الحرب على أراضى سوريا ليست من أجل الحرية، ولا حماية الشعب السورى من التسلط والسلاح الكيماوى، لكنها حرب نفوذ تدور بالوكالة، تديرها الدول الكبرى وأجهزة استخباراتها، ويشارك فيها جواسيس وميليشيات، وممثلون ومخرجون، وفى كثير من الأحيان تسقط الحواجز بين الواقع والتمثيل، تنظيمات مسلحة تلعب كل منها دورا فى فيلم طويل يبدو سخيفا من كثرة تكرار مشاهده، ومنصات دعاية وإعلام تمارس الضخ المستمر لخدمة وجهة نظر مموليها وشركائها، ويتداخل الاستخبارى بالدعائى، ولكل طرف منصاته وأدواته وميليشياته.
وبينما تدق طبول الحرب فى العالم الافتراضى على تويتر، بين الرئيس الأمريكى ترامب والمسؤولين الروس تتحرك القطع الحربية على رقعة الشطرنج بالشرق الأوسط، وتتنقل الاتهامات والصراعات حول الكيماوى من بريطانيا إلى دمشق مع أنباء واتهامات باستعمال السلاح الكيماوى فى دوما.
وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف قال إن موسكو تملك أدلة دامغة على أن الكيماوى المزعوم فى دوما، مسرحية تقف وراءها مخابرات إحدى الدول المنخرطة فى الحملة المضادة لروسيا.
لافروف لم يحدد الجهة الاستخبارية التى تخرج المسرحيات، لكن يبدو أنه يشير إلى الاستخبارات البريطانية التى بدأت الحرب على أراضيها واتهمت روسيا بمحاولة اغتيال الجاسوس الروسى المزدوج سيرجى سكريبال. وبعد احتشاد أوروبا وتبادل طرد الدبلوماسيين، واصلت روسيا التشكيك فى أدلة بريطانيا، ثم فجأة خفتت حدة الكيماوى فى أوروبا وظهر كيماوى آخر فى سوريا، وأكد ثقته بأن فريق منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، الذى من المقرر أن يصل إلى دمشق لن يجد أدلة على هجوم كيميائى فى دوما، وحذر وزير الخارجية الروسى من أى مغامرة فى سوريا على غرار ما حدث فى العراق وليبيا، ستترتب عليها موجات هجرة جديدة إلى أوروبا وتداعيات أخرى «لا نريدها نحن ولا شركاؤنا الأوروبيون».
ويصر الروس على التذكير والربط بين دوما و«قضية سكريبال»، يقول لافروف: إن تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أكد التركيبة الكيميائية للمادة التى تسمم بها سكريبال وابنته، مادة لا تتضمنها قائمة اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. ووعد بنشر «معلومات مثيرة للاهتمام» منه فى وقت لاحق.
وبينما تتحدث روسيا عن مسرحية للكيماوى فى سوريا وتمثيلية للكيماوى فى بريطانيا، هناك أطراف تواصل الدفع بالدراما إلى قمة الصراع، الولايات المتحدة تتحرك نحو الحرب، وربما لا تنتظر تقرير منظمة نزع السلاح الكيماوى فى سوريا.
وفى وقت أكد مصدر استخبارى وعسكرى روسى أن خبراء روس وصلوا إلى دوما بعد يوم من الهجوم الكيميائى المزعوم، وأخذوا عينات من التربة وشظايا من الموقع، تم فحصها وقال «لم نجد أى آثار لمواد سامة فى المستشفى الذى ظهر فى تسجيلات الخوذ البيض، ولا لدى الطاقم الطبى والمرضى خلال تفقد المنطقة فى دوما، والتحاليل أظهرت عدم وجود أى آثار لاستخدام المواد السامة»، فى المقابل أعلن مسؤولان أمريكيان أن عينات دم وبول لضحايا الهجوم الكيميائى المزعوم فى مدينة دوما السورية حصلت عليها واشنطن تؤكد إصابتهم بالكلور ومادة مشلة للأعصاب، الروس شككوا فى المسؤولين الذين قالت إنهما مقربان من الاستخبارات الأمريكية، وتساءلوا عن كيفية وصول عينات «ضحايا» الهجوم المزعوم إلى أمريكا وقال الروس: الاستخبارات الإمريكية تريد اتهام الحكومة السورية ولا تنتظر الأدلة وتعتمد على جهة مشكوك فيها اعتادت تقديم مسرحيات وتمثيليتات ثبت تزييفها، فى إشارة إلى منظمة الخوذات البيضاء التى ارتبط ظهورها باتهامات الكيماوى منذ 2013، ظلت المصادر شبه الوحيدة للصور والأفلام التى تتهم سوريا.
كان المندوب الروسى بالأمم المتحدة فاسيلى نيبينزيا، عندما تصاعدت اتهامات الكيماوى فى شيخون فى فبراير الماضى قال: إن العالم يستقى المعلومات من مجموعة مرتبطة بالإرهابيين وحدد منظمة «أصحاب الخوذات البيضاء»، واستندت روسيا إلى تقرير منظمة «أطباء سويديون من أجل حقوق الإنسان» حول «خداع الخوذ البيضاء»، وتزييفهم للصور والفيديوهات، واستعانوا بممثلين محترفين ليقوموا بدور الضحايا.
وكشفت وكالة سبوتنيك الروسية، أن المنظمة نشرت فى سبتمبر 2016 صورا لضحايا قالت إنهم سوريون، اتضح بالبحث أنها لضحايا من فلسطين والعراق. ونسبت صورا إلى الغوطة اتضح أنها من خارج سوريا، كما عرضت مشاهد لسيدة تظهر مرة تحت أنقاض القصف فى حلب، وظهرت فى فيلم آخر وهى تجرى هاربة فى دير الزور، وثالثة وهى مقتولة فى الغوطة، وتبعث لتشارك فى وفود السياسة بأوروبا، وقتيل سابق مات ثلاث مرات قبل أن يعود ليقوم بدور ضحية يختنق بالغاز، وهو ما يجعل حروب الكيماوية التى تدور اليوم فى سوريا جزءا من حرب قوامها الجواسيس والممثلين، فى حروب تمثل الدعاية فيها منصات تسبق القصف الصاروخى.