عروبة الإخباري – يصادف يوم غدٍ الجمعة، الثلاثين من آذار للعام 2018، الذكرى الـ42 “ليوم الأرض”، الذي جاء بعد هبة الجماهير العربية داخل أراضي 1948، معلنة صرخة احتجاجية ضد الاستيلاء على الأراضي، والاقتلاع، والتهويد التي انتهجتها إسرائيل، وتمخض عن هذه الهبّة ذكرى تاريخية سميت بـ”يوم الأرض”.
وتعود أحداث هذا اليوم، لعام 1976، بعد استيلاء سلطات الاحتلال الإسرائيلي على آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين داخل أراضي عام 48، وقد عم إضراب عام، ومسيرات من الجليل إلى النقب، واندلعت مواجهات أسفرت عن استشهاد ستة فلسطينيين، وإصابة واعتقال المئات.
يشار إلى أن الشرارة التي أشعلت الجماهير العربية ليوم الأرض، كانت بإقدام السلطات الإسرائيلية على الاستيلاء على نحو21 ألف دونم من أراضي عدد من القرى العربية في الجليل، ومنها عرابة، سخنين، دير حنا، وعرب السواعد، وغيرها في العام 1976؛ وذلك لتخصيصها لإقامة المزيد من المستوطنات، في نطاق خطة تهويد الجليل، وتفريغه من سكانه العرب، وهو ما أدى إلى إعلان الفلسطينيين في الداخل، وخصوصا المتضررين المباشرين، عن الإضراب العام في يوم الثلاثين من آذار.
وفي هذا اليوم أضربت مدن، وقرى الجليل، والمثلث إضرابا عاما، وحاولت السلطات الإسرائيلية كسر الإضراب بالقوة، فأدى ذلك إلى صدام بين المواطنين، والقوات الإسرائيلية، كانت أعنفها في قرى سخنين، وعرابة، ودير حنا.
وتفيد معطيات لجنة المتابعة العليا – الهيئة القيادية العليا لفلسطينيي 48- بأن إسرائيل استولت على نحو مليون ونصف المليون دونم منذ احتلالها لفلسطين حتى العام 1976، ولم يبق بحوزتهم سوى نحو نصف مليون دونم، عدا ملايين الدونمات من أملاك اللاجئين وأراضي المشاع العامة.
وبذلت إسرائيل جهودا لمنع انطلاق فعاليات نضالية، لكن رؤساء المجالس البلدية العربية أعلنوا الإضراب العام في اجتماع يوم 25 آذار 1976 في مدينة شفا عمرو.
وجاء قرار “لجنة الدفاع عن الأراضي العربية”، التي انبثقت عن لجان محلية في إطار اجتماع عام أجري في مدينة الناصرة في 18 تشرين الأول 1975، إعلان الإضراب الشامل، ردا مباشرا على الاستيلاء على أراضي المل (منطقة رقم 9)، ومنع السكان العرب من دخول المنطقة، في تاريخ 13-2-1976.
ويشير باحثون إلى أن الاستيلاء على الأراضي بهدف التهويد بلغت ذروتها مطلع 1976 بذرائع مختلفة، تجد لها مسوغات في “القانون”، و”خدمة الصالح العام”، أو في تفعيل ما يعرف بـ”قوانين الطوارئ” الانتدابية.
وكانت أرض “المل” التي تبلغ مساحتها 60 ألف دونم، تستخدم في السنوات 1942-1944 كمنطقة تدريبات عسكرية للجيش البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية، مقابل دفع بدل استئجار لأصحاب الأرض، وبعد عام 1948 أبقت إسرائيل على نفس الوضع الذي كان سائدا في ذلك العهد، إذ كان يسمح للمواطنين بالوصول إلى أراضيهم لفلاحتها بتصاريح خاصة.
في عام 1956 قامت السلطات الإسرائيلية بإغلاق المنطقة، بهدف إقامة مخططات بناء مستوطنات يهودية، ضمن مشروع “تهويد الجليل”.
