خطوتان اتخذتهما الحكومة، خلال الأيام القليلة الماضية، تقدم كل واحدة منهما رسالة إيجابية تصب في ضبط تمرد مدارس خاصة على التشريعات والتعليمات.
الخطوة الأولى، ولعلها الأهم، هي المرتبطة بالتزام المدارس الخاصة ورياض الأطفال كافة تحويل رواتب العاملين لديها إلى البنوك المعتمدة، إلا إذا رغب الطرف الثاني في غير ذلك.
هذه الخطوة، لمن قد لا يدرك فوائدها المباشرة، تعني رفع ظلم كبير وقع على معلمين ومعلمات بسبب ممارسات بعض إدارات مدارس ورياض أطفال، عمدت إلى عدم التزام الحد الأدنى للأجور. إذ كنا نسمع عن معلمات خصوصاً، راتب الواحدة منهن أقل من 100 دينار شهريا، على الرغم من أن الحد الأدنى للأجور كان في حينه 190 دينارا.
وقد جاء القرار الجديد في إطار مذكرة تفاهم بين وزارة العمل ونقابتي أصحاب المدارس الخاصة والعاملين في التعليم الخاص “لترسيخ مبدأ العمل اللائق والمناسب للمعلمين في المدارس الخاصة”؛ بتوفير بيئة عمل لائقة للمعلمين، تُحترم فيها حقوقهم، وتنصف من تعرض منهم للاستغلال والظلم. إذ سيتسنى، بهذه الخطوة، مراقبة قيمة المبالغ التي تحول للمعلمين، وبالتالي ضمان الالتزام بالعقود الموقعة مع العاملين في المدارس، من دون قدرة على الالتفاف عليها.
فمن المعروف أن إدارات بعض المدارس كانت توقع في الماضي عقوداً “قانونية” تلتزم بحقوق العاملين “ظاهرياً”، فيما الممارسة الفعلية نقيض ذلك؛ بمنح هؤلاء العاملين نقداً رواتب أقل من القيمة المقررة في العقود.
وتبدو الجزئية الأخرى للخطوة السابقة في ضمان التزام المدارس تطبيق الحد الأدنى الجديد للأجور، ومقداره 220 دينارا شهريا؛ ما يساعد في زيادة مداخيل عدد كبير من المدرسين، وقبل ذلك عدم هضم حقوقهم في هذا الجانب على الأقل.
الخطوة الحكومية الثانية المحمودة، اتخذتها وزارة التربية والتعليم، عبر قرارها الذي يصب في ضبط مغالاة المدارس الخاصة في زيادة الرسوم السنوية، بعد أن عكف كثير منها، خلال سنوات مضت، على فرض زيادات سنوية من دون أي ضوابط ومعايير، مع ما في ذلك من تعسف بحق أولياء أمور الطلبة في تلك المدارس.
هذا القرار جاء من وزير التربية د. عمر الرزاز الذي رفض طلبات مدارس بالموافقة على زيادة الرسوم السنوية. وقد استند القرار إلى أن هذه المدارس لم تقدم مبررات حقيقية تستدعي الموافقة على طلبها، بل جاءت مبرراتها ضمن الخدمات الأساسية الواجب توافرها في أي مؤسسة تعليمية خاصة، كونها من صميم عملها. وقالت الوزارة إنه “لا يجوز للمؤسسة التعليمية الخاصة رفع الرسوم الدراسية أو الأجور أو البدلات أثناء العام الدراسي، كما لا يجوز زيادتها بأكثر من 5 % سنويا، ووفق مبررات توافق عليها الوزارة”.
بصراحة، مثل هذين القرارين اللذين يصبان في الصالح العام، ويرتكزان أساساً على فكرة سيادة القانون وعدم الالتفاف عليه، يساهمان في تحسين المزاج العام؛ إذ يؤديان بشكل مباشر إلى تحسين حياة شريحة واسعة من الأردنيين؛ معلمين وأولياء أمور، بعد تركهم فترة طويلة لقمة سائغة لبعض إدارات مدارس جشعة. كما إنهما قراران يُشعران الناس بأن الحكومة مكترثة لمشاكلهم بشكل عام، متابعة لها، في سبيل إيجاد حلول فعلية لها.
أما الأهم، فهو تأكيد القرارين أن معالجة المزاج العام السيئ لا يجب أن تكون، بالضرورة، منحاً وهبات من الحكومات كما اعتدنا؛ بل الأفضل والمستدام أن تكون هذه المعالجة بتطبيق القانون، بما يحفظ لكل ذي حق حقه. وهذا هو الهدف الرئيس من سيادة القانون؛ منع التطاول على حقوق كل الأطراف، ولا سيما المستضعفة منها.