مسيرة المئوية الثانية… تتواصل بقلم سلطان الحطاب

 كتب سلطان الحطاب – ناشر ورئيس تحرير موقع عروبة الإخباري   

من المئوية الثانية ننطلق، ونعود الى الوراء لنقرأ ونعتبر ونرصد المسيرة الطويلة التي قطعت مسافة قرن من الزمان منذ وصول المؤسس الى الارض الاردنية ليقيم بنيان هذه الدولة ويؤسس لكيانها السياسي لتغدو على ما هي عليه اليوم في المملكة الرابعة الهاشمية بقيادة عبد الله الثاني بن الحسين…
لم تكن البذرة لهذه الدولة قد زرعت قبل قرن، ولكنها سبقت ذلك منذ كانت فكرة جرى التعبير عنها من خلال الثورة العربية الكبيرة التي تبلورت إلى أن انطلقت عام 1916 بعد مخاض حمل هموم الامة ومعاناتها من التدخل لمنع نهوضها وقد تمثل ذلك انذاك فيما مثله الاحتلال التركي لبلادنا وهو الاحتلال الذي غلفه الدين حين اعتقد العرب الذي صارت الدولة العثمانية حريتهم وإدارتهم انما تمثل الاسلام وبالتالي لابد من تبعيتها والانصياع لأوامرها، وهو الامر الذي لم يعد ممكنا حين تكشفت تلك الدولة عن مواقف تتريكية وعنصرية و معادية للعرب وأمالهم خاصة بعد نشوء الجمعيات التركية التي استولت على الحكم في اسطنبول بعد الانقلاب على الدستور عام 1908 وبعد رهن ارادة السلطان والتحكم في سياساتة وجد العرب وعلى رأسهم قيادة هاشمية حكمت مكة انهم لا يستطيعون تحمل ذلك البطش والإساءة وطمس الهوية العربية فثأروا وكانت ثورتهم قد مثتلتها الثورة العربية الكبرى التي اثمرت اندفاعة قومية وصلت دمشق لتقيم المملكة العربية السورية بقيادة الامير فيصل وأحرار العرب الذي وفدوا اليه ورافقوه ووضعوا كل امكانياتهم السياسية والعسكرية الى جانبه فقد جاءوه من كل الديار العربية من فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وقد شكلت المملكة العربية في سوريا النواة التي ما لبث ان انقلب عليها الحلفاء حين سمح لفرنسا الشريكة في اتفاقيات سايكس بيكو والتقسيمة ان تهدم هذه المملكة في معركة ميسلون وان تشرد وتقتل قادتها وقد اخلى فيصل الاول عرش سوريا وخارج قبل ان يتوجه بعد ذلك الى العراق ايقيم المملكة العراقية…
كان ابناء مفجر الثورة المنقذ الاعظم الحسين بن علي قد عاش ذلك ورأى غدر الحلفاء ونكوصهم عن وعودهم وخيانتهم بعودهم وعندها تحرك احد ابنائه وهو الامير عبد الله متوجها لانقاذ عرش اخيه فتوجه من الحجاز الى معان التي كانت جزء من الارض الحجازية قبل ان يضمها الهاشميون لشرق الاردن باتفاق تنازل بموجبه الملك علي ملك الحجاز لشقيقة الامير عبد الله عنها وعن العقبة…
في معان أقام الامير عبد الله بضعة اشهر يترصد ويترقب قبل ان ينطلق الى عمان التي وصلها في اذار عام 1921 وهناك منع التحالف البريطاني الفرنسي مسيرة الامير من ان تتواصل الى دمشق فعكف الامير على انشاء الدولة الاردنية التي اعلنت في نفس العام في 11/4 /1921 والذي نحتفل بمئويتها الثانية الان ونستذكر مسيرة طويلة بدأها عبد الله الاول وما زالت تتواصل مع رايات عبد الله الثاني بن الحسين…
وما بين ذلك اليوم وهذا اليوم قرن من الزمان عاشه شعبنا بكل فئاته وتلاوينة ومكوناته وقد مضى خلف ملوك الهاشميين وفي ظل راياتهم يبني…
لم تكن المسيرة هينة ولا سهلة بل كانت قد سلكت في منعطفات خطرة وشديدة التعقيد ولكن حكمة الهاشميين وصبر الاردنيين ووفائهم مكن هذه المسيرة من انجاز اهدافها..
