هذا هو الأردن…
يخرج الآلاف منذ أيام في محافظات الأردن الحبيب للتعبير عن رفضهم لسياسة الغلاء والإفقار للمواطن، وما تنوي حكومة رئيس الوزراء (الملقي) من فرضه على جيوبهم من ضريبة إضافية من خلال إجراء تعديلات خطيرة على ضريبة الدخل، وتقديم كلّ أردني بالغ ما يسمى بالإقرار الضريبي حيث تبلغ تكلفة رسوم هذه المعاملة في حدها الأدنى ثلاثين ديناراً على كلّ فرد، حتى لو كان مسناً أو مريضاً أو حتى عاطلاً عن العمل، وهذا ما ينطبق على قرابة خمسة ملايين مواطن تقريباً، غالبيتهم من الطبقة الفقيرة بل المسحوقة.
نعلم أنّ الأردن يتعرض لضغوط عالمية وعربية كبيرة في ظلّ ما يعرف بصفقة القرن التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية خاصة ملف القدس، والأردن بما أنّه عنصر أساس في الحل، فبلا شك هو كذلك في الأزمة، التي لابدّ أن تناله جراء تعنته في هذا الملف تحديداً، وفقاً للدور الهاشمي التاريخي له في هذا الجانب، والذي بات لا يتوافق مع ما تراه أمريكا ترامب ومن يساندها من دول الخليج، خاصة سعودية آل سلمان، وبلا شك المحتل الصهيوني (العدو الأكبر والإستراتيجي لنا) الذي أقام على أرضنا فلسطين دولته المصطنعة (إسرائيل).
والأردن يواجه محاولات التغول المبطن على سيادته وسياسته من خلال ممارسة المزيد من الضغوط الاقتصادية عليه قيادة وشعباً من خلال تقليص المساعدات الدولية المقدّمة له، بما يتوافق زيادة أو نقصاناً مع حجم تنازلاته، وهذا ما شكّل تحدّياً كبيراً في ممارسته لحقه في السيادة على قراره السياسي والاقتصادي، الذي للأسف تراجع نوعاً ما منذ اتفاقية وادي عربة، وافتتاح سفارة للعدو الصهيوني (سفارة إسرائيل) في عاصمتنا الغالية الطاهرة عمّان، وعمّان أمّنا، كانت وستبقى وسنبقى نحبّها، ونحرص على جماليات وجهها وما فيها من روح متمثلة بالتراب والأرصفة والطرقات والمؤسسات والممتلكات العامة والخاصة، شأنها في ذلك شأن بقية المحافظات التي تشكل بفسيفسائيتها الجميلة أردننا الغالي من الشمال إلى الجنوب، والذي علينا أن نصون كرامته ومقدراته، والذي تعرف قيادته أنّنا فداء له جيشاً وشعباً، وأنّنا ضحينا بالكثير من أجله وأجل رقيه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ورياضياً وثقافياً وحضارياً، ولذا علينا جميعاً أن نتذكر أنّنا كلّنا في خندق واحد، وكيف لا ومن يقف قبالتنا في الاعتصامات والمظاهرات هم أبناؤنا وإخواننا من قوات الشرطة والدرك، الذين يعانون ما نعاني من شظف العيش وضغوطات الحياة، نتقاسم معهم الوقوف والقلق وكذلك السهر والسحور، ولكنّهم يقومون بواجبهم الوطني، كما نمارس نحن أيضاً حقنا الدستوري في الاضراب والاعتصام والتظاهر وحرية التعبير عن الرأي التي كفلها الدستور الأردني المعدل عام ٢٠١١ في مادته الخامسة عشرة، وهذا ما يوجب علينا أن نمارسه بكلّ ديمقراطية ونبل ورقي، بعيداً عن التخريب والتكسير ومظاهر العنف المختلفة، التي غالباً ما يمارسها فتيان مندفعون في مطلع العمر يفتقدون إلى الخبرة والحكمة والحنكة وكذلك الإرشاد والقدوة والرؤيا.
الحكومات المتعاقبة سعت إلى إخراج الأردن من أزماته الاقتصادية، والمواطن كان على الدوام كبش الفداء، ولكن ليس هنا المعضلة، المعضلة -بعد أكثر من عقد من الاصلاحات التي تبلورت سياسياً واقتصادياً واجتماعياً- هي فقد الثقة بين المواطن ورؤساء حكومات الوطن ووزراء سابقين وحاليين، ومجلس نواب عقيم، يقومون بعملهم وكأنّه مكسب شخصي لهم، لا واجب وطني عندهم، محقّقين بذلك مصالحهم أولاً ومكاسبهم الشخصية الضيقة بعيداً عن الرؤى العميقة والإستراتيجات العملية والتخطيط الناجح، وهذا ما خلق حالة من الفساد تقدر بمئات الملايين من الدنانير نهبها عشرات الأفراد فقط خلال عقد من الزمان، كانت الأردن من خلاله قادرة على سدّ عجزها والتخفيف من وطأة الميزانية وقساوة تزايد المديونية، بعد أن سُرقَتْ هذه الأموال من خزينة الدولة من فوق ومن تحت الطاولة، وعبر التفاف على القانون بذريعة المشاريع والاتفاقيات الاقتصادية الضخمة، التي أدت إلى خصخصة ثروات البلاد، وافتقاده لأهم موارده الاقتصادية العامة التي لم يبقَ منها سوى هؤلاء العباد، ليخضع حتى المواطن الأردني للأسف في هذه المرحلة الحرجة الشحيحة للبيع والشراء والاستغلال وفق إملاءات صندوق النقد الدولي التي تقبل بها الحكومة ويرفضها الشعب الأردني الحرّ الكريم، الذي يحترم نفسه ويعرف حقّه، وبالتالي لن يفرط به، بعد أن امتلك زمام المبادرة وأصبح الأقدر على قيادة الشارع، وصناعة الحدث وتشكيله والدفاع عنه من خلال أسلحته المدنية المشروعة من إضراب واعتصام وهتاف وغير ذلك، وبلا شك هو يدرك واجبه المتمثل بأن يصون وطنه ومقدراته، وهو الذي عليه أيضاً أكثر من أي جهة أخرى أن يحرص على سلامته وأمنه.