عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – إذن ثمة أمور خفية وهي أن أبو مازن كان وما زال عقبة في وجه الأحتلال ومخططاته وفي وجه صفعة ترامب الغامضة وفي وجه المخططات الأميركية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل وخدمته لها مقابل مكاسب لأنظمة عربية تبحث عن المساعدة من إسرائيل وحلفائها من أجل إستقرارها ومصالحها .. وهي جاهزة لافتداء الضغط عليها بالتفريط بالقضية والدفع من جيبتها !!..
ألا نلاحظ أنه كلما تقدمت القضية الفلسطينية لصالح الفلسطينين وكلما استقطبت التأييد العالمي أكثر كلما شنت حملات أقوى على القيادة الفلسطينية للنيل من مواقفها وإضعافها وتهديدها لأن تتوقف أو تُثنى عن مواصلة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ؟؟ .. ولذا فإن هذه الأطراف كانت قد ضغطت على الرئيس عباس أن لا يذهب أصلاً الى الأمم المتحدة وأن لا يتوجه إلى الجمعية العامة أو مجلس الامن تحت ذارئع واهنة وغير مفهومة سوى أن إسرائيل تريد ذلك وأميركا تضغط من أجل ذلك ..
قالوا له لا تذهب وذهب .. ولا تعمل كذا وكذا وعمل وتبنى هذا الموقف ولا تتبنى هذا .. ولم يستجب .. وهو صاحب تجربة في ذلك منذ كامب ديفيد ومنذ مؤتمر قمة سرت والرد على المزايدين وفي مواقع لا مجال لحصرها .. لقد صمد أبو مازن وما زال يصمد بإرادة ووعي وقدرة على كسب تأييد شعبه المكافح فالربيع الفلسطيني هو ضد الاحتلال وليس ضد القيادة وعلى الآخرين أن يتذكروا والفلسطينيون وقيادتهم هم من قبلوا التحدي وما زالوا يقبلونه في القدس الآن في حين أن عواصم عربية لم تخرج مسيرة واحدة ولم ترفع علماً فلسطينياً ولم ترسل مساعدات .. لقد ضربوا مخيمات الفلسطينيين لإضعاف القيادة الفلسطينية الشرعية وحاصروها وتقاسموا الأدوار وساعدوا إسرائيل في طرح سؤال بديل القيادة وشككوا في قدرة القيادة على عقد المؤتمر السابع لفتح وتوقعوا الإنقسام وشككوا في رغبة القيادة في المصالحة إلى أن رأوا أهل غزة يستقبلون الحكومة الفلسطينية إستقبالاً لم يسبق له مثيل ..
كيف للأذرع التي تعمل لإرضاء أميركا وأسرائيل أن تصمت؟ وأن توقف محاولاتها لتغيير القيادة الفلسطينية بعد الانتصارات التي حققتها هذه القيادة في المحافل الدولية وبعد هذا الصمود المشهود له فلسطينياً وحتى من جانب العدو ..
أليست المعادلة كما يلي .. كلما صمد الفلسطينييون مع قيادتهم وواصلوا نضالهم كلما زاد التآمر على قيادتهم لفكها عن شعبها بالبحث عن قيادات أخرى ..؟ ولكن أين لهم أن ينالوا أهدافهم .. فهذا الشعب الفلسطيني صامد .. وتوحده المحن ويقف صلباً خلف قيادته أمام المؤامرات وقد تعلم الكثير من الدروس .. والقيادة الفلسطينية بقيادة أبو مازن الآن تحقق المزيد من الأهداف وهي بحاجة إلى دعم العرب كل العرب في هذه الأيام الحاسمة لينتصر الشعب الفلسطيني على سجانيه وعلى المحتلين بعد أن وقف العالم مع الحق الفلسطيني .. أما الخذلان الذي يمارسه البعض والذي يستجيب في ممارسته للرغبة الإسرائيلية والأميركية فهو لن ينجح وسينقلب السحر على الساحر فالتاريخ شاهد ولن تغفر القدس لمن يخذلونها ويخذلون صمود شعبها .. وسوف تحاسب الشعوب العربية أولئك الذين يكبلونها ويحبطونها في هذه اللحظات الصعبة ..