وإذا كان دور اساسي في وضع حجر الاساس في بناء الدولة الاردنية فهو لشخصية عبقرية فذة، هي شخصية عبد الله الاول الذي جاء الى عمان وهو لا يملك العدة والعتاد وإنما الارادة والفكرة والعزم والتصميم ، وقد راهن على الاردنيين الذين وقفوا الى جانبه ودعموا توجهاتة فكانوا خير عون وخير ناصح تمثل ذلك في زعمائهم على اختلاف مواقفهم من معارضة وموالاة ومن احزاب قامت، كانت هي الاولى في العالم العربي وقد تعددت هذه الاحزاب منذ العشرينيات وكانت تمثل الاطياف الاردنية كافة وسجل بعضها انه كان حريصا على سلامة التراب الوطني ودفع التحديات المحيطة انذاك عنه فقد كان بعضها معاديا للانجليز وضاغطا عليهم برغبة من الامير المؤسس وكان بعضهم ومنذ المؤتمر الوطني الاول عام 1928 محذرا من مخاطر الحركة الصهيونية ودورها وتوسعتها ومن محاولاتها شراء الاراضي في شرق الاردن و اقامة المستوطنات لتواكب تلك التي بدأت تنشأ غرب النهر…
نعم، قاوم الامير عبد الله الاول مخططات الحركة الصهيونية التي كانت تستهدف شمول الارض الاردنية في وعد بلفور واستطاع الامير باصراره ومطالباته وتمكينه الاردنيين من ان يدعموه في ذلك وان يعلنوا عن مواقفهم، استطاع انتزاع الارض الاردنية من شمولها في وعد بلفور وقد يكون القليل من يعرفون انه في سنوات الثلاثينيات المبكرة في القرن الماضي قد امضى شهورا يقيم في لندن ومعه بعض اركان دولته يحاول مهمته الى أن نجح واقنع الانجليز ان يضمنوا اخراج الاردن من وعد بلفور وان تقوم دولة اردنية عملت على رفض معاهدة 1928 وبقيت مع شعبها تعمل الى ان ادركت الاستقلال الناجز في ايار عام 1956 حيث سميت الامارة مملكة ونودي بالامير عبد الله الاول ملكا وقد جاء ذلك وسط ظروف صعبة ومخاضات مؤلمة حيث ما لبثت ان وقعت النكبة في فلسطين لتقوم دولة اسرائيل التي اعلنت عن قيامها بدعم من الانتداب البريطاني على معظم الارض الفلسطينية وقد أل ما تبقى من فلسطين والذي اطلق عليه اسم الضفة الغربية وكذلك شرق القدس الى الانضمام الى شرق الاردن في مملكة واحدة انبثقت عن اتفاق اريحا بين الاردن وفلسطين وهو الاتفاق الذي تطلب استحقاقات دستورية وسياسية فقد جرى حل البرلمان الاردني (شرق الاردن) وكذلك الحكومة والدعوة لإجراء انتخابات جديدة دخل اليها ممثلين عن الضفة الغربية وهذا التغيير انسحب على الحكومة أيضا …
هذه الخطوات التي انخرط لانجازها الاردنيين خلف الملك عبد الله الاول ما لبثت ان واجهت تحد صعبا وهو استشهاد الملك عبد الله الاول الذي استشهد في المسجد الاقصى بدوافع استعمارية كانت تريد التخلص من اي استحقاقات تترتب على الانتداب في القدس…
عاش الاردن اياما صعبة تهدد فيها مستقبله وخياراته، لكنه استطاع ان ينهض وان ينادي بالملك الثاني للمملكة الثانية (طلال بن عبد الله ) ملكا، وان كان ذلك لم يستمر إلا لوقت قصير حين ظهر ان الملك كان مريضا لا يستطيع مزاولة عمله ولذا جرى تنصيب لجنة وصاية على العرش الى ان نودي بالامير الحسين الذي لم يبلغ بعد سنه القانونية ملكا على البلاد..
