كان لابد للملك عبدالله الثاني أن يتحدث بهذا الوضوح والصراحة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأمام رؤساء وممثلي 55 دولة عربية وإسلامية. فبينما كان الشغل الشاغل للجميع هناك حصر قيمة الصفقات التي تجاوزت مئات المليارات، ودق طبول حروب جديدة في المنطقة، وتدشين عهد جديد من سباق التسلح الدامي، حرص الملك على التوجه مباشرة بخطابه إلى الرئيس ترامب وبلغته لتذكير الإدارة الأميركية، وهي تستهل عهدها في المنطقة، والزعماء المجتمعين، بأولويات العرب والمسلمين؛ دولا وشعوبا.
بنفس الأسلوب والترتيب للأولويات الذي عرضه الملك أمام قادة الدول العربية في قمة البحر الميت قبل نحو شهرين، وضع في قمة الرياض جدول أعمال من أربع نقاط تلخص تحديات المنطقة وهمومها وتشكل مجتمعة وليس منفردة كما قال جلالته برنامجا تشاركيا، وفي المقدمة منها قضية فلسطين والقدس ومكافحة التطرف والإرهاب.
كانت لحظة تاريخية مثلما قيل، ولم يكن للأردن أن يفوتها وينجرف مع التيار الذي اجتهد في صياغة برنامج عمل عربي إسلامي أميركي جديد، يتجاوز قضية العرب الأولى، أو يضعها في ذيل أولوياته، كما ظهر في بعض الخطابات.
ولهذا حرص الملك على الربط الموضوعي بين حل القضية الفلسطينية والانتصار في الحرب على الإرهاب والتطرف بقوله: “لايوجد ظلم ولّد حالة من الغبن والإحباط أكثر من غياب الدولة الفلسطينية، فالقضية الفلسطينية هي القضية الجوهرية في المنطقة، وهو ما أدى إلى امتداد التطرف وعدم الاستقرار ليس في منطقتنا فحسب، بل أيضا إلى العالم الإسلامي”.
كان الملك عبدالله الثاني الزعيم الوحيد الذي ذكر القدس في خطابه، وحذّر من عواقب كارثية إن حاول أي طرف فرض واقع تفاوضي جديد على الأرض.
وعند الحديث عن المواجهة الفكرية مع المتطرفين وأفكارهم الظلامية، ذكر الملك وعلى نحو مقصود رسالة عمان التي أطلقها الأردن قبل اثني عشر عاما، واعترافها الصريح بشرعية المذاهب الثمانية، في وقت يسعى فيه المتطرفون إلى إشعال حرب مذهبية في العالم الإسلامي، وتجد من الأنظمة والساسة من يغذيها دون إدراك لعواقبها الوخيمة على شعوب المنطقة العربية والعالم الإسلامي.
لم تسمح ترتيبات القمة ومجرياتها العاجلة في إدارة حوار إسلامي اميركي صريح يفضي إلى وضع برنامج عمل مشترك للمرحلة المقبلة، ولهذا لم يكن مستغربا تصريح بعض الدول المشاركة بعدم علمها المسبق بالبيان الذي صدر عن القمة.
بدا الملك في خطابه أول من أمس مدركا وبعمق للمخاطر التي تحيق بالمنطقة في حال هيمنت مقاربة الحرب والصراع الطائفي على عالمنا، ويحاول بكل ما لديه من حجج وبراهين إعادة توجيه بوصلة الأمة نحو أهدافها الحقيقية وقضاياها الأساسية.
لقد كان الملك في موقف يشبه إلى حد كبير موقف والده الحسين رحمه الله، عندما وقف في قمة القاهرة قبل أكثر من ربع قرن محاولا قدر ما يستطيع تجنيب الأمة حربا كارثية وتدخلا أجنبيا، مانزال حتى اليوم ندفع أكلافه الباهظة.