بدلاً من أن يسجّل للأردن، في الحدّ الأدنى، شرف المحاولة والجهود الديبلوماسية الهائلة التي بُذلت في مواجهة الإجراءات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، بعد عملية القدس قبل قرابة أسبوعين، فإنّ الدور الأردني أُحيط – كالعادة- بلغط شديد وتعرّض لمزايدات، على أكثر من صعيد، وتمّ تشويه وتحريف ما تقوم به الديبلوماسية الأردنية.
قبل ذلك لم يسجّل للأردن، في الإعلام العربي ولا حتى المحلي للأسف، حجم الجهود التي قام بها، حتى قبل أن يضع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، قدميه في البيت الأبيض، لمواجهة سيناريو نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وهي جهود لو عدنا إلى تلك الفترة سنجد أنّ الأردن هو الذي قاد المعسكر العربي وهندس المواقف، بدءاً من مصالحة الرئيس الفلسطيني محمود عباس على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومروراً بتنسيق المواقف العربية خلال اللقاءات مع ترامب، والأهم من ذلك الجهود المكثفة لإقناع المؤسسات الأميركية بخطورة مثل هذه الخطوة.
لم يخرج مسؤول أردني ليزعم بأنّ إزالة البوابات الالكترونية ثمرة لجهود الأردن، لكنّ المسؤولين عموماً عرّفوا بالموقف الأردني مما يحدث في القدس، وما يتعلّق بالمسجد الأقصى، من دون أن يصادروا أهمية وقيمة ما قام بها الأشقاء الفلسطينيون من مقاومة سلمية لممانعة الاحتلال الاسرائيلي.
وكان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، يشير دوماً أنّ ذلك بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، وبالتفاهم الكامل، فالمهم أردنياً هو القيام بالمسؤولية التاريخية في حماية المقدسات، التي جاءت الوصاية الهاشمية لها، ونص عليها في اتفاقية وادي عربة، من أجل منع إسرائيل من القيام بإجراءات مماثلة لتلك التي تمّت، أو ربما ما يتجاوزها.
الأردن يقوم بهذه المهمة تجاه الوصاية على المقدسات لسببين رئيسين؛ الأول المسؤولية الرمزية والتاريخية التي يشعر بها الهاشميون تجاه المقدسات، بينما يترك الملف السياسي للسلطة الفلسطينية، والثاني هو المصلحة الوطنية الأردنية لأنّ ملف القضية الفلسطينية، وما يحدث فيها يؤثّر مباشرة على الأوضاع الداخلية، وعلى السياسات الأردنية.
القصة ليست استعراضاً، ولا عرض عضلات، ولا دعاية سياسية أو إعلامية جوفاء، بالنسبة للمسؤولين الأردنيين، بل هي مسؤولية خطرة، ويدركون تماماً أنّها محفوفة بالمخاطر والتحديات الجسيمة، ويتمنون بأن يكون بالفعل هذا الملف، أي القدس والمقدسات، هو أولوية السياسات العربية والإقليمية!
المفارقة تكمن في تجاهل الإعلام العربي للدور الأردني، والأصوات المستفزة من بعض الأشقاء التي يتم تضخيمها فيما يتعلق بما يقوم به الأردن تجاه المقدسات، تدفع فريقاً من السياسيين إلى دعوة الدولة إلى الانسحاب من هذا الملف، حتى لا يفسّر الأمر خطأً!
على النقيض من النميمة التي نسمعها، فإنّ الأردن يحمل سلاحاً خطراً في إصراره على الوصاية الدينية على المقدسات الإسلامية، لأنّه يواجه إسرائيل من جهة، ويعرقل حلم اليمين الإسرائيلي بالسيطرة المطلقة على القدس، وثانياً يكتوي بنار الاتهامات والمزايديات.
خطورة الأمر، وانتبهو للجمل التالية وضعوا تحتها خطين، أنّنا لا نملك ضمانات حقيقية تجاه حماية المقدسات والقدس في المرحلة القادمة، وليس لدينا قوة مسلحة على الأرض، وكل ما نملكه هو اللجوء إلى اتفاقية السلام والقانون الدولي والدول الغربية لإيقاف الخطوات الإسرائيلية، ولم يدّعِ الأردن غير ذلك، لكن إذا لم تنجح هذه الديناميكيات مستقبلاً، فإنّ الأردن لا يملك، ديبلوماسياً، ولا عسكرياً، بطبيعة الحال، في ظل الوضع العربي الراهن، أن يقف في وجه إسرائيل، عندها هل سنسمع أصواتاً بأنّ الأردن تنازل عن المقدسات!
ما يقوم به الأردن هو أقصى ما يمكن ديبلوماسياً وسياسياً تجاه المقدسات، وحتى مالياً وإدارياً، ومن يملك أكثر من ذلك ويريد أن يأخذ الدور الأردني فليتفضل!