وفي الفترة التي حكم فيها الملك طلال كانت الخطوة الاكثر اهمية في عهده وهو وضع الدستور الاردني عام 1952، والذي ما زال يشكل بصمة مشرقة وواضحة في المسيرة الاردنية برمتها..
ومع مغادرة الملك طلال للعلاج وتولى الملك الحسين وهو الابن الاكبر سلطاته الدستورية بدأ عهد جديد في المملكة الثالثة حين استطاع الحسين الباني ان ينجز الكثير على الصعيد الداخلي وعلى الصعيد الخارجي، وان يكون له شخصية جذابة ومحبة لشعبة الذي التف حوله ليقطع به مسافات من التحديات الصعبة، فقد جاء الحسين الشاب إلى المسؤولية وهناك تحديات و استقطابات وسياسات محاور وهناك الاستعمار الذي مازال يجثم على كثير من الديار والبلدان العربية..
كان المد الشيوعي في اوجه وكانت الناصرية المحرضة تجد قبولا شعبيا ومدا في العالم العربي وكانت سياسات الاستقطاب وكان الجيش العربي لم تستقل قيادته بل كانت قيادته اجنبية اتخذ الحسين قرارا تاريخيا بتعريبها، كما اتخذت قرارات شجاعة لها علاقة بفك الملك الحسين التبعية الاردنية مع الانتداب البريطاني والتوجه السياسي مع امته…
لم تكن عملية الاستقرار التي اراد الحسين تأكيدها وتثبيتها عملية سهلة بل واجهته تحديات واستهدافات لاستقرار الاردن وسلامة مليكها نفسه..
ولكن الملك الحسين الذي كان صاحب نفس عروبي وعقيدة قومية وصاحب ايمان بالديمقراطية والمشاركة مضى في رؤيته وسط كثير من الصعوبات وحتى حين لم يستطيع ان ينجز الكثير في ذلك الوقت المبكر نتيجة التحديات القوية الماثلة إلا انه ظل يحاول حتى نجح اخيرا رغم وقوع هزيمة الخامس من حزيران وفقدان الوطن الاردني لنصفه باحتلال الضفة الغربية و شرق القدس من ان يستأنف العمل و يعيد بناء الحالة الديمقراطية وإن جاءت متأخرة نتاج الظروف الموضوعية فكان استئناف الحياة الديمقراطية عام 1989 ….مؤشرا على الرغبة الاكيدة لجلالة الملك في اقامة اردن ديمقراطي ناهض وقادر على تحقيق طموحات شعبه…
ومضى الحسين يعمل من اجل الاردن ومن اجل العرب من اجل وحدتهم ووحدة الصف العربي ومن ارضه اشرقت الكرامة (المعركة)عام 1968 لتعيد للأمة شيئا من الاعتبار وثبتت ان الهزيمة السوداء التي خيمت على الامة لم تمنع الاردنيين من ان تقاتل قواتهم المسلحة في الكرامة وان يعيدوا الاعتبار لبلدهم واجيالهم…
كان الملك الحسين صاحب رؤية إستراتيجية شاملة تأخذ بعين الاعتبار تقدم المجتمع الاردني في كافة المناحي فأقام بنية تحتية للصناعة فكانت صناعات التعدين من الفوسفات والبوتاس وصناعة الدباغة وبنيت محطات الكهرباء وجرى تمديد شبكة واسعة من الطرق كما اهتم جلالته بالتعليم فكانت اقامة الجامعة الاردنية اكبر مثال على ذلك في عام 1962 ، واقيمت معاهد المعلمين وكانت