الآن يظهر معدن هذه القيادة الصلبة التي لا ترتبك وتحافظ على إنجازاتها وعلاقاتها الدولية وتتخذ قراراتها بالحوار والمشورة والوعي والعقل ليتحمل الجميع المسؤولية بلا مغامرة وبلا ضعف ..
قيادة الرئيس عباس قريبة من شعبها تضبط إيقاع الكفاح وهي تحافظ على الطاقة النضالية للشعب وتمكنه لمواجهات طويلة .. وتحفظ هذه القيادة رباطة جأشها فهي تقاوم الأحتلال بالمقاومة السلمية الفاعلة وتدفع الثمن وهي تواصل التعامل مع العالم وتحافظ على خطابها المتوازن وتدعو لدعم عربي ودولي فاعل ومتصل من اجل القدس ومن اجل إزالة الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية ..
لقد أدركت الاردن التحدي الذي يواجه القضية الفلسطينية والقدس بما تعينه على وجه التحديد فكان موقفها واضحاً وشجاعاً ومؤيداً لفلسطين ونضال أهلها فالتحديات ماثلة أمامها وقد لاحظ الأردنيون ظواهر منها قتل الأردنيين في سفارة إسرائيل في عمان وعقد مؤتمر لما اسموه المعارضة الاردنية وتقف الدوائر الأسرائيلية وراء ذلك كما نلاحظ محاولات ليّ اليد الأردنية وتثنيها عن مواقفها الوطنية والقومية ولفك ارتباطها بنصرة قضية فلسطين وقضية القدس التي يعتبرها الاردن قضية وطنية ..
أدرك الأردن الأستعداد الإسرائيلي المتجدد عليه والتحريض الأميركي ضده والضغط عليه ليضعف ويُغير مواقفه خاصة حضوره القوي في المحافل الدولية وتحديدا في مؤتمر اسطنبول وفي لقاء الملك عبدالله الثاني مع الحبر الأعظم وجملة الزيارات والمهمات التي قام بها الملك إنتصاراً للقضية الفلسطينية وحقوق أهلها المشروعة .
لم يخشى أبو مازن الضغوط وها هو يصعد بشعبية بكلفة يحسده عليها القعدة والمعطلون .. يذهب إلى قمة إسطنبول ليفضح الاحتلال والسياسة الأمبريالية الأميركية لهذه الإدارة المتهورة .. وعندهم أن أبو مازن زادها وضرب عرض الحائط بالضغوط وتبويس اللحى وأنه لا يفرط ولا يرضى دون حق شعبه موقفاً وها هو يجوب العالم ويفضح مواقف الاحتلال ومن يناصره ..
قالها بملء الفم وشجاعة وصوت جهوري لم يتحشرج مؤكداً باللسان والقلب والإرادة ولغة الجسم أن “الولايات المتحدة منحازة ولا تصلح شريكاً” قالها وهو يكشف عن النوايا الأميركية وأهدافها ومحاولات تمريرها لقد فضح أبو مازن الطابق ورد الصفعة و”أدمى مقلة الأسد الأميركي الهائج” .. فشعب فيه مثل عهد التميمي يستطيع قائده أن يقف الموقف الذي يقفه أبو مازن ..
لقد أصبحت الطفلة اليافعة رمزاً لشعب بأكمله وأيقونة عالمية ونموذجاً للشباب المتطلعين للحرية لا تخشى الاحتلال وطغمته وتعتبره نمراً من كرتون تجرأت لتمزيقه أمام كاميرات العالم ..
