عروبة الاخباري _ كتب سلطان الحطاب _ لم تتوقف الملكية الاردنية من خلال مؤسساتها الادارية عن اعادة تقييم وضعها , وموضعة امكانياتها بالشكل الذي يجعل حركتها اكثر لياقة واقدر على الوصول الى اهدافها , وعلى العمل على تصحيح مساراتها باستمرار .
لا ينكر احد ان الملكية الاردنية ظلت تمر في مسيرتها باوضاع مختلفة بين مدّ وجزر , وهي تدرك متى تكون المطبات فتشد الاحزمة , ومتى تكون اجواءها الاقتصادية سالكة فتبقى ايضا حذرة .
ما زالت الملكية قادرة وما زالت قيادتها تقرأ الخريطة وتشير الى المواقع التي تحتاج الى اصلاح او تغيير .
لا تتحمل الملكية مسؤولية بعض الاجراءات او الخطوات الارتجالية في محيط ظروفها الموضوعية , وهي قادرة على اصلاح ما يمكن ان تسببه القرارات الخاطئة من ارتباك , فقد اصبحت اوضاعها اكثر شفافية وادارتها اكثر رغبة وقدرة على العمل المحوكم .
منذ زمن والملكية تعتمد على نفسها وتتحمل مسؤولية القرارات الصعبة بعد ان انفضت الحكومات عن الدعم المطلوب واكتفت بالقليل منه او المتاخر .
الملكية اليوم بحاجة الى اعادة ترتيب البيت الداخلي وقد فعلت الكثير من هذا وما زالت تفعل , وقد يكون المطلوب الاول الان ان تكف كل الجهات عن التدخل في شؤونها وان يترك امر اعادة انتاجها لاهل بيتها , اي لادارتها التي هي اعرف بشعاب الملكية ومصالحها .
ثمة تشوية متعمد تقوم به بعض الاطراف لتعطيل النهج الاصلاحي الجديد في الملكية , وثمة تحريض مبيت جرى كشف اصحابه الذين يعاودون بين الحين والاخر محاولاتهم باساليب خائبة .
لقد صمدت الان ادارة الملكية في وجه الواسطات والتدخلات وخرجت اكثر قوة بقرارها الاخير في حماية انجازاتها وشرحت لكل من يريد ان يعرف او يؤثر على قراراتها طبيعة الظروف التي تمر بها ونهجها الجديد في العمل .
ملفات الملكية لم تعد غائمة او مكتوبة بالحبر السري وهي بين يدي مجلس النواب من خلال لجنة متخصصة , ولا يجوز ان تقتصر القرارات على ما تم في مرحلة محددة حتى لاتظهر الامور وكانها نكايات وتصفية حسابات بين حكومة واخرى , كما لا يجوز ان تقوم جهات نيابية بابتزاز الملكية كما حدث قبل عقدين من الزمن حين كان جرى ارسال بعثة نيابية لاستقصاء امور الملكية في الخارج بدل معاينة الحال في الملكية نفسها وقد ترتب يومها على ذلك نفقات سفر واقامة للوفد المستقصي دون ان يحقق شيئا مما وعد , وعاد الذاهبون بخفي حنين وكانوا اشبه من يطارد السراب .
لا يجوز ان تستمر القرارات وخاصة ما يتصوره النواب عن الملكية الاردنية مبنية من ضجيج الاشعاعات , فدخول الرئيس ميقاتي للملكية معروف وخروجه معروف وما بينهما تعرفه الملكية فلا يجوز الارتجال خارج ذلك , وتستطيع الملكية بعيدا عن اي تدخلات ان تعرب جملة ميقاتي وان تضع تصورا دقيقا لذلك تتحمل فيه المسؤولية وتنهض بالالتزام .
الملكية مظلة تقي اكثر من اربعة الاف منتسب بالعمل اليها , وتشمل في تأميناتها من يتبعهم ليصل العدد الى ( 16 ) الفاً وهم اردنيون , وبالتالي فان الملكية بيت اردني مفتوح لا يجوز ان يهدم او يغلق , ويظل السؤال كيف ننظر الى الملكية الاردنية ؟ هل ينظر اليها كشركة عادية يمكن الذهاب الى حد تصفيتها وبالتالي اطفاء هذه الظاهرة ؟ ام كناقل وطني وعنوان من العناوين الوطنية التي تعكس السيادة وبالتالي المنعة وسد الحاجة و رفض التحكم في قدرة الجسم الوطني ومرونته وقدرته على قبول التحديات ؟
اعتقد ان الملكية عنصر اقتصادي واجتماعي وطني اردني يتخطى لغة الارقام وقوائم الربح والخسارة الى ما هو ابعد من ذلك ان كانوا يعقلون .