التنمية قد شملت الضفتين الشرقية والغربية كما كان الاهتمام بالشباب فبنيت المدينة الرياضية كنواة للمدن الرياضية واهتم جلالة الملك الذي تمتع بروح منفتحة وليبرالية بخصوص الحريات الفردية والعامة، وظل يحافظ على التوازن ليكون انجازه بين الاصالة والمعاصرة، ولذا كان يرى بضرورة ان ينشأ جيل ذو تربية وطنية فكانت في البداية معسكرات الحسين التي اقامها الراحل وصفي التل، كما كانت مدارس الثقافة العسكرية وحتى المناهج المدرسية والجامعية تصب في تنشئة اردنية وطنية رافقها التجنيد الاجباري للشباب من خلال القوات المسلحة التي اولاها الحسين جل اهتمامه تسليحا وتدريبا وقد سجلت هذه القوات بصفحات ناصعة مواقف عديدة…. ولم يتوقف بهذا الملك الباني في حدود الانجاز الداخلي بل حمل الملك الاردن ليكون صاحب دور في امته وفي الاقليم فكان الاردن احد ابرز الاقطار العربية دعوة الى التكامل الاقتصادي والوحدوي ولم يغب الاردن عن اي قمة عربية بل كان اسهامه العربي ملموسا فقد وقف إلى جانب الكويت عام 1961 حين هددت من جانب نظام عبد الكريم قاسم في العراق، كما وقف الاردن دائما الى جانب القضية الفلسطينية في المحافل الدولية وتصدى لاكثر من عدوان اسرائيلي قبل عام 1967 وبعده وكانت مواقفه السياسية ملموسة اثناء حرب السويس عام 1956 وحتى في حزب حزيران عام 1967 وحرب عام 1973 في الدفاع عن دمشق كما ساهم الأردن في التطوع دفاعا عن العراق أثناء حرب الخليج الأولى وسمح لمواطنيه بالتطوع دفاعا عن العراق في قوات الكرامة….
شهد الأردن في عهد الحسين نهضة شاملة في الزراعة إذ مكن الفلاحين من الإقراض ومن توسيع مساحات الرقعة الزراعية ومن بناء السدود كسد الملك طلال والكرامة والوالة والوحدة وغيرها من سدود على مساحة المملكة…
كما اعتنى الأردن في عهد الحسين بمدينة العقبة حيث الميناء ووسع واقام مطار الملكة علياء إضافة إلى ما كان من مطار ماركا…
وكانت هناك عديد من المستشفيات التي أقيمت أيضا في عهد المملكة الثالثة وابرزها مستشفى المدينة الطبية ومستشفى الحسين للسرطان ومستشفى الجامعة الاردنية ومستشفي الملك المؤسس في اربد وغيرها…
لقد استطاع الأردن ان ياخذ دوره المميز في القضايا العربية وان يتمتع بعلاقات دولية متوازنة وايجابية مع عديد من الدول الأجنبية وفي الاقليم ظل دائما حريصا على تصغير الخلافات والي صناعة المبادرات التي ارتبطت غالبا باسمه فكان وقوفه الي جانب مصر حين جري مقاطعها من دول الجامعة العربية في أعقاب قمة كامب ديفيد وقد مكن الأردن كذلك الأشقاء الفلسطينيين من تولي تمثيلهم بانفسهم من خلال الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا لهم استجابة بقرارات قمة الرباط 1974..