هم يهجمون على القيادة الفلسطينية وعلى شعبها ولكنهم إصطدموا بعهد وبما تمثل عهد من إرادة وطاقة .. ورمزاً إنسانياً مؤثراً .. لقد أثبت أبو مازن أنه يمتلك في قلعته التي لا جدران لها سوى شعبه انه قادر أن يقول لا وأن يستمر في مناداة العالم ومخاطبته وتجنيد كل طاقاته الخيرة ما استطاع لصالح قضية شعبه التي واكبها مناضلاً منذ (65) سنة ..
أبو مازن يعزل نتنياهو وحكومته اليمينية .. ويعزل ترامب ومجموعة الفاشيين والمتعصبين الذين يبحثون عن حروب دينية ويطالعون الأساطير المتعفنة .. إنه يضعهم في الزاوية عراة ولو أن العرب أدركوا أهمية هذه الخطوة وعمقها لأسرعوا في مناصرته والتشديد على مواقفه لكن أنّا لهم يعرفون ويدركون وبعضهم أراد أن يكون الصدى أو هارباً من المجد والكرامة ..
لو وقف العرب مع أبو مازن في هذه اللحظات التاريخية بصدق لتغيرت المعادلة تماماً كما قال الدكتور عبدالسلام المجالي لكن بعضهم ممن سكت على حصار عرفات في السر ورثاه في العلن يريد لقيادة أبو مازن أن لا تصمد حتى تمر الاجندات الوظيفية المفصلة لهم .. بعضهم يزايد عليه ويريدونه انتحارياً .. مهمته إعداد قوائم الشهداء والجرحى دون هدف ليضمن لهم جلوساً مسلياً وهم يراقبون .. ولذا فإنهم وهم متضايقون يريدون أن يسلطوا عليه حماس مرة وأن يقدموا له النموذج الإيراني مرة أخرى بعد أن استهواهم القائد الإيراني قاسم ..
ومع ان التحدي الإسرائيلي سافر ومع أن هذه هي معركة رد هذا التحدي إلا أنها ايضاً وعلى مستوى العنوان هي معركة الإمساك والدفاع أو الحفاظ على القيادة الشرعية لفلسطين .. قيادة أبو مازن لان التمثيل الفلسطيني الممثل في القيادة الفلسطينية هو المحافظ على المكاسب الفلسطينية وهوالموجه للبوصلة والمختزن للنضال والأمين عليه .. أنهم يريدون الفلسطينيين بلا رأس يرى ويسمع ويدرك .. يريدونهم جسماً هُلامياً عائماً يستخدمونه لأغراضهم ويستطيعون المقايضة عليه يريدون أن يدخلوا عناصرهم حتى وان كانت بوجوه فلسطينية وبلهجة فلسطينية إلى القلعة الفلسطينية كما دخل حصان طروادة ليحتلوا القلعة من الداخل ويكسروا إرادتها بعد أن فشلت إسرائيل .. ويريدون إعفاء إسرائيل التي تعمل على ضم الضفة الغربية بعد تهويد القدس أن تعفى من صفة الاحتلال فالمشروع الذي يتبنونه هو تكريس للاحتلال الاسرائيلي ونظام الابارتهايد .. يريدون أن يقبلوا القصور الإسرائيلي في دولة مؤقتة وفي كنتونات صغيرة على شكل بلديات يقودها رؤساء بلديات تحت الحكم العكسري أو المدني الإسرائيلي ولا ترابط بينها وإنما تدعي أنها تحكم نفسها بنفسها ليزول عنها صفة الاحتلال ..
الذين يريدون تغيير القيادة الفلسطينية وهي الآن في أوج صمودها ووطنيتها وتلاحمها على ماذا يراهنون؟ هل يراهنون على دور أردني وظيفي رفضه الملك علناً واكد على رفضه على الدوام وصمد في وجه الضغوط وما زال يصمد في كل يوم ونستطيع أن نقرأ الملك من وجهه ومن تدريبه بين قواته المسلحة وإمتشاقة بندقيته وملازمة الزي العسكري فهو يغلق عيناً ويفتح أخرى ويرى التحدي ماثل من سبطانة بندقيته التي لا يعزّبها حين تقتضي ضرورات القدس.
