ثمّة أمر مريب، بالضرورة، في التحكيم في المباراة النهائية للبطولة العربية لكرة القدم، التي جرت في الاسكندرية، أول من أمس، وجمعت الفيصلي والترجي التونسي، وانتهت بفور الأخير، بعد شغب كبير، وتهجّم على الحكم من قبل لاعبي الفيصلي وأحد الإداريين، ثم انتهت إلى اعتقال 38 مشجّعاً من قبل الأمن المصري.
لستُ خبيراً تحكيمياً، لكن هنالك مشكلة كبيرة برأي المعلّق الإماراتي على المباراة (القناة السعودية)، الذي صرّح بأنّ عملية اختيار الحكام خضعت للمجاملات والترضية، كما أنّ الزميل باتر وردم، الكاتب والمحلل السياسي، الذي لديه مهارات وخبرات في مجال آخر موازٍ لموضوع البيئة، وهو كرة القدم، قام بتجميع ونشر مجموعة من الأخبار عن الحكم تشير جميعاً إلى وجود مشكلة كبيرة لديه، كان يفترض الانتباه لها من قبل إدارة الفيصلي قبل المباراة.
على أيّ حال وقع ما وقع، وأيّاً كان تقييم الحكم، فإنّ شعور لاعبي الفيصلي وجمهوره وإدارييه، ومعهم شريحة اجتماعية عريضة من الأردنيين، وربما العرب، بأنّ ظلماً كبيراً وقع على الفريق، وأنّ جهدهم وتعبهم اختُطف منهم، ما أدى إلى ما رأيناه من غضب وتشنّجات وحزن شديد في أوساط الجماهير الأردنية.
مع ذلك، وبأخذ بعين الاعتبار أنّ هنالك ظلماً غالباً وقع على الفريق، فإنّ تصرفات اللاعبين والإداري والجماهير لا يمكن تبريرها أو تقديم الأعذار لها، والمتضرر الأكبر مما حدث هو سمعة النادي الفيصلي نفسه، وسمعة الجماهير الأردنية، بل للأسف فإنّ الصورة الجميلة (التي رسمها لاعبو الفريق على أرض الميدان والأداء المذهل الذي قدّموه وكنّا نفخر به، ولفت أنظار الأردنيين، وكان محط اهتمام الإعلام الرياضي العربي والعالمي) تلاشت أمام مشهد آخر ربع ساعة، أي بعد الهدف المشكوك فيه للترجي التونسي!
الفيصلي ليس أول ولا آخر فريق قد يتعرض لظلم تحكيمي، أو لنقل في أسوأ الحالات “مؤامرة”! لكن فلتان الأعصاب من لاعبين وإداريين وجمهور، أمر خارج إطار مفاهيم كرة القدم بأسرها، وتكشف أنّ لدينا مشكلة بنيوية وجوهرية في البناء الذهني والنفسي للاعبين والثقافة الجماهيرية عموماً.
ما حدث كان محرجاً، وانتقلنا من طور الفرح والابتهاج بما قدم اللاعبون إلى طور احتواء الأزمة وانشغل وزير الخارجية والسفير النشيط هناك علي العايد، الذي بذل جهوداً كبيرة للإفراج عن الموقوفين، ومنهم بعض الأطفال الصغار، وتعهدنا بدفع ثمن التخريب الذي حدث في المدرجات! وقوبل ذلك بكرم من الاشقاء المصريين بالافراج عن الموقوفين والسماح لهم بالمغادرة.
من الضروري أن نتعلم دروساً رئيسية مما حدث، وأول هذه الدروس الحفاظ على ضبط الأعصاب من قبل الجميع، بخاصة اللاعبين والإداريين، لأنّ ما حدث لا يمكن المرور عليه من قبل اتحادات كرة القدم في أيّ منطقة، والاعتداء على الحكم وتكسير المدرّجات هذه ثقافة مرفوضة تماماً، ومن المطلوب أن تكون هنالك إجراءات مستقبلية حاسمة تماماً في التعامل معها.
هذا الكلام موجّه لكل الأندية الأردنية، نحن – الأردنيين- من تأذّى مما حدث، على المستويات كافّة، وخسارة بطولة بهدف مشكوك فيه خير ألف مرّة من خسارة السمعة والصورة، وما حدث بعد المباراة.
كرة القدم لعبة شعبية، بل أصبحت تدخل منازل أغلب الأردنيين، عبر المشجعين والأطفال الذين يمارسونها، أشبه بالثقافة اليومية، لذلك فإنّ ما يحدث في ملاعبنا وأنديتنا ومواقع التواصل الاجتماعي من الضروري أن ينبني على تقاليد وقيم وثقافة صحيّة وصحيحة، إن أردنا أن يكون تفاعلنا معها ومع الرياضات عموماً تفاعلاً إيجابياً وبنّاءً ومفيداً، وأن نتقدم في المستقبل لا نرجع إلى الوراء!