يصل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى عمّان اليوم في زيارة هي الأولى له، منذ أن أصبح رئيساً لتركيا، ويبدو أنّها تعكس تحولاً متدرّجاً في العلاقات بين عمّان وأنقرة، بعد مرحلة فتور شديد.
لم تتطور علاقات الأردن بتركيا، منذ صعود نجم أردوغان (كرئيس للوزراء، منذ العام 2003، ورئيساً للدولة منذ العام 2014)، فقد شهدت هذه العلاقات تبايناً شديداً في الرؤى والمواقف تجاه الملفات الإقليمية، بخاصة في مرحلة الربيع العربي، وما بعدها.
نظر الأردن بشكوكٍ عميقة إلى الدور التركي والرهان على الإسلام السياسي بوصفه القوى الصاعدة الحاكمة الجديدة في المنطقة، في مقابل وجود الأردن في المعسكر العربي الآخر، الذي يضم مصر والسعودية والإمارات والكويت.
تلك الأعوام الأربعة (2011 – 2015) تقريباً لم تكن إيجابية بتاتاً في العلاقات الثنائية، ولا في شبكة التحالفات والأعداء، حتى وإن حرصت الدولتان على عدم إظهار هذا التضارب.
لاحقاً، ومنذ عامين، بدأت الأمور تتغيّر إقليمياً، بخاصة مع الملك سلمان والنخبة السياسية المرتبطة بالعهد الجديد في الرياض، وحدث تقارب مؤقت سعودي- تركي، وبدأت الدولتان بنسج خيوط تحالف إقليمي لم يكتمل، لأنّ فجوة الرهانات التركية- السعودية عادت للظهور، بخاصة مع الأزمة القطرية الأخيرة، وقبلها تجاه الوضع في سورية والموقف من حركات الإسلام السياسي.
أردنياً بدأ الجليد يذوب عن العلاقات مع الأتراك مع شعور الأردن بأنّ المقاربة التركية تجاه تنظيم داعش بدأت بالتحول والتغيّر، منذ العام 2015، إلى أن وصلت الأمور إلى تدخل الجيش التركي في حملة “درع الفرات”، إلى سورية وقيامه بالقضاء على جزء كبير من نفوذ التنظيم في شمال البلاد، ولاحقاً بانقلاب الأتراك، أيضاً، على جبهة النصرة (فتح الشام لاحقاً) التي كانت تعدّ مقربة من أنقرة.
هذه التحولات تكاملت وتكرّست بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا ضد الرئيس أردوغان العام الماضي، قبل عام تقريباً من الآن، إذ دفعت نحو التقارب التركي- الروسي، ما أصبح موازياً لخطّ عمان- موسكو، الذي أنتج هدنة عسكرية مستقرة، في الجنوب، عبر تفاهمات أميركية- روسية- أردنية، من خلال مسار الآستانة، الذي كان الأتراك مدشّناً رئيساً له مع الروس.
ثم جاء الموقف الأردني المتوازن من ملفات المنطقة الأخرى، بخاصة مع الأزمة الخليجية الأخيرة، ثم الموقف من العراق، ومشاركة الإسلاميين في الانتخابات الأردنية، لتعزز وجود “أرضية مشتركة” صلبة يمكن أن تقف عليها الدولتان معاً لمواجهة التحديات الإقليمية.
قضية القدس في سياق المواجهة الدبلوماسية مع إسرائيل تمثل ضلعاً آخر من أضلاع التقارب الأردني- التركي المفترض، بخاصة أن الدولتين تظهران اهتماماً كبيراً بالقدس، لاعتبارات استراتيجية ورمزية وسياسية عديدة، ولديهما مصلحة مشتركة بالضغط على إسرائيل، ويميزهما أنّهما تقيمان علاقات مع إسرائيل، والولايات المتحدة الأميركية، في الوقت نفسه، ما يجعل من التفاهم المشترك بينهما ورقة مهمة في مواجهة إسرائيل ديبلوماسياً.
بالرغم من هذه المتغيرات الإيجابية في العلاقة بين الدولتين، فإنّ هنالك فجوة ما تزال قائمة ترتبط أولاً بالتباين في علاقتيهما بالإمارات ومصر، فالأردن حليف للأخيرتين، بينما أردوغان يعتبر خصماً لهما، وحتى علاقته مع السعودية التي شهدت تقارباً، وحاول هو الإبقاء عليها مؤخراً عبر زيارته الأخيرة للسعودية ولقائه بالملك سلمان، فمن الواضح أن الفتور عاد إلى القناة التركية- السعودية بالتدريج!
دعونا نأمل أن تكون الأرضية المشتركة الجديدة الأردنية- التركية صلبة وقوية لتدشين جملة من المصالح الاستراتيجية المشتركة وتبادل المنافع والتقارب تجاه الملفات الإقليمية.