كما كان صدور وثيقة (كيننغ) في 1976/3/1 من قبل متصرف لواء الشمال في وزارة الداخلية الإسرائيلية (يسرائيل كيننغ) وثيقة سرية، سمّيت فيما بعد باسمه، والتي تستهدف إفراغ الجليل من أهله الفلسطينيين، والاستيلاء على أراضيهم، وتهويدها، واحدة من مسببات الاتجاه نحو الإضراب.
ودعت وثيقة (كيننغ) في طياتها إلى تقليل نسبة الفلسطينيين في منطقتي الجليل، والنقب، وذلك بالاستيلاء على ما تبقى لديهم من أراض زراعية، وبمحاصرتهم اقتصاديا، واجتماعيا، وبتوجيه المهاجرين اليهود الجدد للاستيطان في منطقتي الجليل والنقب.
وركزت على تكثيف الاستيطان اليهودي في شمال الجليل، وإقامة حزب عربي يعتبر “أخا” لحزب العمل، ويركز على المساواة والسلام، ورفع التنسيق بين الجهات الحكومية في معالجة الأمور العربية، وإيجاد إجماع قومي يهودي داخل الأحزاب الصهيونية، حول موضوع العرب في إسرائيل.
وشددت الوثيقة على ضرورة التضييق الاقتصادي على العائلات العربية، عبر ملاحقتها بالضرائب، وإعطاء الأولوية لليهود في فرص العمل، وكذلك تخفيض نسبة العرب في التحصيل العلمي، وتشجيع التوجهات المهنية لدى التلاميذ، وتسهيل هجرة الشباب، والطلاب العرب إلى خارج البلاد ومنع عودتهم إليها.
وكان الرد الإسرائيلي عسكريا شديدا على هبة “يوم الأرض”، باعتبارها أول تحدٍ، ولأول مرة بعد احتلال الأرض الفلسطينية عام 1948، حيث دخلت قوات معززة من الجيش الإسرائيلي مدعومة بالدبابات، والمجنزرات إلى القرى الفلسطينية، وأعادت احتلالها، موقعة شهداء، وجرحى بين صفوف المدنيين العزل، فكانت حصيلة الصدامات استشهاد 6 أشخاص، 4 منهم قتلوا برصاص الجيش، واثنان برصاص الشرطة.
ورغم مطالبة فلسطينيي 48 إسرائيل إقامة لجنة للتحقيق في قيام الجيش، والشرطة بقتل مواطنين عُزَّل يحملون الجنسية الإسرائيلية، إلا أن مطالبهم قوبلت بالرفض التام، بادعاء أن الجيش واجه قوى معادية.
وسعت إسرائيل إلى إفشال الإضراب لما يحمل من دلالات تتعلق بسلوك الأقلية العربية كأقلية قومية حيال قضية وطنية ومدنية من الدرجة الأولى، ألا وهي قضية الأرض. حيث عقدت الحكومة اجتماعا استمر لأربع ساعات، تقرر فيه تعزيز قوات الشرطة في القرى والمدن العربية للرد على الإضراب والمظاهرات. كما قامت قيادة اتحاد العمال الإسرائيلي ‘الهستدروت’ بتحذير العمال وتهديدهم باتخاذ إجراءات انتقامية ضدهم، وقرر أرباب العمل في اجتماع لهم في حيفا طرد العمال العرب من عملهم إذا ما شاركوا في الإضراب العام في يوم الأرض. كذلك بعث المدير العام لوزارة المعارف تهديدا إلى المدارس العربية لمنعها من المشاركة في الإضراب.
رغم مرور (42 عاما) على هذه الذكرى، لم يمل فلسطينيو أراضي 48، الذين أصبح عددهم أكثر من 1.3 مليون نسمة، بعدما كانوا 150 ألف نسمة فقط عام 1948 من الاحتفال “بيوم الأرض”، الذي يجمعون على أنه أبرز أيامهم النضالية، وانعطافه تاريخية في مسيرة بقائهم، وانتمائهم، وهويتهم منذ نكبة 1948، تأكيدا على تشبثهم بوطنهم وأرضهم.