الملك عبدالله الثاني لا يزايد على أحد وهو ضد المناقصة ولا يرغبها ولكنه يدرك أن القدس مسألة وطنية أردنية وخياراً للصمود والوحدة الوطنية وحب الأردنيين وإنتمائهم ويرفض التهديد بالمساعدات التي لا يقايض بها على كرامة الاردنيين ومناصرتهم لقضيتهم ..
هم يستهدفوننا الآن هنا بموجه من الإشاعات والتشكيك وقلب الحقائق وهم يروجون أن عباس إرهابياً وأن الملك عبدالله متطرفاً لأنه يمسك بالقدس عاصمة عربية لفلسطين .. ويغرد من أجلها .. كما يغرد امراء الهاشميين وأبناء الشعب الأردني الذين ما زالوا منذ اليوم الأول يتظاهرون وينددون بالاحتلال ..
لم يعد أبو مازن يخشى كل هذا الزبد لأن ما يمكث في الارض هي إرادة شعبه وهي التي تحميه وندرك أن البذرة التي زرعها مع عرفات ورفاقه ضربت بذورها في تراب فلسطين وهي راسخة جذورها في الأرض وفرعها في سماء العالم تطرح اكلها في هذه الانجازات الكبيرة وفي المحافل الدولية وأن هذه البذرة التي هي التمثيل الفلسطيني غير قابلة للتزوير بعد أن شقت الصخر ومن ثمارها عهد التميمي .. هذه الشعلة لا يمكن إطفاؤها ولو كره الأميركيون وغيرهم ممن يبحثون عن قيادة فلسطينية جديدة يهدونها لأسرائيل رشوة لبقاء كراسيهم ..
لم يصل قائد فلسطيني ما وصله الرئيس أبو مازن الآن من شعبية وسط شعبه فهذا الشعب لا يجمع على ضلالة وإنما على شجاعة وتضحية والذين ما زالوا يتباهون بشعر الجيران أو بنادق الأقليم وخطب قادته المترجمة من لغات .. عليهم أن يدركوا أن “ما حك جلد الفلسطينيين مثل أظافرهم” وأن كل أشكال التضليل والخطابة وإطلاق اللحى والمزاودات لا تصل وأنها كالمنبت الذي لا ظهراً أبقى ولا مسافة قطع ..
إن القيادة الفلسطينية الآن أمام تضحيات وتحديات فقد أعتبرت القيادة من الماضي وأدركت أهمية أن تمثل شعبها وأن لا تتركه لغيره يتحكم فيه ويزور إرادته ..
ولذا فإن هذا الإدراك في إمساك الرئيس بتمثيل شعبه واصراره على البقاء في موقعه هو ما يرفع شعبيته ويمكن نجمه من السطوع فالشعب الفلسطيني يرى في قائده الرائد الذي لا يكذبه .. وهو صامد صابر لا يزايد وإنما يعمل بوعي ووطنية .. ليكون بوصلة الكفاح الذي اختار له المقاومة السلمية لتناسب المرحلة والحالة فهي التي تهدي النضال الفلسطيني سواء السبيل .. أبو مازن ليس جيفارا ولا يريد أن يكون لا يدعو للانتحار ولا إلى الشهداء بالملايين وإنما بالعدد الذي يبقى الشعلة متقدة فهو يحب أن يلعب دور زرقاء اليمامة في أمته ويقول لمن تضل به الطريق يا سارية الجبل الجبل .. ويمضي لدوره بشرف وشجاعة وإباء في حماية شعبه وتحقيق أهدافه الوطنية..