تستبطن بعض القصص الإخبارية والمقالات -التي صدرت في الأشهر الأخيرة- أجندات إعلامية وراءها أهداف سياسية واضحة، تحاول جذب الأردن إلى بؤرة التجاذبات الإقليمية واللعبة الإعلامية في المنطقة، وتوريطه في قصص كان الأردن يرسم بدقّة سياساته تجاهها.
قبل يومين انشغل سياسيون بمقالةٍ لأحد الصحفيين البريطانيين (الذين يمتلكون قاعدة عريضة من القرّاء، وتخصص في مرحلته الحالية بالملف السعودي، لكن من زاوية معادية للوضع الحالي)، نقل في هذه المقالة آراءً وتصريحات لمن سمّاه “مسؤولا رفيعا مقربا من الديوان الملكي” كلاماً حادّاً عن العلاقات الأردنية- السعودية، بصورة غير مألوفة ولا اعتيادية.
هذا المقال ليس الأول، إذ سبقه مقالات وتحليلات أخرى، عن العلاقات بين الدولتين، تحمل الأجندة ذاتها! لا يوجد مشكلة في أي تحليل، سواء ابتعد أو أخطأ، ومن حقّ الجميع أن يحلل وأن يناقش أي موضوع سياسي، وهنالك كتّاب أردنيون (وأنا أحدهم) ناقشنا ذلك. لكن هنالك فرقاً شاسعاً بين رأي شخصي أو تحليل سياسي اجتهادي من جهة، وأن يتم الزج بمسؤولين أردنيين وسياسيين بوصفهم مقربين من مركز القرار، لتمرير أجندات إعلامية سياسية أو حتى شخصية، فذلك – فضلاً عن غياب المهنية والأمانة الإعلامية هنا- هو عملية مكشوفة لتوريط الأردن في معارك لم يقرر خوضها!
بالعودة إلى ذلك المقال بما يتضمنه من تصريحات مفترضة للمسؤول الكبير المقرب من الديوان، فأنا أشكّ (إلى أبعد مدى)، منطقياً، بصحّة ذلك، لأنّ المسؤولين الذين يشرفون على هذه الملفات معروفون بصورة واضحة ومحددة، ولا يمكن أن يتورطوا بمثل هذه التصريحات بهذه الصورة الساذجة، ولو ذكر أنّ المسؤول في الديوان الملكي لصدر نفي رسمي، لكنه تجنب هذا المنزلق بتعميم العبارة!
المشكلة لا تكمن في أن يصدّق الأشقاء في السعودية، مثلاً، مثل هذه المقالات والتصريحات غير الموثقة ولا الموثوقة لمسؤولين أردنيين كبار، بل المشكلة الكبرى، من وجهة نظري، هي أنّ هنالك سياسيين أردنيين مخضرمين هم من تنطلي عليهم هذه الحيل الإعلامية والسياسية، ويتناقلون تلك المقالات والتحليلات والتصريحات من دون أن يفركوا رؤوسهم قليلاً، وأن يشغّلوا آلة خبرتهم للحظات، حتى يدركوا بأنّ ذلك مستبعد، إن لم نقل غير ممكن!
بالطبع، ذلك لا ينفي أنّ هنالك منظورات واتجاهات متعددة في رؤية العلاقة مع السعودية، واجتهادات متعددة، حتى في الأوساط السياسية والإعلامية الأردنية، وذلك أمر طبيعي. في نهاية المطاف ما يجمع الأردن والسعودية هي مصالح مشتركة، وهما ليستا نسخة كربونية في الرؤية والمصالح والقرارات والمواقف، وذلك أمر لا يوجد بين أي دولتين في العالم مهما بلغت الشراكة أو درجة التحالف بينهما.
المعيار، إذن، وبديهياً هي المصالح المشتركة بين الدولتين، ورؤيتهما لمصادر الاستقرار والتوتر الإقليمي، وهي المسائل التي يجري وفقاً لها بناء المواقف والسياسات، وتحديد الخيارات والأولويات بين الدول، وبالضرورة هناك تباين في تلك الملفات من جهة، وأرضية مشتركة تقف عليها الدولتان من جهة أخرى!
ذلك كلّه مرتبط بالتحليلات السياسية، كما ذكرنا، ويمكن الاسترسال فيها إلى أبعد مدى، ويمكن كتابة مقالات رأي لكتّاب وسياسيين، حتى وإن كانت تذهب إلى إعادة تقييم السياسات الأردنية، أو تتساءل عن بعض المواقف المرتبطة بالملفات الإقليمية وبالعلاقة مع السعودية والدول الأخرى، مثل إيران، وهذا يحدث أردنياً يومياً، وباستمرار، نقرأ مثل هذه المقالات، لكنّ ذلك مختلف تماماً عمّا حدث في الأيام الماضية، عندما تواطأ كتّاب وصحفيون لإلصاق تصريحات بمسؤولين أردنيين من دون أي تثبيت أو إثبات، مبنية على تكهّنات أو تحليلات أو حتى مصادر فضفاضة مغايرة لما قد توحي به الإشارات الموجودة في تلك المقالات، وتُلبّس المسؤولين الأردنيين رسائل لم تكن موجودة أصلاً!