ولم تكتف السلطات الإسرائيلية بالاستيلاء على أراضي الفلسطينيين الذين أُبعدوا عن أرضهم، بل عملت تباعاً على الاستيلاء على ما تبقى من الأرض، التي بقيت بحوزة من ظلوا في أرضهم.
يذكر أن إسرائيل استولت خلال الأعوام ما بين عام 1948 ، 1972 على أكثر من مليون دونم، من أراضي القرى العربية في الجليل، والمثلث، إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى من الأراضي التي استولت عليها بعد سلسلة المجازر المروّعة، وعمليات الإبعاد القسّري، التي مورست بحق الفلسطينيين عام 48.
ويعتبر يوم الأرض نقطة تحول بالعلاقة بين (السلطة الإسرائيلية)، والعرب بالداخل، إذ أن إسرائيل أرادت بردها أن تثبت للجماهير الساخطة من هم “أسياد الأرض”، وكان هذا التحدي العلني الجماهيري الأول للكيان المحتل من قبل الجماهير الساخطة، باعتقاد العديد أن “يوم الأرض” ساهم بشكل مباشر بتوحيد وتكاثف وحدة الصف الفلسطيني بالداخل على المستوى الجماهيري، بعد أن كان في العديد من الأحيان السابقة نضالا فرديا لأشخاص فرادى، أو لمجموعات محدودة. كما كان هذا الرد بمثابة صفعة وجرس إيقاظ لكل فلسطيني قبل بالاحتلال الإسرائيلي عام 1948.
ويعتقد الفلسطينيون أن إحياء “ذكرى يوم الأرض” ليس مجرد سرد أحداث تاريخية، بل هو معركة جديدة في حرب متصلة لاستعادة الحقوق الفلسطينية.
ومنذ العام 1976 أصبح يوم الأرض يوماً وطنياً في حياة الشعب الفلسطيني، داخل فلسطين، وخارجها، وفي هذه المناسبة تشهد تحركات شعبية فلسطينية عديدة تؤكد وحدة شعبنا، وحقه في أرضه، رغم شراسة الهجمة الإسرائيلية.
وأشار الجهاز المركزي للإحصاء، أن الاحتلال الإسرائيلي يستغل أكثر من 85% من مساحة فلسطين التاريخية، والبالغة حوالي 27,000 كم2، حيث لم يتبق للفلسطينيين سوى حوالي 15% من مساحة الأراضي فقط، وبلغت نسبة الفلسطينيين 48% من إجمالي السكان في فلسطين التاريخية.
واستعرض الاحصاء في بيان، عشية هذه الذكرى، أبرز المعطيات المتعلقة بالأرض الفلسطينية، موضحا أن 40% من مساحة الضفة الغربية تم تحويلها لأراضي دولة من قبل سلطات الاحتلال.
وحسب البيان، قامت سلطات الاحتلال بالإعلان عن أكثر من 900 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية كأراضي دولة بين الأعوام 1979-2002، واستمرارا لسياسة نهب الأرض الفلسطينية، قامت بعد ذلك بإعداد مخططات تسجيل لأكثر من 660 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية، لتسجيلها كأراضي دولة، وبذلك يبلغ مجموع الأراضي المصنفة كأراضي دولة في الضفة الغربية أكثر من 2,247 ألف دونم، أي ما يعادل حوالي 40% من إجمالي مساحة الضفة الغربية.
ولفت الى أنه بعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، قامت سلطات الاحتلال بنقل ملكية الأراضي التي كانت تديرها السلطات الأردنية والأراضي المسجلة بأنها أراضي دولة منذ العهد العثماني، ونقلت سلطة التصرف بهذه الأراضي لها. كما جمدت عمليات تسجيل الأراضي للفلسطينيين، وألغت جميع التسجيلات غير المكتملة، وبهذا حرمت السكان الفلسطينيين من حق التصرف في ملكية أراضيهم.
وبلغت مساحة هذه الأراضي في ذاك الوقت ما يقارب 527 ألف دونم، ومع نهاية العام 1973 قامت سلطات الاحتلال الاسرائيلي بإضافة أكثر من 160 ألف دونم كأراضي دولة، واستمرت بسياستها، الهادفة لنهب الأرض الفلسطينية.