الملكية الاردنية وقد ادركت الكثير ممن تشكو او اطلعت على بعض جوانب اوضاعها الداخلية الاقتصادية والادارية قادرة ان تواصل طريقها وهي بحاجة الى مزيد من القرارات الحكومية الحريصة والسريعة والمتماسكة والمدركة انه لا يجوز ان تترك هذه الشركة لاي حالة تردي , وان اي اقتطاع اقتصادي او قرار اداري لصالحها وصالح زيادة رأسمالها المتواضع لتواكب سباق التنافس في المنطقة هو قرار وطني هام بلا شك .
الاشكالية في علاقة الحكومات بالملكية ان قرارات الحكومة في الدعم وانقاذ الملكية الاردنية من ما يحيط بها من تحديات ظلت قرارات مترددة او ناقصة او متأخرة او غير حاسمة , وفي نفس الوقت ظلت قراراتها يشوبها التدخل في كثير من الاحيان او الارتجال الذي كان يترك اثاره واعراضه .
لا ينكر احد ان سهم الملكية قد انخفض بشكل كبير وانه ادخل في هبوطه الملكية غرفة الانعاش , ولكن لا يجوز الحكم عليها من خلال قياس درجة حرارة السهم او ضغطه على كيانها العام , فالملكية تربح من التشغيل ولديها القدرة على اعادة النظر في وجهاتها القائمة واستبدالها وتعشيب الكثير منها او الاضافة عليها , ولكن المشكلة لا تكمن في التشغيل ولكن في معطيات اخرى , فقد جرى تجريد الملكية منذ سنوات عديدة مما كان يساعد في اسنادها من مرافق جانبية ومن استثمارات مساعدة ظلت تمكن شركات الطيران من التغلب على كثير من مشاكلها , فالملكية لا تملك اليوم حتى طائراتها ولا تملك اسواقا او عقارات او مراكز صيانة او شركات اخرى لها ارصدة كبيرة او مستقلة , وهي في وضع تنافس شديد في الاقليم من شركات طيران غنية و مدعومة ولديها قدرة على حرق الاسعار وتوسيع الشبكات ومحطات الوصول و الاقلاع عبر العالم .
الملكية اليوم بحاجة الى اعادة تعريف واقعها بدقة والى معالجة كل جوانب الخلل وليس القفز فوقها او فتح جراحها دون علاج , وهي بحاجة الى منع التدخلات في شؤونها والى اعتبارها مؤسسة لها جوانب امنية لا بد من متابعتها بدقة والاستماع الى ما تواجهه او قد تواجهه في هذا السياق باساليب اخرى وذات طبيعة مدنية وتخصصية واشراك ادارتها وبشكل فاعل في اتخاذ قرارات او اسناد قرارات او دعم قرارات في هذا الجانب تحديدا , وان لا تعمل بمفردها او بمعزل عن سياق التوتر الامني في الاقليم .
والمواقع في الملكية وخاصة الرئيسية منها لايجوز ان تكون تشريفاتية او على شكل كوتا او تكريم او ارضاء , وانما تكليف بالعمل وتفرغ له ونجاح فيه بعيدا عن المجاملات او تحقيق مصالح آنية .
كنت في الملكية الاردنية في لقاء معرفي مع عطوفة المدير التنفيذي الكابتن سليمان عبيدات و ادركت عظم المسؤولية الملقاة على ادارتها التنفيذية وكوادرها الاساسية و احساسهم بالحرص الشديد على الامساك على كل اسباب الحياة فيها , وهم الاقدر على تشخيص اوضاعها ووصف علاجها ولذا لا بد من تجديد الفرص لسماعهم لتكون القرارات متوازنة وناجحة ومثمرة .
ان اسلوب النكايات وتصفية الحسابات لا تجدي , والمسألة لا تتعلق بمن يأتي الى الملكية او يذهب منها من قيادات او كوادر بمقدار ما هي خارطة الطريق في الملكية وكيف يمكن انفاذها بشفافية ووعي واقتدار .
فالقرارات المدروسة والقائمة من دوافع وطنية و موضوعية مخلصة مثمرة اما القرارات الصغيرة والكيدية والسريعة والقائمة على ردود الفعل الآنية والانفعالية فانها توهن وتضعف وتفقد الملكية مفهوم القدوة والمؤسسية والحفاظ على تراكم الجهد وان تسلم الاجيال راية العمل بالتوالي .
