أول من أمس الأربعاء، كان يوما مختلفا في تاريخ العلاقة بين الدولة والمجتمع. فبعد أن قامت الحكومة بإعداد مسودة قانون الضريبة وأعلنت عن المسوغات التي دفعت بها إلى تعديله، سارعت القطاعات الصناعية والزراعية والروابط المهنية والنقابات والمنظمات الأهلية والمنتديات الى تناول القانون وتبعاته وآثاره الاقتصادية والاجتماعية بالتحليل لتصل غالبيتها العظمى إلى استنتاج واحد يتمحور حول وجود آثار سلبية للقانون المقترح على الاستثمار والنمو الاقتصادي ومستوى معيشة الأفراد والأسر.
المشروع الجديد الذي يستلزم كل من تجاوز الثامنة عشرة بتقديم إقرار ضريبي ويعاقب من يتأخر عن ذلك، كما تنص المادة 22 من مشروع القانون، شكل مصدرا لقلق الجميع الذين شعروا أن في ذلك تحولا في نظرة الدولة للفرد، خصوصا مع وجود مئات آلاف الشباب العاطلين عن العمل أو من هم على مقاعد الدراسة وفي مراحل الإعداد.
اللغة والروح اللتان أعد فيهما مشروع القانون، والطريقة التي تم فيها عرضه وتقديمه، والخطاب التوضيحي لمسوغات التعديل وشخوص القائمين على رعاية المشروع والتمهيد له، عوامل أساسية في توليد حالة الرفض الشعبي والنقابي والإعلامي التي سادت خلال الأسبوع الماضي.
لا أحد ينكر وجود تهرب ضريبي على نطاق واسع، والكل يعلم أن هناك مئات الأطباء والمحامين والشركات والمصانع والتجار الذين يفوتون على الخزينة مئات ملايين الدنانير بسبب تكتيكات التهرب الضريبي التي يتواطؤون في تنفيذها مع عشرات العاملين في الدوائر والمؤسسات الرقابية المعنية بتحصيل هذه الأموال. والكل يدرك أهمية العمل على إصلاح هذه الاختلالات من خلال حملات تتوجه لتطهير الأجهزة الرسمية من الفاسدين والكشف عن كل هذه الشبكات وتخليص المؤسسات والمجتمع من ممارساتها التي تعكس نفسها على صورة المؤسسات وعدالة القوانين وتمنح المبررات للآخرين للتهرب أسوة بالفئات التي تحظى بالدعم والتغاضي.
استخدام المواطنين حقهم في التعبير عن رفضهم لمشروع القانون بالطريقة المنظمة التي حدثت يوم الأربعاء، ظاهرة حضارية لكنها لا تحل المشكلة. الأردنيون جميعا تواقون إلى إصلاح شامل لا يقتصر على قانون هنا وتسعيرة هناك. الكثير من الناس يتمنون أن يقوم مجلس نوابهم بأدواره في التعبير الصادق عن الإرادة الشعبية. والكل في الأردن يحلم بأن يرى حكومته قادرة على النهوض بمسؤولياتها في بسط الهيبة والحفاظ على الأمن وتقديم الخدمة وتنظيم شؤون المجتمع وتحقيق النمو.
في الأردن، لا يختلف أحد مع توجه الدولة لتبني سياسة الاعتماد على الذات، لكنهم لا يرون أن ذلك يقتصر على تحميل المواطن تبعات الإنفاق فقط. بالنسبة للأردنيين هناك تطلع إلى أن يحل الأردن في المكانة التي يستحقها وتليق به ورسالته ودوره سواء كان ذلك في النظام العربي أو بين دول وشعوب العالم.
الشباب الأردني يتطلع إلى سياسة الاعتماد على الذات باعتبارها منهجا جديدا يوفر فرص عمل من خلال مشاريع تنموية مستدامة تستثمر مكانة وموقع الأردن. وبالنسبة للإنسان الأردني يعني الاعتماد على الذات التوسع في برامج تطوير المصادر الطبيعية وتوليد الكهرباء وإتاحة فرص المنافسة والاستثمار ورفع القيود على حفر الآبار، خصوصا في المناطق الحدودية ومنح تسهيلات أوسع للشباب الأردني في الاستثمار وتأسيس الأعمال.
النظرة للإضراب باعتباره انتصارا لإرادة الجماهير على الإملاءات الدولية تحقق للأفراد شيئا من النشوة، لكنها تتضمن الكثير من القلق الناتج عن وجود أزمة عميقة وحقيقية.
الأزمة التي تواجهنا متعددة الأبعاد، فهي تعبر عن وجود سياسات غير شعبية وتباين في الأولويات واختلاف في التفكير وتنوع في لغة الخطاب الذي تستخدمه الحكومة ويفهمه الشعب.
الناس اليوم يطالبون بشفافية أكثر وإصلاح إداري وحزم في محاسبة من يعيشون فوق القانون وتطهير لبؤر الفساد والإرهاب كشروط مسبقة للإصراح الضريبي. وبالتزامن مع إقرار التشريع الجديد، لا بد أن يعرف الناس كيف ومتى وعلى ماذا تنفق الأموال وجودة الإنفاق وآليات إقراره. بدون ذلك ستبقى أزمة الثقة تتعاظم وسيخيم الخوف والقلق على أجواء العلاقة بين الدولة والمجتمع وتنظيماته المختلفة.
الضريبة والإضراب والإصلاح/د.صبري اربيحات
9
المقالة السابقة