وظل الأردن يدعو الي الاعتدال والبعد عن التطرف ويرى ان رسالة الإسلام تكمن في ذلك فكانت (رسالة عمان)المعروفة والتي عمل الأردن على نشرها وكانت مقولة الحسين الشهيرة (التقدم باتجاه الإسلام)وليس العودة اليه… باعتبار ان الإسلام الحقيقي هو حالة متقدمة… ومن اجل ذلك وفي سبيل إرسال رسائل واضحة من أجل ذلك كان انشاء الحسين لجامعة ال البيت رسالتها التي حرص عليها قبل أن تتغير الجامعة لتكون جامعة عادية خلاف ما هدف اليه الحسين من إقامتها…
كان الحسين يحرص على أن يستمر الحوار الوطني الداخلي ولذا كان برلمان عام 1989 ممثلا حقيقيا للشعب الأردني وقد جاء ليضع مناخا ديموقراطيا تبعه انجاز الميثاق الوطني الأردني الذي توج مرحلة جديدة حيث شرع الميثاق للأحزاب التي انبثقت عنه ونشطت وتعددت قبل أن تدخل ازمتها الراهنة…
وقد كان الحسين على مسافة واحدة من الجميع ومن الاحزاب السياسة والتجمعات الوطنية كافة وحرص على أن يكون المجتمع الأردني مندمجا من المدينة إلى القرية والبادية والمخيم وأصبح المواطن يعتز بأردنيته وينتسب إلى مدينته او قريته وهذه الصيغة الجديدة قربت الأردنيين إلى مفهوم المواطنة…
كان الأردن نتاج الاستقرار السياسي الذي مثله حكم الهاشميين قد شهد طفرات اقتصادية وتوسع في ايفاد أبنائه للعمل في دول عربية فكان الأردني مشهود له بالكفاءة في التعليم والطب والادارة وكانت العوائد المالية من تحويلات المغتربين كبيرة وتساهم بشكل اساسي في الدخل القومي للدولة ونتاج الاستقرار أيضا نشطت السياحة التي توسعت بفضل العناية بالأماكن السياحية والترويج لها والانفتاح على دول العالم فكانت المنشأت السياحية الجديدة وما تبعها من ترويج كمهرجان جرش وغيره من المهرجانات الفرعية كما كان تدشين المغطس والاهتمام بالمواقع السياحية واضرحة الصحابة ومقاماتهم في الغور وفي مؤتة وغيرها….
أحب الأردنيون الملك الحسين وبادلوه حبا بحب منذ أن جاء إلى سلطاته حتى يوم وفاته فكانت جنازته عالمية بكل ما تعنيه الكلمة وعكست من خلال حضور زعماء العالم مكانة الأردن الدولية واجماع العالم على دوره في إشاعة السلام والاستقرار والمساهمة في النشاط الدولي….
لقد تمكن الأردنيون من خلال فترة حكم الملك الحسين الطويلة الممتدة من عام 1952 إلى 1999 من أن يعبروا عن أنفسهم وان يتواصلوا خدمة لوطنهم وان يحافظوا على إنجازاته ومع رحيل الحسين الباني انتقلت السلطة إلى ابنه الملك عبد الله الثاني في نموذج فريد من سلاسة انتقال السلطة حين تم ذلك في الساعات الأخيرة من حياة الملك الحسين حيث كان ولي العهد الأمير الحسن ليعود الملك إلى اختيار ابنه ليتولى ولاية العهد منه ويصوب ما كان الدستور يدعو إليه فيكون الأمير عبد الله ملكاً…
الملك عبد الله الثاني بدأ عهد المملكة الرابعة التي مضى على مسيرته اكثر من عقدين وهي تعيش الان المئوية الثانية من تأسيس الدولة الاردنية حيث اتسم عهد الملك عبد الله الثاني بمزيد من الانفتاح وتطور العلاقات الاردنية والدولة وإقامة العديد من المشاريع الصناعية والتقنية فاهتم الملك عبد الله الثاني بتطوير التكنولوجيا الاتصالية وتمكين الشباب من الانخراط في صناعات برامج (السوفت وير)والمساهمة الواسعة في هذه الميادين الجديدة… َكما تطورت مشاريع الشراكة والخصخصة وأقيمت استثمارات أوسع واشمل في العقبة التي أصبحت منطقة اقتصادية خاصة تديرها سلطة…
كنا توسعت مشاريع جديدة كبيرة في العبدلي وفي مواقع أخرى وتضاعف استعمال الانترنت بشكل غير مسبوق زاد الأردن فيه عن عديد من دول المنطقة وتطورت المستويات الاقتصادية والصحية والاجتماعية وواجه الأردن اخيرا جائحة الكورونا ببناء العديد من المستشفيات المتنقلة التي زادت سعتها عن الفي سرير انتشرت في كل ارجاء المملكة.