ليس صعبا التقاط بعض التحديات التي تواجه الملكية او التي ورثتها وبقيت تواجهها مثل غلاء الوقود في الماضي والذي راكم ديونا , ومثل بيع الطائرات والذي احدث حالة متذبذبة ومثل بعض القرارات الارتجالية الاخرى التي اصابت اداراتها من خارجها , ومثل التدخلات والضغوط الاجتماعية التي مارسها في الماضي بعض النواب في اجراءات ظلت تخلق تشوهات , او تشي يتجاوز الفرص الموحدة للمواطنين .
وفي الاجمال فان الملكية الاردنية ما زالت شركة وطنية جميلة بحاجة الى كل اسباب الدعم لضمان اسباب البقاء القوي , و لديها من كوادرها القيادية وعلى راسها قيادتها التنفيذية ما يضمن سلامتها و استمرارها وصعودها , والمطلوب تمكينها من اتخاذ المزيد من الخطوات من اجل اعادة بناء نفسها وعقد صفقاتها بشفافية و اريحية , وتمكينها في العمل في هذا المجال حتى لا تبقى قراراتها تطبخ في غير مطابخها ولا يتحمل متخذها الغرم حين تفشل .
ما زلت اذكر ما قاله لي احد ابرز المستثمرين في الملكية ممن يحوزون اسهما وهو رئيس الوزراء اللبناني الاسبق السيد نجيب ميقاتي من انه عندما ساهم في الملكية فقد ساهم في السمعة والرغبة في التعامل مع هذا البلد الذي احبه واحب قيادته , وانه لم يلتفت للارباح وانه صبر كثيرا على ذلك واستغرب أن تؤول الاحوال في الملكية بداية الى ما آلت اليه , ومع ذلك لم يصبه الفزع او الكره وانما اراد ان يقترح او يعرض افكاراً وجد ان الملكية في التسويات توافقه النظر اليها في كثير من الاحيان , وان الشغب يأتي من خارج اطار المجموعات الفاعلة والقادرة على المعالجة , وتلك التي لا تعتقد بالحوكمة وانما ترى ان المسألة تذهب باتجاه الشعارات او الدوافع الشعبية التي يأخذ بها بعض السادة النواب ضمن سياق منقطع عن الواقع ومعطياته ومفهوم الشراكة والاستثمار وخصوصيات شركات الطيران وخاصة الناقل الوطني .
وبعيدا عن حرارة السهم او برودته فان الملكية اليوم اكثر قدرة على تشخيص واقعها وادراكها على مخاطر التأجيل وغياب العلاج الفاعل , وهي اي الادارة التنفيذية في الملكية لا ترى ان ادمان الشكوى يمكن ان يقدم حلولا وان استمرار التمنيات والادعية لا تفضي ايضاً الى خلاص وانما ان تعمد كل الجهات المعنية في الملكية وبالملكية الى علاج ناجح وموصوف وطويل المدى حتى تتماثل الملكية للشفاء التام وسط مناخات اقليمية معقدة دفعت الملكية وما زالت تدفع اثمانها وبعض هذه الاثمان غير مبررة وتستمر لفقدان القرارات لتصويبها او الجرأة في اتخاذ قرارات بديلة لها , وحجة المعطلين في كثير من الاحيان حجج موروثة او واهنة او تتم تحت ذرائع امنية يفرض تابو على مناقشتها , ولعل الشواهد في ذلك تعطيل استقبال مسافرين من اليمن وليبيا وغيرهما او ما يسمى بالجنسيات المقيدة التي تجمد او تتكاثر دون اعادة النظر في تحريك اوضاعها بين الحين والاخر او اعتبار جهات محظورة والتضيق او التوسع في مثل هذه القرارات السلبية بلا مبررات كافية.
يدرك المراقب ان تحديات الواقع صعبة تفرض اعادة النظر في كثير من القرارات التي تصيب الملكية او تحيط بها , وهي قرارات قد تتخذ في زمن السعة وليس في زمن الحاجة او الضغط الاقتصادي القاسي .
فالوضع القائم يجب ان يجبر من يتخذون القرارات الاقتصادية او حتى الامنية ان لا يمارسوا شعار ” الشبعان بطبخ للجوعان ببطء ” , وان يدركوا ان المرونة وتحريك الامور وتحمل شيء من المخاطرة اولى من اغلاق الابواب حتى الاختناق .