، للحكومات، إزاء هذا الملف، ونحن هنا، لا نستهدف شخوصا، فلا ثأر بيننا وبينهم، انما نتحدث عن جسم الحكومة ودورها، باعتبارها سلطة تنفيذية، خاضعة للمساءلة.
من المريع حقا، ما نراه من تراشق بالاتهامات، فهكذا ازمة لا تدار بهذه الذهنية، حين نرى الحكومة تتهم المدرسة، وتهدد بإغلاقها، برغم ان فيها الف طالب، او اقل، فيتم التخطيط لتشريد هؤلاء بعد مرور شهور من بدء العام الدراسي.
اين مسؤولية الجهات الرسمية، من وقف الرحلات أساسا صباح ذلك اليوم، وأين هو نظام الإنذار، الذي يستند الى الأرصاد او التحذيرات، ولو كان موجودا او فاعلا، لتم في اليوم الذي سبق الرحلة، الغاء كل الرحلات، وابلاغ المدارس بعدم تسيير أي رحلات، وأين هي مسؤولية الأرصاد الجوية، بغير التحذيرات المعتادة، التي سمعناها طوال عقود، واين هي مسؤولية الشركة التي ادارت الرحلة، في ذلك الموقع الحساس، اين هي رقابة وزارة التربية والتعليم، اين هي مسؤولية كل الجهات التي يمكن الحديث عنها هنا اليوم، دون البحث عن كبش فداء، لذبحه واسكات الرأي العام؟.
لا يمكن للمسؤولية ان تكون حصرية او فردية، واذا كانت هناك مسؤوليات فهي تتوزع على جهات عديدة، اما التمهيد لتوجيه الاتهام الى طرف واحد، نيابة عن البقية، فهذا امر لن يتم قبوله، ولن ينطلي على احد.
لابد من إعادة تشكيل اللجنة، من خارج الحكومة، ومن خبراء على صلة بالازمات وبهكذا ملفات، ولابأس من اللجوء الى خبراء عاملين او متقاعدين، من خارج الجهات التي لها مصلحة، بابعاد الاتهامات عن ذاتها، او لها مصلحة بتوجيه الاتهامات نحو نقطة معينة، وهذا هو الحد الأدنى لمصداقية اللجنة، ولتقريرها الذي سوف يصدر، حتى لا يتم الطعن فيه، وفي دوافعه لاحقا.
من ناحية أخرى ، فإن قوة الامطار، والسيول، كان بإمكانها ان تتسبب بأضرار حتى بعيدا عن موقع الطلبة، بما يعنيه ذلك من ظروف قاهرة، اكبر من الجميع، وهذا امر يتوجب الانتباه له، وقد رأينا في دول كثيرة في العالم، كوارث طبيعية ، لاتبقي ولاتذر، ولاتصمد امامها تحذيرات، ولا احتياطات، ولابنى تحتية، ولا محاولات لمواجهة الظرف، خصوصا، حين تأتي بشكل سريع وقوي ومتلاحق، يعجز الانسان عن مواجهته، وهذا ما يمكن وصفه بكون الكارثة اكبر من المعالجة الانية.
لابد ان يشار هنا، الى نقطة أخرى هامة، تتعلق بذوي الشهداء، وجراحهم وآلامهم، ومن ناحية أخلاقية، فلا يجوز اخضاعهم اليوم، للتوظيف السياسي، في هكذا فاجعة، من حيث سعي كثرة، لتوظيف الفاجعة، من اجل تصفية الحسابات سواء مع الحكومة او أي مؤسسة، او المدرسة، او لتصنيع ازمة في الداخل، وما يمكن قوله، ان خسارتهم لا تعوضها كل البيانات وبرقيات التضامن، ولا محاولات البحث عن شعبية، في ظل خسارتهم المؤلمة، وهي خسارتنا نحن أيضا.
لقد صدق من قال هنا، ان الشهداء عشرين شخصا، فيما الجرحى، هم ملايين الأردنيين وكل من تأثر بسبب هذه المأساة.