كما عرفت هذه المرحلة المناداة بالحسين بن عبد الله الثاني وليا للعهد وقد تولى العديد من المسؤوليات والبرامج وخاطب العديد من الاوساط من المحافل الدولية وحظي سمو الأمير الحسين باحترام وتقدير في كثير من المحافل الدولية التي زارها وخاصة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الاخرى وحرص على فتح حوارات واسعة مع الشباب الأردني والعربي…
وفي عهد الملك عبد الله الثاني أولى جلالته الشباب عناية كبيرة وتعهد الإبداع والتفوق وحاور الكثير من الإطارات الشبابية واستمع إليها وحرص على استمرار الحياة السياسية نابضة من خلال ثبات واستقرار الانتخابات والمجالس النيابية وتوالي انعقادها وكانت مساهمات الملك عبد الله في مجال الثقافة السياسية ملموسا بإصداره الأوراق النقاشية الملكية التي تناولت قضايا وطنية هامة كالتشريعات وقانون الانتخاب والأحزاب والقوانين الناظمة للحياة العامة والحريات والإصلاح السياسي الأردني والاعتماد على الذات وبناء اقتصاد وطني منتج وكانت الأوراق الثمانية التي كتبها الملك عبد الله الثاني قد شكلت مناخا من الوعي على الواقع الأردني وضرورة تطويره وهي ما زالت برسم الاخذ بها وانفاذ الرؤية التي لم يرد الملك ان تفرض ادراكا منه أن الديمقراطية لا تأتي الا بالقناعة والاعتقاد ولذا تركها برسم النقاش والحوار وان كان الكثير من المفكرين والمراقبين يدعون إلى ان تكون هذه الأوراق ملزمة وان تدخل إلى دائرة التشريع لتكون الاستفادة منها عميمة…
لقد قاوم الأردن في عهد الملك عبد الله الكثير من التحديات فقد رفض صفقة القرن وتمسك بحقه في الولاية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس ضمن الوصاية الهاشمية كما ظل الأردن على موقفه من دعم الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية وظل رغم كل الضغوط يطالب ويعمل من أجل حل الدولتين واستئناف عملية السلام المفضية إلى ذلك وتطبيق قرارات الشرعية الدولية والمبادرات العربية وظل يرى ان إقامة الدولة الفلسطينية على التراب الوطني الفلسطيني هي مصلحة وطنية اردنية لا يمكن التخلي عنها….
