شيء جيد أن تأخذ الدولة وعلى رأسها الملك عبد الله الثاني قراراً بتعجيل التحول نحو الحكومة الالكترونية ،وان تكون الفترة 2018- 2020 تمثل التركيز الرئيسي على اجراء التحولات المطلوبة، حتى يرتفع دليل الحكومة الالكترونية في الأردن من قيمته الحالية والبالغة ما يقرب من 50% ،و هي حدود الدول المتوسطة، إلى قيمة مستهدفة تصل 75% ،خاصة و أن هناك دولا عربية مثل الإمارات العربية المتحدة وصل دليل الحكومة الإلكترونية فيها إلى 89.13% عام 2016 . ومن الجميل أن يرى المواطن آثار ذلك ،فينعكس على سرعة الانجاز، وتقليل نوافذ الاستدعاء، والافادة من الوقت بالمفهوم الاقتصادي والاجتماعي، و تخفيف معاناة الانتقال بين الدوائر الرسمية. ولعل تجربة سنغافورة وكوريا مثالاً يحتذى، إذ تحتل هاتان الدولتان الاسيويتان المكانة المتقدمة على دول العالم.
وحقيقة الامر أن الحكومة الالكترونية لا تلغي دور الموظف العام وإنما تستدعي أولاً: التخفيض التدريجي المبرمج في حجم الجهاز الوظيفي والذي يصل لدينا إلى 40% من قوى العمل مقارنة بمتوسط 12% في الدول المتقدمة على سلم الإدارة الإلكترونية. ثانياً: اعادة توزيع الصلاحيات والمهام، حتى تبتعد الإدارة عن المركزية الشديدة و ارتباط صنع القرار بالأفراد و ليس باستيفاء المتطلبات. وثالثاً: تأهيل الموظف العام للمرحلة الجديدة نفسياً وتكنولوجياً، بما في ذلك تغير طبيعة العمل.
فالتأهيل النفسي المطلوب هو أن يستقر في ذهن الموظف أن دور التحكم في المواطن والتأجيل والتسويف قد انتهى وان دوره الحقيقي يتمثل في خدمة المواطن والاسراع في انجاز ما هو بحاجة اليه وفق القانون. إذ إن الحكومة الالكترونية لا تتوافق مع سلوكيات التحكم المزاجي،و المحسوبية والواسطة والقرباوية، وإلا فإن الأنظمة سوف تتعطل ويعود الوضع إلى ما كان عليه. إن برمجة أعمال الوزارات وصياغتها بما تتعامل به الشبكة الالكترونية تستدعي جهوداً معمقة ومكثفة، حتى يمكن الخروج من بيروقراطية صنع القرار إلى سرعة ورشاقة القرار الالكتروني، خاصة و أننا تراجعنا قليلا خلال السنتين المنصرمتين على دليل الحكومة الإلكترونية. وهذا يستدعي أن تكون هناك منظومة من الاستعدادات على النحو التالي: أولاً: برامج توعية وتأهيل للموظفين حتى يكون تعاملهم مع النظام الالكتروني قائما على الوعي والقبول والتفاعل الايجابي. هذا إضافة إلى دورات تدريب، و ربما في الدول التي نجحت في تسيير الحكومة الالكترونية مثل الامارات وماليزيا. ثانياً: برامج توعية للمواطن من خلال وسائط الاعلام والتواصل الاجتماعي والمدارس والجامعات بكيفية التعامل مع المعلومة والاستعداد النفسي والذهني والالتزام الاخلاقي والسلوكي بالقانون والتعليمات دون مجال للتدخلات الشخصية. ثالثاً: مراجعة اجراءات العمل الحكومي في كل قطاع بهدف تطويرها والتخلص من الاجزاء غير الضرورية، والافادة من القدرة الضخمة للشبكة الالكترونية على توفير المعلومات دون اجهاد الموظف أو المواطن في البحث عنها وتجميعها. رابعاً: التعجيل في اصلاح القضاء وخاصة في جانبي النزاهة وسرعة الإنجاز وهذا له دور كبير في الافادة من الحكومة الالكترونية لإشاعة روح الثقة والاطمئنان إلى الحقوق.خامساً: اصدار قوانين ومدونات سلوك تضمن الحفاظ على المعلومات وعدم انتهاك “الخصوصية المعلوماتية” من قبل موظفي الدولة وتحسين حصانة الأنظمة والشبكات.سادساً: تعزيز الاستعداد الاقتصادي والاجتماعي لدى الحكومة من حيث تخفيض ساعات العمل أو عدد الموظفين، وفتح فرص جديدة لهم في مشاريع انتاجية جديدة. بمعنى أن كل تحول في الاجراءات من الشخصي إلى الالكتروني يؤدي إلى فائض في ساعات العمل و في الموظفين لابد من استثماره بالطريق المنتج الصحيح. سابعاً: تدريب قادة من الفنيين القادرين على التعامل مع الأنظمة الضخمة المعقدة .
إن الأركان الرئيسية للحكومة اللإلكترونية هي ثلاثة :منظومة المعلومات و الاتصالات ،و الخدمة على الخط ،و رأس المال البشري.و لا تكون هذه فعالة و على مستوى متقدم يحدث مكاسب اقتصادية اجتماعية حقيقية ، إلا إذا تحسنت الإدارة والحاكمية في المؤسسات ،وتعززت الشفافية والمشاركة المجتمعية، وكان هناك دعم علمي و تكنولوجي متين ومتطور . واخيراً فإن من شأن التطبيق المتقدم للحكومة الالكترونية رفع كفاءة الآداء الإداري والاقتصادي،واجتذاب المستثمرين، والمساواة بين المواطنين، وزيادة الثقة بالحكومة، وتحسين الموقع التنافسي للبلاد، وتوفير قوى عاملة تساهم في بناء مستقبل افضل حين يتم توجيهها للعمل في المشاريع الإنتاجية.