أمس، أنهى مدير دائرة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أنزور والوفد المرافق، زيارته للمملكة. الزيارة استمرت ليومين، التقى خلالها المسؤولين المعنيين بتطبيق برنامج الإصلاح المالي المتفق عليه مع المؤسسة الدولية.
هذه المرة تقررت الزيارة منذ أشهر، وهي تختلف عما سبقها لبعثة الصندوق المستمرة على مدة تنفيذ البرنامج وإلى حين الانتهاء منه، إلا أنها، هذه المرة، تمتلك قيمة ومعنى مختلفين، كونها تأتي في ظل ظروف محلية صعبة، وتقع بين حكومة تؤمن أن عليها الاستجابة لمطالب خبراء الصندوق، وشارع رافض لأي قرارات صعبة.
رسميا، لم نسمع تعليقا من أي مسؤول على نتائج الزيارة، أقله للترحيب بأعضاء البعثة، وشرح ما هو مطروح على الطاولة من أفكار لتطبيقها خلال العام المقبل، فالتعامل مع بعثة الصندوق، يجري كما هي العادة، بأجواء من السرية والتحفظ غير المبررين.
أما البعثة فاختارت هذه المرة ضمن جدول زيارتها المقرر مسبقا والممتلئ بالمواعيد، أن يكون الإعلام مطلا على ما تقوم به، ربما من باب الإيمان بدور الإعلام المستقل في المشهد العام. ومن هنا كان الترتيب مع “الغد” لتكون من ضمن محطات زيارة الوفد خلال يومي العمل المزدحمين بالمواعيد في المملكة.
وجرى الاتفاق على أن تُبثّ الزيارة مباشرة على موقع “الغد” الإلكتروني، لتلَقّي الملاحظات والاستفسارات من قبل المتابعين حيال مهمة الصندوق في المملكة، وربما كان الهدف شرح وجهات نظر الصندوق للرأي العام الأردني، خصوصا أن رئيس البعثة هو وزير المالية اللبناني السابق جهاد أنزور، الذي تولى موقع مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا منذ نحو عام ونصف.
إجمالا، ينظر الأردنيون لصندوق النقد الدولي وبرامجه القاسية بعين الريبة كجهة تقضّ مضاجعهم، وتتطاول على مداخيلهم وجيوبهم بالتوجهات التي تفرضها على الحكومات، بيد أن ما علينا الاعتراف به أنه لولا تقصير حكومتنا وأخطاؤنا في إدارة مواردنا لما جاء إلينا الصندوق وخبراؤه، ولاكتفوا بإصدار شهادات تؤكد متانة الوضع المالي لخزينة الدولة الأردنية. لكن الواقع غير ذلك للأسف، فقد ساهمت أخطاء الحكومات المتعاقبة بإعادتنا إلى أحضان الصندوق وبرامجه القاسية.
ثمة الكثير مما يمكن أن يقال للبعثة وأعضائها، وتحديدا تلك النظرة الأحادية في تقديرهم للموضوع التنموي، وحول القضايا المتعلقة بالبطالة والفقر والشباب والطبقة الوسطى وضرورة الحفاظ عليها من التآكل في ظل السياسات الصعبة التي تنفّذها الحكومات بالتنسيق الحثيث مع الصندوق وإداراته.
أنزور، لديه الرد حاضر، ويشرح بالتفصيل ما يقوم به الصندوق حيال حماية الشرائح الأقل حظا والضعيفة، والتركيز على شبكات الحماية الاجتماعية لها. لكن لا ندري إن كان كل ما يقوم به الصندوق كافيا لتحقيق الهدف، ففي الأردن زاد عدد الفقراء وانحسرت الطبقة الوسطى، وكثير من الشباب ما يزالون عاطلين عن العمل.
العلاقة مع الصندوق ستبقى ملتبسة، وموقف الناس منه لن يتحسن يوما إلا إذا ساعد الحكومات في تنفيذ إصلاحات شاملة وليست متجزأة، بحيث يكون الجميع شركاء في سداد الكلف الباهظة لأخطاء السياسات الرسمية.
ولأن الأزمة عميقة وحلها يحتاج إلى ثلاثة أو ربما أربعة برامج إصلاح، فإن المنطق يقتضي من إدارة الصندوق الابتعاد قليلا عن الأرقام والاقتراب من الناس، لعلّ الخبراء يتوصلون لحلول وسبل أقل ضررا بالناس والفئات الاجتماعية المختلفة.
ما يجمع عليه مسؤولو المؤسسة الأممية أنهم لا يفرضون شيئا بعينه على الحكومات، لكنهم أيضا ينتظرون تحقيق الأهداف المتفق عليها.
الزيارة انتهت، والضيوف غادروا، ويبقى على حكومتنا أن تكون شفافة وتقول لنا ماذا قدمت لمسؤولي الصندوق من مقترحات لجمع 450 مليون دينار، قبل أن يصار إلى اتفاق نهائي بهذا الخصوص في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وقبل أن تضع تصوراتها في مشروع قانون الموازنة، وتطبق سياسة الأمر الواقع على المواطن!