ومع ان الإقليم والعالم العربي قد شهد اهتزازات واسعة وكبيرة في مرحلة ما سمي بالربيع العربي فانقلبت أنظمة وقامت صراعات داخلية وحروب أهلية في العديد من البلدان العربية كما حدث في العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر الا ان الأردن باتزان حكمة قيادته التي لاقت المواطنين في منتصف الطريق والتي أدركت معاناة الأردنيين الاقتصادية والاجتماعية منذ الملك الحسين الذي قال عشية وقوع أحداث معان الجرح الحي يؤلم وهو الموقف المستمر في الوقوف إلى جانب الشعب وتحسس مشاكله وهمومه والدعوة الملكية للوزراء إلى النزول إلى الشارع والاستماع لمشاكل المواطنين ومطالبهم حيث يلقى الملك لقاءات مستمرة مع تجمعات المواطنين في نماذج ينفرد بها،،،
وفي سبيل معالجة كثير من القضايا الاقتصادية والاجتماعية كانت الرؤية الاردنية ان الحلول هو في توسيع التعاون في الإقليم وبناء تكامل اقتصادي ومشاريع مشتركة فاعاد الأردن وبمبادرات منه إلى إحياء التعاون العربي وتوسيع العلاقات وتمكينها فكانت لقاءات القادة في العراق والأردن ومصر صيغة اقتصادية جديدة لا بد أن تقطر خلفها أطراف عربية أخرى وتؤتي ثمارها…
كما يواصل الأردن الآن وبعد قدوم إدارة اميريكة جديدة في البيت الأبيض إلى إعادة إنتاج مناخ يمكن العديد من الأطراف في الإقليم إلى وقف الصراعات والحروب والخلافات ولعل السعي الأردني في هذا المجال ناجح ومقدر من خلال الحركة السياسية النشيطة التي ظل الملك عبد الله الثاني يؤمن بها ويمارسها دون توقف وطوال عهده وفي أصعب الأوقات التي عايشتها المنطقة لان الرسالة الأردنية النابغة من فكر الدولة الأردنية ومنذ التاسيس تدعو إلى ذلك وتؤمن بذلك….
يستطيع الدارس المنصف اليوم ونحن نعبر إلى المئوية الثانية من عمر الدولة الأردنية ان يرى كيف أدى الاستقرار السياسي الذي عاشته الدولة الاردنية منذ بدايتها حتى الآن والذي قام من خلال عقد اجتماعي ثابت ورصين مع الشعب الأردني ان يكون في ذلك حفاظ على المكاسب التي تحققت ودفاع عنها…. لقد ظل الأردن دائما يؤمن بالإنسان وبناء الإنسان والدفاع عن حقوقه وظل يرى ان الانسان هو من تقوم من أجله التنمية وهو أغلى ما يملك الوطن وان التنمية في خدمة الإنسان وان الديمقراطية هي الرافعة الحقيقية للأمن الوطني وان الأمن لا يتحقق إلا بالرضى والشراكة والتفاعل الوطني وقد لاحظت ذلك في فترة الربيع العربي الأردني منه على وجه التحديد…
كيف كان رجال الأمن العام يسندون احتجاجات المواطنين ويحافظون على مسيراتهم السلمية سليمة ويقدمون لهم الماء وهي سمة نادرة احتفى بها العالم ولاحظها وظل الأردن يتمسك بهذا الأسلوب الذي جعل الاحتجاجات سلمية بعيدة عن العنف والقتل والتدمير وهو ما نرجو ان يستمر من خلال الحوار ومن خلال قدرة الهيئات التمثيلية على تمثيل مطالب كل الأردنيين…
ومع قدوم المئوية الثانية وبعد هذه المسيرة الطويلة الصاعدة عبر الممالك الأربعة الهاشمية فإن الأمل يحدونا ان تحقق دولتنا وشعبنا أهدافه الوطنية وان يستمر في جعل المواطن الأردني متمتعا بالعيش الكريم ومحفوظ الكرامة والحرية وقادرا على الدفاع عن وطنه ومنتصرا لامته إلى ان يأتي يوم َوحدتها ومنعتها….
كل التحية لشعبنا باني الدولة الأردنية الحديثة ولقيادتنا الهاشمية التي قادت هذه المسيرة بعدل وانصاف رغم كل الصعوبات والعراقيل…
والتهنئة موصولة لكل مواطن ساهم في البناء الوطني وتمتع به حتى غدت هذه الدولة الأردنية المنيعة تتقدم وظلت راياتها الهاشمية خفاقة في مقدمة المسيرة ..

شاهد أيضاً

غزة.. هل تجمع الأردن وإيران على مسار إصلاح العلاقات؟

أستاذ العلوم السياسية بدر الماضي: علاقات الأردن وإيران قائمة على عدم الثقة منذ 2005 عروبة …